كانت السيدة جوري تخبز الكعك والحلوى دوما تحسبا لأي زائر يطرق بابها (وعلى حد علمي لم يزرها أحد سواي، ولا يمكن القول بأني كنت أطرق بابها)، ولم تكن قط تقدم القهوة في أكواب فخارية.
لم تتكلم بفظاظة وإنما كانت دوما تبدأ جملها بكلمات رقيقة مثل: «دائما ما ...» أو «أحب دائما أن ...» أو «أعتقد أنه من الأفضل أن ...» «حتى حين كنت أعيش في البرية، كنت دائما أحب أن ...» وهنا تراجعت رغبتي في التثاؤب أو الصراخ. أين تلك البرية التي كانت تعيش فيها؟ ومتى؟
قالت: «على مسافة من الشاطئ، كنت حينها عروسا أيضا. عشت هناك سنوات في مدينة يونيون باي، التي لم تكن الطبيعة فيها شديدة البرية. عشت في جزيرة كورتز.»
سألتها أين يقع هذا المكان؟ فقالت: «بعيد للغاية.»
قلت: «لا بد أن الحياة هناك مشوقة.»
قالت: «مشوقة. إنها كذلك إذا كنت ترين الدببة مشوقة، إذا كنت ترين أسود الجبال مشوقة. عن نفسي أفضل الحياة الحضرية.»
كان هناك باب جرار من خشب البلوط يفصل غرفة الطعام عن غرفة المعيشة، وكان دائما ما يفتح قليلا كي تتمكن السيدة جوري من أن تبقي عينيها على السيد جوري الجالس على مقعده الريكلاينر أمام نافذة غرفة المعيشة، وهي تجلس على الكرسي في نهاية المائدة. كانت تتحدث عنه قائلة: «زوجي القعيد على الكرسي المتحرك»، لكنه في الحقيقة لم يجلس على الكرسي المتحرك إلا حين تصطحبه إلى الخارج للتنزه. لم يكن لديهما جهاز تليفزيون؛ حيث إنه، وقتها، كان من الصيحات الحديثة. وكان السيد جوري يجلس ليشاهد الطريق ومنتزه كيتسيلانو الذي يقع على الجانب الآخر من الشارع ويقع خلفه خليج بورارد. وكان يذهب بمفرده إلى دورة المياه متكئا على عصاه بإحدى يديه، وممسكا باليد الأخرى ظهور الكراسي أو متخبطا بالجدران. وفي الداخل كان يتدبر أموره بمفرده وإن كان قضاء حاجته يستغرق منه وقتا طويلا، وقالت لي السيدة جوري إنها أحيانا تنظف الأرضية بعض الشيء بعد أن يخرج.
عادة ما كنت لأرى من السيد جوري سوى ساقه الممتدة في بنطاله على مقعده الريكلاينر الأخضر الفاتح، لكنني رأيته مرة أو مرتين وهو يترنح بصعوبة بالغة ليصل إلى دورة المياه. كان رجلا ضخما ذا رأس كبير وكتفين عريضتين وعظام عريضة.
لكني لم أنظر إلى وجهه؛ فأولئك الذين تتسبب السكتات الدماغية أو الأمراض في إعاقة حركتهم أراهم نذير شؤم، أو رسائل تذكيرية قاسية. لم يكن ما أتجنب رؤيته هو شكل أطرافهم المعطلة أو أيا من علامات الإعاقة الجسدية الدالة على حظهم العاثر، وإنما أعينهم.
لا أظن أنه قد نظر إلي، مع أن السيدة جوري نادته لتخبره أنني حضرت من شقتي في القبو لزيارتهم، فصدرت عنه زمجرة ربما كانت أفضل ما بوسعه القيام به كتحية أو تذمر. •••
نامعلوم صفحہ