الأمر يسير! ألم تنفذ الطبعة الثانية من كتاب «حب ابن أبي ربيعة وشعره»؟ فلنطبعه من جديد، وفي هذا كفاية لمصافحة شاعر الحب والجمال؛ ولننتهز هذه الفرصة لنتكلم جادين أو مازحين عن العشق والصبابة والحسن والصباحة، ولنقلب هذه الكلمات على جميع وجوهها، ولنطل فيما تتصل به من جد القول وهزله، وحلوه ومره، ولنجل صدأ النفس بتصريف هذه البضاعة التي سمعت غير مرة أنها نوع من اللغو، وضرب من الهراء، وأنها شغل من لا شغل له من كل فارغ الرأس دقيق الإحساس! حسن! فلنكتب على بركة الله، أو على وجه الحب مقدمة للطبعة الثالثة!
ولكن ماذا نقول؟ لا بد من جديد، فإن قراء اليوم لهم نيات أشد تعقيدا من ضمائر الوشاة، ولهم أبصار أحد من عين الرقيب!
وبينا أنا أعد نفسي لكتابة هذه المقدمة مرت بي حوادث خطيرة، زادتني ثقة بأن بني آدم كأنما خلقوا؛ ليبغي بعضهم على بعض، وليكون أشرارهم حربا لأخيارهم، ولتكون كرائم الخلال من المودة والوفاء والإخلاص براقع يلبسونها؛ ليخفوا ما فطر عليه لئامهم من الغل والحقد، وما درجوا عليه من الإثم والبغي والعدوان.
وكذلك أمضيت ثلاثة أسابيع أفكر في أناس سقيتهم الشهد فسقوني العلقم، وأصفيتهم الود فأصلوني نار الجحود! والآن أستطيع أن أتقدم إليك أيها القارئ بشيء جديد! أتدري ما هو؟
أستطيع أن أقول لك: إن هذه الحياة أغلى وأثمن من أن تضيع في معاشرة حاسد لئيم العم والخال، أو محاورة غبي قد رأسه من الظلمة، وصيغ عقله من الهباء، أو مصافحة صديق يتجنى عليك وهو يعلم أنك في طهر الملائكة، ونبل الأنبياء. وستقول: أهذا جديد؟ ألم يقل به فريق من الفلاسفة قبل اليوم ؟
وأجيبك بأن ابن أبي ربيعة نفسه جهر بما يشبه هذه الدعوة، والمتنبي زاد عليها حين قال في السخر من ملاحة الملاح:
مما أضر بأهل العشق أنهم
هووا وما عرفوا الدنيا ولا فطنوا
تفنى عيونهم دمعا وأنفسهم
في إثر كل قبيح وجهه حسن
نامعلوم صفحہ