فقال بلا تردد: أنا في هذا المجال تقدمي أكثر مما تتصور!
فضحك صفوت مرجان وقال: لست أول شخص يجمع في ذاته بين الرجعية في السياسة والتقدمية في الحب!
اكفهر وجهه الأسمر الغامق، وازداد إشعاع عينيه حدة. أثارته - كما تثيره عادة - تهمة الرجعية. إنه يعتبر الديمقراطية غاية التقدم، وما عداها نوعا من النازية أو الفاشستية. وهو يفهم الديمقراطية على أنها أسلوب من التعامل بين الصفوة في المجتمع. الصفوة من أصحاب المصالح الحقيقة وأهل الفكر والثقافة. أما عامة الشعب فلا يعترف بهم، ولا يعمل لهم حسابا في قائمته الإنسانية؛ لذلك لم يحن هامته أمام الموجة الشعبية الهائلة التي أطلقتها الثورة. وكان يسخر من بعض أهل طبقته الذين تأثروا بها، فراحوا يهزون شجرة الأسرة بعنف لعلهم يعثرون على غصن فقير ... «شعبي» يلوذون به في الإعصار العاصف الذي يقتلعهم من جذورهم. كان يعتز دائما بأصله الرفيع، والعمالقة من أعمامه وأجداده، وينظر إلى الأشياء والناس نظرة أرستقراطية متعصبة. وقد انتشلته ملاحظة صفوت مرجان العابرة من حديث الزواج، فردته إلى موضوعه الأبدي، وهو السياسة، فقال: الديمقراطية الأمريكية رجعية؟! أمريكا أمة علمية، وقد تجاوزت بالعلم خزعبلات الشيوعية ونبوءاتها الكاذبة.
فقالت نهاد: نحن لا نكف عن الكلام، لا أحد يتكلم مثلنا، والغارات تمتد إلى أعماق بلادنا.
فقال حسن حمودة بحنق: المسألة أننا أمة مهزومة، ولكنها تأبى الاعتراف بهزيمتها!
ثم نظر إلى صفوت وسأله: متى نعترف بالواقع في تقديرك؟
فأجاب صفوت وهو يشعل سيجارة: سيخطو الروس خطوة جديدة وهامة في تقوية دفاعنا.
الروس أيضا! إنه يكره الروس أكثر من الكوليرا. ولولاهم لكان 5 يونيو يوم السعادة الحقيقية والفردوس المفقود. وسأله: هل نصمد حتى تصل المعونة الروسية الجديدة؟
فقال صفوت بثقة: لن يسمحوا بهزيمتنا مرة أخرى! - مبارك عليكم هذا الأمان!
فضحك صفوت وقال: الروس لا يستغلون ...
نامعلوم صفحہ