أسماء ممثلي وممثلات الرواية
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
أسماء ممثلي وممثلات الرواية
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
حيل النساء
حيل النساء
تأليف
أحمد أبو خليل القباني
أسماء ممثلي وممثلات الرواية
الاسم
الوظيفة
الكونت فردريك
حاكم مدينة مسينا
إميل
كاتم أسراره ومزاحم جان
جان
عاشق أوجين وابن أخ الكونت فردريك
أوجين
معشوقة جان
أدريان
خادم أوجين
لوسيا
زوجة الكونت فردريك
أنطونيو
خادم
حاجب
أربعة ثقلاء
عسكر وخدم على قدر الإمكان
الفصل الأول
المنظر الأول (ترفع الستارة عن قصر الكونت فردريك وبه كنبة وكامل الأثاث.)
لوسيا :
يا حبيبا ما درى أن
ني مدى العمر أحبه
ذاب قلبي في هواه
ليت شعري! كيف قلبه؟
يا ترى أحظى بوصل
أم يعز اليوم قربه؟
لم أطق كتمان وجدي
فمتى يسهل صعبه؟
وأراه ويراني
بعد بعد طال كربه
من مجيري من غرام
مزق الأحشاء عذبه؟
ما احتيالي؟ ما احتمالي؟
فبلائي جل خطبه
وحبيبي ليس يدري
بالتي أفناها حبه
إن طرفي أصل دائي
في الهوى والذنب ذنبه
لله من سلطان الغرام إذا تحكم فإنه يذل النفوس مهما كانت عزيزة، ويخضع الرءوس مهما كانت سامية، ويسول للإنسان ارتكاب كل محظور، ولا يدعه يبالي بأمر من الأمور، كما زين لي حب جان، وشغلني بحبه عن كل إنسان، مع أني زوجة عمه الذي رباه، بعدما أخذت المنية أباه، وأنا أحسب له كوالدة، ولا عذر لي بهذه المحنة الباردة، إذا ظهر للناس أمري، وانكشف للخاص والعام سري؛ فبأي وجه أظهر، أم بأي خيانة أذكر، إذا طاوعت غرامي، وما باليت بآثامي، فيا نوائب اسحقيني، ويا منية خذيني، قبل ما أضل، وأخطئ وأذل، رباه إنها لبلية تقرب المنية، وهوى يوهي القوى، ومصائب تطيل العذاب، وغرام يوالي الآلام، أواه، وا عذاباه! جان .. جان، أطلت الأشجان، جان، ملكت الجنان. قد تاه فكري، وحرت في أمري، فإنا لله، ولا راد لما قضاه.
جان يذيب القلب بالأشواق
وجدا ويحييه بطيب تلاقي
ومحاسن الوجنات منه لا يرى
جان سواي لها على الإطلاق
هو شمس حسن قد أغض جماله
من رام نيل القرب بالإشراق
في ثغره برد حوته صوارم
كم فترت أعضائي بالأشواق
ومجاز سر جماله ما ناله
من كان في علم الحقيقة راقي
أدريان.
أدريان :
نعم.
لوسيا :
اذهب وسل جان، هل يريد مقابلتي في هذا المكان؟
أدريان :
سمعا وطاعة يا مولاتي. (يخرج.)
لوسيا :
كيف خلاصي من هوى
مازج روحي واختلط؟
في حب من قيدني
في أسره وما انبسط
يا بدر إن رمت به
تشبها رمت الشطط
ودعه يا غصن النقا
ما أنت من ذاك النمط
ما فيه من عيب سوى
فتور عينيه فقط
يا قمر السعد الذي
لديه نجمي قد سقط
حاشاك ترضى لي بأن
أموت في الحب غلط (يدخل جان.)
جان :
أسعد الله أوقاتك يا سيدتي.
لوسيا :
مرحبا بك يا عزيزي الوحيد.
جان :
مري، هل من حاجة لك فأقضيها؟
لوسيا :
سلمت يا عزيزي فلا حاجة لي إلا أن أستأنس برؤياك وعذوبة ألفاظك؛ لأني في وحشة لغياب عمك الفخيم.
جان :
لا أرى موجبا لهذه الوحشة يا مولاتي؛ لأنك ناعمة البال هنيئة العيش، وغياب عمي لا يطول علينا، وعما قليل - إن شاء الله - تجتلي طلعته الزاهرة، فكوني مسرورة فرحانة، وها أنا يا مولاتي بين يديك فمري بما ترغبينه، فأنا أقضيه في الحال.
لوسيا :
تقضيه في الحال؟
جان :
نعم.
