وعرف وهو في أدنبره فتاة تدعى مس ولش، كانت متطرفة من بعض العلوم والآداب، تغشى أندية الأدباء، وتكثر من المناقشة والبحث، وكانت إلى ذلك جميلة ممشوقة. فلما تعارف الاثنان رغب كل منهما في الزواج بالآخر؛ فقد رأت فيه الفتاة أمائر العبقرية والشهرة المستقبلة، ورأى هو فيها فتاة ذكية جميلة، فاتفقا على الاقتران.
وتم زواجهما سنة 1826، وكان عمرها 26 عاما، أما عمره فكان 32 عاما، وكان كلاهما يحب الآخر؛ إذ لم يكن كارليل يطمع في شيء من هذا الزواج إذا لم يكن يحبها، ولكن من الناس من يتهم مس ولش بأنها تزوجته وهي لا تحبه، وإنما كانت ترمي إلى اكتساب الشهرة باقتران اسمها إلى اسم أديب كبير لا بد أن سيشتهر قريبا. ولكن يرد على هؤلاء بأنها تزوجته وهو في فاقة بالغة، بحيث إنها ضحت براحتها وعانت معه صنوف الآلام، وهي تخدمه خدمة العبيد عدة سنين، فإن كانت قد أدركت بذكائها أنه سيشتهر، وأنها ستنتفع من هذه الشهرة، فهي لا بد أيضا قد أدركت أن هذه الشهرة بعيدة، وربما لا تتحقق مطلقا.
وكلا الفرضين جائز، وإنما دعانا إلى افتراضهما أن زوجة كارليل عانت في زواجها آلاما عدة، واتهم زوجها بالقسوة والفظاظة والخروج عن طور المروءة، فإن كانت قد تزوجته عن حب وإخلاص فعدم اتفاقهما بعد ذلك من صنوف الصدف، التي قد يكون فيها كارليل مسئولا أو غير مسئول. أما إذا كانت قد تزوجت به وهي لا تحبه، فقد وقعت تبعة شقائهما عن كارليل.
وعاش الزوجان في بدء زواجهما في كوخ منفرد في نجد مقشعر شمال أدنبره، لا ينبت فيه إلا الضئيل من النباتات. وكانا وحيدين لا يؤنسهما أنيس سوى أخ لكارليل كان قد ابتنى كوخا قريبا من كوخهما. وأخذت الوحدة تفعل أفاعيلها في أعصاب الزوجة؛ فقد كانت تقوم بأداء جميع ما يحتاج إليه البيت، ولم يكن كارليل ممن يرتاحون إلى مؤانسة الزوجة، وبخاصة إذا كانت هذه المؤانسة تنطوي على جدال علمي أو أدبي؛ لأن كل لذته في ذلك الوقت، بل كل عمله كان ينحصر في القراءة والكتابة والتفكير. وهذه الأعمال جميعها تحتاج إلى الوحدة.
وأخذت زوجته لكي تهدئ أعصابها، تتعود معاطاة الشاي والتبغ ثم الأفيون، ولكن هذه المخدرات لم تكن إلا لتزيد التوتر في أعصابها؛ فكانت حياتها تتراوح بين توتر قد يكون مصحوبا بتهيج، وبين إعياء قد يبلغ حد الخور والمرض.
وانتقلا بعد ست سنوات من كوخهما إلى لندن، وكان يزورهما لورد أشيرتون وزوجته، فقام في ذهن زوجة كارليل أن زوجها يعشق زوجة هذا اللورد، وصارت الغيرة تأكل في صدرها كالسوس، حتى كانت تقضي الليالي وهي مسهدة لفرط اهتمامها لهذا الأمر. والأغلب أن هذه الغيرة لم تكن سوى نتيجة تهيجها وضعف أعصابها؛ لأن كارليل كان على خلق عظيم. وكان اللورد أشيرتون يزوره ويستزيره، دون أن تدخل إلى قلبه أقل ريبة.
وماتت زوجة كارليل قبل وفاة زوجها بنحو 15 عاما. ويقال إن كارليل حزن عليها حزنا عظيما، وتذكر ما قاسته معه، فأذن للمؤرخ فرود أن يكتب تاريخ حياتها، يجمعه من الخطابات المتفرقة المرسلة إليها منه أو من غيره، والمرسلة منها إليه أو لغيره من الناس. وقد فعل ذلك فرود واستخرج من هذه المجموعة أن كارليل أساء معاملتها.
وهناك من يعزو آلام هذه الزوجة الشقية إلى أنها كانت تشتهي أن يولد لها ولد، فلما لم تنل مأربها من ذلك، تحولت هذه الشهوة المحبوسة، وانطلقت في ميادين أخرى، فصارت تكايد زوجها وهو يكايدها، حتى ساءت العشرة، وفسدت بينهما الزوجية.
ولكن من الخطابات التي أرسلتها إلى زوجها ننقل هذا الخطاب التالي، وهو لا يقرؤه رجل إلا ويشعر بأن فيه من التعبيرات ما يدحض هذه التهمة:
حبيبي
نامعلوم صفحہ