ذرني ومن خلقت وحيدا * وجعلت له مالا ممدودا * وبنين شهودا * ومهدت له تمهيدا * ثم يطمع أن أزيد * كلا إنه كان لآياتنا عنيدا * سأرهقه صعودا * إنه فكر وقدر * فقتل كيف قدر * ثم قتل كيف قدر (المدثر: 11-20). وفعلا مات الوليد قتيلا بسهم مسموم، قتله الله فيما تروي كتب السير والأخبار. ثم قامت الآيات تشبه رءوس القوم الذين لم يدركوا أبعاد تلك الدعوة العظمى ومراميها الكبرى بالحمير، فتقول:
فما لهم عن التذكرة معرضين * كأنهم حمر مستنفرة * فرت من قسورة (المدثر: 49-51).
حتى ذلك الحين كانت قريش لا تزال في هدوء وترقب، لكن محمدا
صلى الله عليه وسلم
الذي صمم على إتمام الأمر مهما تكلف من مشقة، قام يؤلب العبيد على أسيادهم، يناديهم: «اتبعوني أجعلكم أنسابا، والذي نفسي بيده لتملكن كنوز كسرى وقيصر.» وهنا بدأ القوم يشعرون بحجم الخطر الآتي؛ فالأرستقراطية القرشية حتمت مصالحها وجود العبيد، بل أن يتكون جيشهم الذي يحمي التجارة من هؤلاء العبيد في أغلبه، وبات الأمر أمر حياتهم ومعاشهم، ثم إن دعوة النبي
صلى الله عليه وسلم
إلى جعلهم أنسابا التي تمثلت في عتقه لعبده زيد بن حارثة ثم إعطائه أفضل النسب وأشرفه، بتبنيه إياه؛ كان يعني لبقية الدهماء من الأعراب أملا عظيما، لما كان للنسب من خطورة وأهمية تعطي صاحبها حماية عشائرية وقبلية. ثم إنه يعدهم بأموال أعظم؛ بأموال كسرى وقيصر، إن هم تبعوه. وعندما وصلت قريش إلى ذلك الفهم، أصبح النبي
صلى الله عليه وسلم
في نظرهم، وحسب منطقهم المصلحي؛ «مجرد مغامر طموح يهدف لغرض سياسي يبدأ بضرب قريش في مقتل؛ في مصالحها التجارية، حتى إذا تهيأ له الأمر امتلك أمر الحجاز، وزحف على ممالك الروم والعجم»، وما يتبع ذلك بالضرورة في منطق العشائر من رفع شأن بيت هاشم، وخفض شأن بيت عبد الدار وعبد شمس ونوفل؛ هكذا تصوروا الأمر العظيم!
ثم ها هو ينزع عنهم صفة أخرى ترتبط تماما بمصالحهم التجارية؛ تلك الصفة التي أكسبها لهم انكسار حملة الفيل على حدود مكة؛ صفة أنهم «أهل الله»، وينادي أهل مكة:
نامعلوم صفحہ