لوسيا :
بدون تأخير؟
جان :
ولا تقصير.
لوسيا :
مهما كان؟
جان :
مهما كان.
لوسيا :
ولو ...
جان :
ما معنى قولك ولو؟
لوسيا :
أي ولو كلفتك كل أمر؟
جان :
نعم أفعله، ولو كان القبض على الجمر.
لوسيا :
بارك الله فيك يا جان.
جان :
وأنت سلمت إلى غاية الزمان.
لوسيا :
أنا يسرني أن أراك دائما أمامي.
جان :
ها أنا يا سيدتي في خدمتك، ولا أعصي لك أمرا.
لوسيا :
أواه! كيف أظهر لديه حالي، وأعلمه بسبب بلبالي؟ (سرا للمتفرجين.)
جان :
ما لي أراك تتململين، كأنك يا مولاتي تتألمين؟
لوسيا :
نعم إني مؤلمة، ومهجتي مكلمة، وتراني مجبورة مكسورة، ومحزونة مسرورة، وقريبة بعيدة، وشقية سعيدة، فأواه من الزمان وعناه!
جان :
كيف تجمعين المناقضات؟ فدعينا من هذه المعميات، وصرحي بما تريدين، لأفعله في هذا الحين.
لوسيا :
آه يا جان، هل تجهل حبي الشديد لك؟
جان :
لا يا مولاتي لا أجهل حبك لي، وأعلم أني بينك وبين عمي، كأني بين أبي وأمي، وأذكر تربيته لي وعطفه علي في كل حال، لا سيما وقد وعدني بأن يزوجني بابنته أوجين، وأنت لا أنسى حنانك وإحسانك الواصل إلي، وأحترمك احترام والدة شفيقة، وبأحوال ولدها رفيقة، فبارك الله بكما على الدوام، وحفظكما مدى الليالي والأيام.
لوسيا :
أنا لا يكفيني خضوعك يا جان، بل انظر إلى جسمي الذي براه الغرام، وقلبي الذي لا يسكنه أحد سواك مدى الأيام.
جان :
ولأي شيء أسكن في قلبك؟ فهل قلت علينا البيوت؟ إن أمرك عجيب!
لوسيا :
لماذا تتعجب من أمري، وخالفت ما في فكري؟ انظر يا جان إلي.
جان :
ها قد نظرت إليك، تكلمي فكلي آذان صاغية، وقلوب واعية.
لوسيا :
أنا أحبك يا جان.
جان :
أما سمعناها من زمان؟ فهل عندك غير حبك لي شيء؟
لوسيا :
نعم عندي.
جان :
ما هو؟
لوسيا :
هو أني أحبك حب وجد وغرام، لا حب تعظيم واحترام.
جان :
إذن هو حب خيانة، لا حب صيانة وأمانة.
لوسيا :
ويلاه، ماذا أقول؟
جان :
قولي ما شئت يا كونتة، تكلمي بما أردت يا زوجة الكونت فردريك حاكم مدينة مسينا، أهكذا أنت يا شريفة، وهكذا أنت يا عفيفة، تخونين زوجا سما قدره، واشتهر بالصالحات ذكره؟ وتميلين إلي وأنا كولدك بل كخادمك، وتطلعينني على أمر يطيل - إذا ظهر - لوم لائمك، ويسقطك من مقام الشرف إلى حضيض الذل والتلف، أما أنت الكونتة لوسيا، التي بلغت من الشرف مكانا عليا؟ فتنبهي واحذري العواقب، التي ترميك في أشد النوائب.
لوسيا :
وهل تأكدت يا ذهول كلامي، وتحققت بك غرامي، مع شرفي المصون وعفافي المشهور بين نساء الأمراء والأشراف؟ وأنا ما فاتحتك بمثل هذا الكلام، وظهرت لديك بهيئة العشق والغرام، إلا لأعلم نواياك، وأستطلع خفاياك؛ حيث بلغني أن نفسك الأمارة، أطمعتك بنيل الإمارة، وأن مرادك تغتال عمك الذي هو كأبيك، بعدما تظهر حبك وتعلم أني مغرمة فيك، وأرغب ما ترغبه في كل حال، وأساعدك في الأقوال والأفعال.
جان :
أنا أفعل ذلك، وألقي نفسي في المهالك؟ والذي بلغك هذا الكلام هو عدو ألد يا ابنة الكرام، وكان يجب عليك عدم التصديق؛ لما تعلمينه مني على التحقيق، من صدق العبودية لعمي، الذي هو أحن علي من أبي وأمي، لا سيما وقد وعدني بزواج كريمته الوحيدة، وأن يجعل حالتي بالاقتران معها سعيدة، فأرجوك بألا تصدقي مثل هذه الأقوال، وتأكدي أني صادق الخدمة لكما على كل حال.
