فسألته بجرأة: هل تحترم حياتك؟ - لم أفكر في تقييمها بعد!
فقالت بامتعاض: ما يؤلمني أحيانا أنني سلمت ابتغاء شراء أشياء، وإن تكن ضرورية.
فقال لها بعطف: المجتمع يقوم على الأخذ والعطاء فلا تتألمي!
فضربت الأرض بقدمها الصغيرة وتساءلت: متى نرى الفيلم الجديد؟!
6
وخيم الهدوء الشامل على مقهى الانشراح، فلم يند عنه إلا قرقرة النارجيلة المتقطعة. وكان عشماوي يتناول عشاءه - رغيفا وطعمية - عند الباب، أما عبده بدران فجلس على مبعدة يسيرة من حسني حجازي متحفزا للحديث أو لتقديم أي خدمة. وتساءل حسني حجازي في نفسه: كيف يواجه رجل مثل عبده بدران أعباء الحياة الفاحشة الغلاء بأسرته الكبيرة؟ كيف تتوازن ميزانيته المحدودة، ولو اقتصر الطعام على الخبز، والكساء على مخلفات سوق الكانتو، والمسكن على بدروم؟ وأولاده مع ذلك تلاميذ في المدارس، واثنان منهم - إبراهيم وعليات - أتما تعليمهما الجامعي، فأي معجزة تمارس في غفلة من المؤمنين! وقال إن ما ينفقه في ليلة يكفي لإعالة أسرة بضعة شهور، ومع ذلك فهو لا يخلو من تذمر، وإذا مر شهران دون عمل في فيلم طويل أو قصير تولاه القلق، فماذا يكمن وراء نظرة عم بدران الثقيلة الهادئة؟! وأقنعته عليات بأنها تحافظ على المظهر اللائق بفتاة جامعية بفضل النقود التي تربحها من الترجمة، فصدق الرجل الطيب، ولم يخطر بباله أن نقوده هو ضمن النقود التي تسهم في تربية كريمته! آه .. يوم عرف عليات عرف أنها كريمة عم بدران، وداخله قلق، وشيء من مناقشة الضمير، ولكنه قتل وساوسه بعقله البارد. وقال إنه لا يؤمن بذلك كله. ولم يتزعزع احترامه لعليات. وقال: عليهم اللعنة، فهم يقبلون الضيم والظلم والاستعباد، وينقلبون أسودا فاتكة في وجه الحب واللهو.
وهم أن يسأل عم عبده كيف يواجه الحياة، ولكنه سرعان ما أقلع عن فكرته، خشية أن يفسد عليه هدوء جلسة نصف الليل، أو أن يشجعه سؤاله على استجداء مساعدة، أو طلب سلفة. ولما طال صمت الأستاذ قال عم عبده بدران: تمت خطبة إبراهيم وسنية أخت مرزوق.
علم بذلك في حينه، فأتحف العروس بهبة مالية كما أتحف عليات من قبل، ولكنه قال: ليحفظ الله العريس ويسعد العروس. - ناس طيبون وعلى قد حالهم مثلنا، وهي موظفة بالإصلاح الزراعي!
فجاء صوت عشماوي من عند الباب قائلا: لا تعجبني المرأة الموظفة!
فقال له عم عبده بدران: جميع بنات درب الحلة تلميذات والكبار منهن موظفات.
نامعلوم صفحہ