لم أخبر تشيس بأي مما جرى، مع أنني اعتدت إخباره بأي شيء حدث وأظن أنه سيثير اهتمامه أو يسليه، إلا أنه دوما ما كان يتجاهل أي ذكر لآل جوري، وكان يصفهم ب «غريبي الأطوار».
أزهرت كل الأشجار الصغيرة التي بدت ذابلة من قبل في المنتزه، وتفتحت أزهارها وردية لامعة كأنها حبات فشار ذات ألوان اصطناعية.
في ذلك الحين، بدأت أعمل في وظيفة بالمعنى الحقيقي.
هاتفني أحد الأشخاص من مكتبة كيتسيلانو، وطلب إلي الحضور بضع ساعات عصر يوم سبت. وهناك، وجدت نفسي جالسة خلف المكتب، أختم الكتب التي يستعيرها الناس بتواريخ استردادها. كانت وجوه مستعيري الكتب مألوفة لي؛ إذ كنت أراهم وأنا أستعير الكتب من المكتبة نفسها، لكنني الآن صرت أبتسم لهم نيابة عن المكتبة، وأقول: «أراك بعد أسبوعين.»
كان بعضهم يضحك قائلا: «أوه، بل قبل هذا بكثير.» كانوا مثلي مدمني قراءة.
تبين لي أن هذه الوظيفة يمكنني التعامل معها؛ فلم يكن بها آلات تسجيل المدفوعات النقدية، كل ما هنالك أنني حين أحصل غرامات تأخير الكتب من مستعيريها، أعطيهم الفكة من درج مكتبي. كذلك كنت أعرف مكان معظم الكتب على الأرفف، أما فيما يتعلق ببطاقات الاستعارة، فقد كنت أعرف الأبجدية.
مع الوقت، عرضت علي المزيد من ساعات العمل، ولم يمض وقت طويل حتى أضحيت أعمل في وظيفة مؤقتة بدوام كامل؛ فقد تعرضت إحدى العاملات الدائمات لإجهاض، واضطرت للتوقف عن العمل شهرين. وقبل أن تنتهي تلك المدة مباشرة، حملت مرة أخرى، فنصحها الطبيب بألا تعود إلى العمل. وبذلك انضممت إلى فريق العمل الدائم بدوام كامل، وظللت أعمل معه حتى صرت في منتصف فترة حملي الأول. عملت مع سيدات كنت أعرفهن لفترة طويلة شكلا فقط - مثل ميفيس وشيرلي والسيدة كارلسون والسيدة يوست - وكلهن يذكرن أنني كنت مواظبة على ارتياد المكتبة، حيث أهيم على وجهي - حسب زعمهن - ساعات كثيرة. تمنيت لو لم ينتبهن إلي هذه الانتباه الشديد، لو لم أتردد كثيرا على المكتبة.
كم كانت متعة بسيطة؛ حيث أجلس في مكاني، وأواجه الناس من وراء مكتبي، وأتعامل بكفاءة ونشاط وود مع زبائني، وأظهر في أعينهم شخصا يعرف خبايا الأمور - شخصا ذا نفع في نظر الجميع - وأن أكف عن التواري عن الآخرين، والتجوال والتخيل، وأصير الفتاة العاملة في المكتبة.
بالطبع، بعد هذه الوظيفة، لم يتح لي الآن وقت كبير للقراءة، وأحيانا كنت أمسك بالكتاب في يدي للحظة وأنا على مكتبي - أمسك به كشيء وليس كإناء لا بد أن أتجرعه على الفور - ثم تنتابني لحظة خوف؛ كما يحدث عندما يحلم المرء بأنه موجود في مكان غير مكانه، أو أنه نسي ميعاد الامتحان، فيدرك أن ما رآه في الحلم ليس سوى جزء ضئيل من مصيبة مجهولة بالنسبة إليه أو غلطة يمكن أن تؤثر على حياته إلى الأبد.
لكن هذه الرهبة سرعان ما كانت تتلاشى.
نامعلوم صفحہ