لوسيا :
هكذا أرغب أن تكون يا جان، فاذهب وكن مطمئن الجنان، ومتى حضر عمك أيها الأمين، اسأله أن يعجل قرانك بأوجين، وتعيش بعدها عيشة هنية، تضمن لكما السعادة الأبدية، وحذار أن تفوه بشيء مما دار بيننا من الكلام، فإنه كان لاستطلاع ما بلغني عنك من ارتكاب الآثام.
جان :
حاشا يا مولاتي أن أبوح بالسر.
لوسيا :
اذهب برئت من كل ضر. (يذهبان كل من جهة ثم يرجع جان.)
جان :
بئس يوم ولدت فيه يا خائنة العيش وابنة السفيه! من ظن أن لوسيا امرأة فردريك، تقف أمامي موقف خائنة، وتكلفني فعل الفجار الذين لا أمانة لهم ولا ذمة؟ أهكذا تكون نساء الأشراف؟ الطف بنا يا رب العالمين! والأرذل من خيانتها مغالطتها لي وأنها قصدت بذلك تجريبي لما بلغها عني، أظنت أني مغفل وتسلك علي تلك الحيلة؟ قبحها الله من خائنة وأعاذني الله من شرها، فأسلم أمري إلى الله وأسأله أن يرد غدرها عليها ويلقيها فيما نصبته لي من الأشراك، إنه عظيم عادل، يجازي العبد بما هو فاعل، ويلاه! كيف تغريني بخيانة عمي وحبيبتي أوجين، وتهون علي الوقوع في العذاب المهين؟ أوجين، أوجين، أنت زهرة حياتي، وبك أنال جميع لذاتي، وحاشا أن تستطيع لوسيا الفاجرة، أن تنقض عهد حبنا مهما كانت قادرة.
جمالك في شرع الغرام لواء
وقلبي وكل جوارحي خفراء
وفي دولة العشاق أنت مليكة
لحاظك في ملك الهوى وزراء
تبوأت عرشا في الفؤاد مخضبا
يوديه ما من أضلعي نصراء
فلم يستطع كف الخيانة هدمه
وقد صار من عهد الهوى وكلاء
فديتك أوجين بقلبي ومهجتي
فقربك عز والبعاد شقاء
فيا لحظها أروي بماء جمالها
رياض الهوى إذ في الفؤاد نماء (تدخل أوجين.)
أوجين :
جان أنت هنا؟
جان :
نعم - والذي سواك - يا طلعة البدر
ويا شمس حسن بددت غيهب الهجر
أنا هنا مشتاق إليك وحافظ
ودادك يا ذات الجمال مدى العمر
أبيت وقلبي بالصبابة مغرم
وأوصافك العذرا تردد في فكري
جمالك ريحاني وقربك راحتي
وحبك خمري والغرام بك سكري
عشقتك يا أوجين من عهد نشأتي
فشب معي وجدي وشاب الهوى العذري
أساكنة في القلب والقلب مفعم
بنار الجوى إني نجوت من الحر
بربك أوجين هبيني ابتسامة
بها ينطفي ما في الفؤاد من الجمر
أوجين :
أيا جان لي قلب يذوب فداك
ولي كبد تصلى بنار هواكا
فبالله ما هذا الغياب الذي مضى؟
فقل لي لماذا طال عهد نواكا
أراقب أقمار السماء لعلني
أرى بينها شبها لحسن بهاكا
إذا سمعت أذناي خطوات أرجل
تطلعت ظنا أن تكون خطاكا
وعدت تراني في الصباح وقد مضى
صباح وظهر ما شهدت سناكا
بربك أنعش بالتواصل مهجتي
ولا تقطعن بالبعد حبل لقاكا
جان :
أيا ظبية في روضة الحسن ترتع
رعتك لحاظي والفؤاد حماك
تجليت في عرش الجمال بديعة
وهذا فؤادي خاشع لبهاك
إذا كنت أوجين لحسنك عابدا
ألا يستحق العبد لثم لماك؟
أأنكر وجدي من حميا الهوى ومن
سقاني أقداح الهناء سقاك
وإن غاب جسمي عنك فالروح لم تغب
وها أنا ذا طوع لأمر بهاك
أوجين :
قد اتفقنا يا جان بالمحبة وتساوينا في الغرام، فمتى تسعى يا حبيبي أن أصير حليلتك؟ حيث ما بقي في القلب محل للصبر ولا طاقة للكتمان، وما عليك إلا أن تراجع أبي وهو ينعم علينا بالاقتران، الذي يكون سببا لعيشنا الهني، وإقبالنا السني.
