صلى الله عليه وسلم
الذي اتبع خطى جده - كما اتبع خطواته إلى حراء من قبل - وأعلن أنه نبي الفطرة الحنفية التي نادى بها الأولون السابقون، ونادى بها عبد المطلب. ومثلما أتى جده الرئي وغته ثلاثا ليحفر زمزم، فقد أتاه جبريل وغته ثلاثا، وكما اهتم عبد المطلب بتأكيد التحالف مع الأخوال من أهل الحرب في يثرب، اهتم حفيده أيضا بالأمر؛ فكان يلقى أهل الحرب اليثاربة عند العقبة، إلى أن هيئوا مدينتهم لاستقباله، بعد أن مات عمه أبو طالب، واشتد ضغط الأحلاف على الهاشميين. وكان الحل أن يغادر إلى الأخوال ليرفع الضغط عن الأعمام، في الوقت الذي كان فيه لجده عبد المطلب مكانة خاصة، وأثر لا يمحى من نفسه؛ تبرره حميته القتالية عند المعارك التي كانت تدعوه لأن يهتف: «أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب.» كأني به ينادي طيف جده: أي جدي، ها أنا ذا أحقق حلمك!
وقد ظل دور بني هاشم قائما إلى ما بعد خروج النبي
صلى الله عليه وسلم
من مكة إلى يثرب، بل إنهم لم يتركوه يغادر إلا بعد أن استوثقوا لمنعة أخواله اليثاربة واطمأنوا إليها، ويظهر ذلك من ذهاب عمه العباس معه - وهو بعد على دين قومه - للقاء أهل الحرب، في بيعة العقبة الكبرى، ولم يذهب - فيما يقول الطبري - إلا لأنه أحب أن يحضر أمر ابن أخيه ويستوثق له، وكان هو أول المتكلمين في هذا الاجتماع هائل الخطورة الذي شكل على وجه الزمان منعطفا حادا، غير وجه التاريخ تماما، فقال:
يا معشر الخزرج، إن محمدا منا حيث قد علمتم، وقد منعناه من قومنا؛ ممن هو على مثل رأينا فيه ، فهو في عزة في قومه، ومنعة في بلده، وقد أبى إلا الانحياز إليكم واللحوق بكم، فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه، ومانعوه ممن خالفه؛ فأنتم ما تحملتم ذلك، وإن كنتم مسلميه وخاذليه بعد خروجه إليكم، فمن الآن دعوه؛ فإنه في عزة في قومه ومنعة في بلده.
2
ويخبرنا البيهقي أن هذا الوفد العظيم الذي يتكون من سبعين رجلا، ممثلين لأهل المدينة، «لم يكن بينهم سوى ثلاثة نقباء من الأوس» وهم: أسيد بن حضير، وسعد بن خيثمة، وأبو الهيثم بن التيهان. وأنه عندما انتهى النبي
صلى الله عليه وسلم
من كلامه ووصل إلى القول: «أبايعكم على أن تمنعوني ما منعتم منه أبناءكم ونساءكم»؛ تناول البراء بن معرور - كبير القوم - يده وقال: نعم والذي بعثك بالحق نمنعك مما نمنع منه أزرنا؛ فبايعنا يا رسول الله، فنحن والله أهل الحرب والحلقة، ورثناها كابرا عن كابر. وهنا اعترض أبو الهيثم بن التيهان «الأوسي» الأمر، قائلا: يا رسول الله، إن بيننا وبين أقوام حبالا، وإنا قاطعوها؛ فهل عسيت إن أظهرك الله، أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟ فقال رسول الله
نامعلوم صفحہ