جان :
إني - وحياتك - يا أوجين لم أتوان لحظة عن تمهيد السبيل إلى ذلك لدى والدك، وقد هان الأمر حيث وعد بعدما يعود من السفر بإجراء الزفاف.
أوجين :
إنه قد حضر.
جان :
عمي قد حضر؟
أوجين :
نعم قد حضر، وهو جالس وحده في غرفته، فبادر بتقبيل يده، وسله أن يعجل لنا بالاقتران.
جان :
سمعا أيتها الحبيبة، فها أنا ذاهب إليه الآن. (يذهبان كل من جهة.) (تدخل لوسيا وإميل وراءها متخفيا.)
لوسيا :
ويحك يا قلبي أما قلت لك
إياك أن تهلك فيمن هلك؟
حركت من نار الهوى ساكنا
ما كان أغناك وما أشغلك!
ولي حبيب لم يدع مسلكا
يشمت بي الأعداء إلا سلك
ملكته روحي ويا ليته
لو رق أو أحسن لما ملك
بالله يا أحمر خديه فمن
شامك أو شمك أو أخجلك؟
ويا غصن البان من قده
تبارك الله الذي عدلك
مولاي حاشاك ترى عاجلا
ما أقبح العذر وما أجملك!
آه ما الحيلة وما العمل لاستعطاف قلب جان، الذي هو أقسى من الصوان؟ وقد اجتهدت في استمالته إلي، فكان اجتهادي سببا لإبعاده عني؛ حيث قد ظهر له أمري، وانكشف لديه مكنون سري، وصرت ملزومة بمداراته خوفا من إظهار أمري لدى عمه وتكون هناك الطامة التي ترشقني بسهام العذاب، آه منك يا جان ما أقسى فؤادك، وما أقل ودادك! (ترى إميل)
ويحك لم دخلت علي بدون استئذان، فهل أنت هنا من زمان؟
إميل :
أنا هنا من وقت وقوعك في الشرك، وقولك ويحك يا قلبي أما قلت لك، وفقهت حبك لجان، وما اعتراك لأجله من الأشجان، وسمعت قصة غرامك، وما تقاسيه من أليم هيامك.
لوسيا :
إميل هل أنت تمزح، أم تخلط وتشطح، فما هذا الكلام؟
إميل :
لا ترهبي يا ابنة الكرام؛ فأنا حريص على كتمان سرك، وأساعدك على نجاح أمرك، بشرط أن تساعديني على نوال مرامي، وتنقذيني من أليم هيامي.
لوسيا :
بمن غرامك يا إميل؟
إميل :
بذات الوجه الجميل، والطرف الكحيل، فتنة العالمين، سيدتي أوجين، التي جعلت مهجتي حزينة، وأود أن تكون لي قرينة.
لوسيا :
قد استنسر البغاث، وأعيت الدلاث، حيث جئت يا إميل تطلب أوجين، وترغب أن تكون لها قرين.
إميل :
أنا لست لهذا الطلب أهلا، ولا أراه يا سيدتي سهلا، لكن غرامي مثل غرامك، وكلامي نظير كلامك؛ فأنت تعشقين جان، الذي لا يعذرك بعشقه إنسان؛ لأنه ابن أخي قرينك الجليل، وخطيب أوجين ذات المجد الأثيل، كما أني أهواها، وأرغب في لقاها، مع أنها في الثريا وأنا في الثرى، وهذا من أمري وأمرك ما جرى، فما تقولين، يا ذات العقل الفطين؟
لوسيا :
أقول أنا ولهانة وأنت ذهول، وقد حكم علينا سلطان الهوى، الذي ما له غير قرب الحبيب دوا، فعلينا أن ندبر أمورا موصلة للمقصود، قبلما يظهر للكونت أمرنا ونسكن اللحود.
إميل :
وما هي الأمور الموصلة للمقصود؟
لوسيا :
اذهب أنت وأنا أدبر لنوالها المجهود؛ حيث لا بد ما يحضر الكونت إلى هنا بعد حين، فأستعمل الوسائل وأزين له أن يزوجك بأوجين؛ لأن سلطان سلطتي حاكم عليه، ينفذ كل ما ألقيه من الاقتراح إليه، وبعد اقترانك بأوجين ندبر أمر جان، ونعيش أنا وأنت معهما في تهان.
إميل :
هذا هو الرأي السديد، والتدبير الحميد. (يخرج.)
لوسيا :
هل يسمع الكونت كلامي، أو يحول بيني وبين مرامي؟ لا، لا، يجيبني إلى طلبي، وينيلني إربي؛ لأني مالكة على عقله، ومتصرفة على لبه، ولا يخالف لي مراد، ولو ركب شوك القتاد، نعم نعم ينيلني الوطر، ها هو قد حضر. (يدخل الكونت.)
لوسيا :
أهلا وسهلا أيها البدر
فلقد حواك القلب والصدر
بلقاك أحييت الفؤاد ومن
مجلى جمالك قد بدا البشر
وبك ازدهى نجم السعود وقد
فرح الورى وتبسم الدهر
فاجلس على عرش البها ملكا
فبك استقام النهي والأمر
وإلهنا عم العباد وقد
ساد بالأماني البر والبحر
الكونت :
لقاؤك لوسيا رضاي ومطلبي
وحبك ما بين البرية مذهبي
لأجلك أبغي الفخر والمجد والعلا
وأطلب من دنياي أحسن مطلب
ولولاك فضلت الفناء على البقا
فدومي مدى الأيام غاية مأربي
فلولاك ما أدركت للمجد قيمة
وما نلت من عيش بدنياي طيب
لوسيا :
أيد الله يا مولاي مجدك، وأدام في ذروة الفخار سعدك، وأبقاك لي سندا متينا، وحصنا حصينا؛ فوجودي بوجودك يذكر، وعزي بعزك يسمو وينشر، ولولاك لما بلغت مقاما عليا، ولا سميت بالكونتة لوسيا، حفظك الله ما صدح هزار، وتلا ليل نهار.
الكونت :
إني أتيت أيتها الكونتة الآن، لأتفاوض معك في أمر ذي شان.
لوسيا :
وما هو الأمر يا ترى؟
الكونت :
إنه لا يخفى عليك يا عزيزتي أمر الحب، وكيف له سلطان على القلب، فإذا حاكت عواطف الشاب عواطف الشابة، أضرم الحب في قلبيهما نيرانه الشابة، وحكم بينهما سلطان الطباع، وحمل كل واحد ما لا يستطاع.
يطاع الأمر إن يك مستطاعا
ونهي عن حبيب لا يراعى
إذا أمر الهوى ونهى سواه
فأمر الحب أولى أن يطاعا
وإذا كان الحب مقدسا وغايته شريفة فمن الواجب جمع العاشقين بارتباط شرعي تحمد غايته، ولا يخفاك أن ابن أخي جان مغرم بابنتي أوجين، وكذلك هي تهواه، ولا ترضى قرينا سواه، ولا حرج عليهما في ذلك؛ لأنهما في ريعان الصبا، وصدر كل منهما رحيب لقبول دواعي الهوى، وإنهما عائشان في نعمة واحدة وجامعهم بيت واحد، ولما لم يكن في هذا الحب من محظور، وكل منهما أولى بعشيقه من غيره لصلة النسب ووجود الكفاءة، فلم أر بدا من وضع يد أوجين في يد جان، ونفرح جميعا بهذا القران، فما تقولين أيتها الحبيبة؟
لوسيا :
إنها - والله - عجلة غريبة، وتسرع بين، ضرره غير هين، وأنا أستأذنك يا مولاي فأقول، على أمل أن ترى كلامي من الفضل لا من الفضول: إن جان يضارعها في النسب، ولكن لا يماثلها في الأدب، وجان جاهل وأوجين عالمة، والفرق بين العالم والجاهل كبير، وأنا لا أرى في جان نباهة توصله لأخذ أوجين وإن كان ابن عمها الوحيد، وحبيبها الفريد، فتأن ولا تعجل؛ فإن عاقبة العجلة الندامة، ولا تلمها على هذا الحب؛ فإنه حب طيش وذهول، لا حب رزانة ومعقول، ومن رأيي أن تؤجل هذا الأمر لوقت آخر، وتنظر بعدما يكون من الأمر المقدر.
الكونت :
كلامك أيتها الكونتة حسن ورأيك هذا موافق، ولكن الأمر الذي لا بد منه، فالإسراع لقضائه أولى.
لوسيا :
ومن يعلم ما تكون عاقبة هذا الأمر إذا قضيناه، أما تنظر بعينك طيش جان وأنه في إبان صباه وريعان شبابه، وأنه شره في وليمة الغرام؟ ونخشى بعدما يقضي وطره من أوجين أن يعلق بسواها وينقلب هذا الحب إلى عداوة وبغضاء، ونقع في داء ما له دواء، فطاوعني ودع هذا الأمر الآن، وبعد ذلك يدبرها من هو كل يوم في شأن.
الكونت :
أراك كثيرة الإصرار على منع هذا الأمر، وما أظنك إلا واهمة بهذا الرأي، غير مصيبة، فاعلمي أن خير الحب أطهره، وأجله أوله، وأثبته حب الصبا الذي لم تحل دونه مصاعب الزمان، فأنا واثق وراض بجان، وابنتي لا ترغب غيره إنسان، وإذا استفاق الحبيبان، وهما بيد القران متعاقدان، فيكون قطع عاقبة فساد القلب، الذي يسول للإنسان ارتكاب كل أمر صعب، ويبيتان على الولاء، مساء صباح وصباح مساء، ومن لي أكفأ من جان، أجعله حليل ابنتي مدى الزمان؟
لوسيا :
إنك تجد أكفأ منه علما، وأكرم خلقا وحلما، وأرزن عقلا وأوفر أدبا، وإن كان لا يساويه رفعة ونسبا، ألا وهو كاتب يدك وكاتم أسرارك إميل.
الكونت :
إميل؟
لوسيا :
نعم إميل الذي درس سياسة الأحكام، وأرضى بحسن سيرته الخاص والعام.
الكونت :
لا ليس أهلا من جان، ولا أنبل بالذكاء والعرفان؛ فإني أتوسم من جان نباهة غريبة، وأرى نور النجابة يلوح بين عينيه، فضلا عن الإقدام والشهامة اللذين يؤهلانه لكل سعادة، نعم إنه شاب تستفزه الصبوة أحيانا إلى الطيش، ويستخفه عنفوانه إلى الترف، غير أن ذلك وقتي يزول ويكفينا عن ذلك أنها لا تحب سواه، فماذا يكون يا ترى إذا عوضناها عمن تحب بمن لا تحب، فهل تضمنين حسن العاقبة أو تخرجين وتتركينني في المعركة إذا وقعنا في أمر ليس في الحسبان؟
لوسيا :
نحن نقنعها أن إميل أفضل لها من جان.
الكونت :
أنا لا أقدر أن أقنعها، فهل أنت تقدرين؟
لوسيا :
لا، أنت تقدر على إقناعها.
الكونت :
قلت لك لا أقدر، فإذا كنت أنا نفسي غير قانع بأن إميل أفضل لها من جان، فكيف أقدر أن أقنعها؟
لوسيا :
إذن أنا أقنعها.
الكونت :
قلت لك لا تقدرين أيتها الكونتة؛ لأن سلطان الحب أقدر على العقول من كل سلطان، وهو قدر إلهي لا يقاوم، فطاوعيني ودعي هذه المعارضات التي لا تفيد سوى التعب.
لوسيا :
ويلاه! كلما سهلت صعوبة أقام سواها، ومع ذلك فلنستقدمها لنرى هل يمكن إقناعها أم لا؟ أدريان.
أدريان :
نعم.
لوسيا :
أحضر أوجين.
أدريان :
سمعا وطاعة. (يخرج.)
الكونت :
والذي أراه أيتها الكونتة الآن أنه لا بد من عقد قرانهما عن قريب؛ لأني فحصت قلبي الاثنين وقلبي أنا أيضا، فما وجدت أليق من اقترانهما، وهكذا وعدتهما فحققي وفاء وعدي.
لوسيا :
إذن أنت مصمم على ذلك؟
الكونت :
نعم. (تدخل أوجين.)
أوجين :
أسعد الله وقت سيدي الوالد ووقت خالتي العزيزة.
الكونت :
وأنت يا ابنتي الوحيدة، أوقاتك سعيدة، اعلمي يا أوجين أني تفاوضت مليا مع خالتك بأمر زواجك، فرأينا الأفضل لك أن تسلمي يدك بالاقتران لإميل كاتم أسراري؛ لأننا أدرى بالأصوب لك، ولنا الأمل أن تجيبي طلبنا بالإيجاب.
أوجين :
وا حرباه! بإميل.
وجان الذي ملكته الروح والحشا
أأعتاض عنه بالذي لن أحبه؟
ومن يسترد القلب من جان يا ترى؟
وقد وحد الأشجان قلبي وقلبه
إذا قسموا القلب المركب بيننا
فهل يقسموا حبي إليه وحبه
ترومون موتي إن بالموت راحتي
ولا لا أرى هذا القران وكربه
أروم ابن عمي يا أبي فهو بغيتي
وإلا فكل يقضي في الحب نحبه
لوسيا :
تأدبي يا أوجين، واعلمي أن من يطاوع هواه ويعصى أولياء أمره يندم.
أوجين :
ويلاه! أنا طائعة لوالدي ولك يا سيدتي، ولكن قلبي عاص فما أفعل؟
لوسيا :
خالفيه يا أوجين وطاوعيني.
أوجين :
ليس هو عندي لأفعل به كما تشائين، بل وهبته لحبيبي جان وأنت تعلمين أن الهبة لا ترد.
لوسيا :
أإلى هذا الحد تتجاسرين؟ أما تخجلين من التفوه بهذا القول أمامي وأمام والدك، وكان الأجدر بك أن تهبي قلبك لمن يعرف قيمته، وهو خير لك من جان؟
أوجين :
تعنين إميل؟
لوسيا :
نعم إميل.
أوجين :
بربكما ارحماني، ومن إميل عافياني؛ فإني لا أحبه، ويؤذيني قربه، فلا أريد غير جان، مالك الروح والجنان.
أوجين :
دعاني دعاني إن قلبي معذب
وليس سوى جان أروم وأطلب
هو البدر في أفق الجمال وناظري
له يرعى دون النيرين ويرقب
تكلفني يا والدي ما لا أشتهي
فيا مهجتي ذوبي فصبحك غيهب
ويا خالتي ما بال قلبك قد قسا؟
وما كنت يوما عن ودادك أرغب
حكمت على قلبي الكليم بحرقة
فيا رب أنقذني فحكمك أصوب
الكونت :
أما قلت لك إن سلطان الغرام مطلق التصرف في القلوب، وقد شاهدت سلطته الآن فلا تكابري بعد، وقد عزمت على أن أزفهما ليلة غد بدون تردد.
فقومي يا أوجين واستبشري بما
تنالين من جان لكربك يذهب
أوجين :
أبي قد حباك الله مجدا ورفعة
وأبقاك في العلياء ما لاح كوكب
الفصل الثاني
المنظر الأول (ترفع الستارة عن غرفة الكونتة لوسيا كاملة الأثاث.)
لوسيا :
حكم الزمان بأن يذوب جناني
ويطول ذلي في الهوى وهواني
أخذوا حبيبي جان مني عنوة
وحوته أوجين بطيب قران
زفت إليه عروسة وبدا لها
بدرا منيرا في سماء تهاني
يا قلب مت إن الحياة مريرة
يا عين جودي بدمعك الهتان
إميل :
يا عين جودي بدمعك الهتان
أوجين أزكت في الهوى نيراني
بانت فبان تصبري وبدت لدى
جان كشمس فوق غصن البان
فتانة لما تجلى حسنها
خرت له الأقمار في الإذعان
لعب الدلال بعطفها فأمالها
عني وقرب وصلها من جان
لوسيا :
جان رماني بالجنون
وأسال من عيني عيون
إميل :
أوجين حكمت الهوى
فسرى لقلبي والشجون
لوسيا :
يا جان قلبي قد وهى
إميل :
أوجين قد ذقت المنون
لوسيا :
إميل قلبي معذب
إميل :
لوسيا ما لي من سكون
لوسيا :
آه يا قلبي.
إميل :
آه يا ظهري.
لوسيا :
آه يا عقلي.
إميل :
آه يا فكري.
لوسيا :
كواني الهوى.
إميل :
براني النوى.
لوسيا :
ما أفعل؟
إميل :
ما أصنع؟
لوسيا :
ما أبصر؟
إميل :
ما أسمع؟
لوسيا :
إميل خذ بيدي.
إميل :
لوسيا خذيني كلي.
لوسيا :
أواه! كاد لبي يذهب.
إميل :
ويلاه! كاد بيتي يخرب.
لوسيا :
من مجيري؟
إميل :
من نصيري؟
لوسيا :
من يسعف؟
إميل :
لا أعرف.
لوسيا :
ما ينفعنا يا إميل هذا البكا، ولا يفيدنا هذا الاشتكا.
إميل :
دبريني يا مولاتي، ما نفعل؟
لوسيا :
تثبت يا إميل ولا تذهل، واسمع مني ما أقول، فعسى نبلغ المأمول.
إميل :
تكلمي يا مولاتي بما يكون فيه الصواب، وترينني أتبع لأمرك من البادية لمواقع السحاب.
لوسيا :
حيث قضي لجان أن يتزوج بأوجين، فالأجدر بنا أن نفرق بينهما في أقرب حين.
إميل :
وكيف يكون هذا التفريق؟
لوسيا :
أنت لا تدري السلوك في هذا الطريق، وهو شغل النساء، أهل المكر والدهاء، فاذهب أنت الآن، وقابلني في هذا المكان. (يخرج.)
لوسيا :
لا بد ما أحتال وأفرق بين أوجين وجان، وأجتهد بعدها بقتل الكونت الخوان، الذي خالف كلامي، وأزكى بفعله ضرامي؛ لأنه أماتني وما شعر، وأنا الآن لا بد ما أسمه وأذهب روحه إلى سقر، جزاء عناده، وقبيح اجتهاده.
أدريان :
أجيبي يا سيدتي سيدي الكونت؛ فإنه ينتظرك في مقصورته.
لوسيا :
ماذا يريد مني؟
أدريان :
لا أعلم يا مولاتي ما يريد.
لوسيا :
سأذهب إلى لقاه، لأقف على مبتغاه. (يذهب أدريان، يدخل الكونت.)
خير يا مولاي إن شاء الله.
الكونت :
هو خير يا كونتة بلا اشتباه، فاجلسي بجانبي لأخبرك بما جد.
لوسيا :
أدام الله يا سيدي لك المجد.
الكونت :
اعلمي أيتها الكونتة العزيزة أن صديقنا البارون رودريك حاكم مدينة ميلان، قد تخاصم مع البارون وليم حاكم مدينة قيروان، وقد استحكم الخلاف بينهما حتى أفضى إلى العداء بعد الولاء، وطالما دعاني هذا الصديق إليه لأقضي عنده بعض ليال، تردد فيها ذكر أيام الصبا بعد الفراق الطويل. والآن وصلني منه كتاب يلح به علي بالقدوم إليه، عساني أتوسط بينهما فأحسم هذا الخلاف، وإني أرى من الواجب علي أن أجيب طلبه وأسعى في هذا العمل المبرور، ولا أعلم كم تكون مدة الغياب عنكم؛ ولهذا دعوتك لأطلعك على هذا القصد وأتزود منك نظرات الوداع؛ لأنني صممت على السفر نهار غد إن شاء الله.
لوسيا :
لله ما هذا الفراق الذي لم يكن في الحسبان؟ فلقد كدرتني الآن يا عزيزي.
الكونت :
لا تتكدري يا عزيزتي فهذه حال الدنيا، فعندك ابنتي أوجين تسليك ليلا ونهارا، وعندك ابن أخي وصهري جان وكاتم أسراري ووكيلي يخدمانك خدمة صادقة، عدا عن خدمك الخاص وحظاياك الواقفات تحت أمرك في كل آن.
لوسيا :
وهل تظن أنه يهنأ لي عيش بعد بعدك؟
الكونت :
لا تتكدري يا عزيزتي؛ فمهما طال الاجتماع لا بد من الفراق.
الكونت :
فلولا البعد لم يكن اقتراب
ولولا القرب لم يكن افتراق
وماذا سلسبيل الوجد يطفي
إذا ما كان في القلب احتراق؟
لوسيا :
علي أن أتصبر، وأمتثل لما هو مقدر، ولكن يا سيدي لا يطمئن قلبي عليك في هذا السفر الطويل؛ لأن الوحدة موحشة، ومن رأيي أن تصطحب معك من يؤانسك، ويتولى خدمتك، كما قيل خذ الرفيق قبل الطريق.
الكونت :
صدقت أيتها الكونتة، ورأيك هذا موافق، ولكن من تفتكرين أن أصطحبه؟
لوسيا :
أرى أن تأخذ معك جان.
الكونت :
جان؟
لوسيا :
نعم؛ لأنه ابن أخيك وزوج ابنتك الوحيدة، ولا آمن عليك بغير وجودك معه.
الكونت :
صدقت أيتها الحبيبة؛ فلقد فطنت إلى فائدة ثانية في اصطحاب جان معي، ولأجلها أرى من الواجب علي أن يكون معي في هذه المهمة السياسية؛ لكي أعرفه بأصحابي وأمرنه على حل كل المشكلات وأفتح له باب مستقبل عظيم؛ لأنه شاب نجيب متوقد الذهن حاد الفكرة، فإذا أعجبوا بذكائه يكونون أنصاره في مستقبله بكل الأمور؛ حيث ما لي وارث سواه يستلم زمام الأعمال بعدي.
لوسيا :
وأنا رأيت كذلك يا مولاي، فأسأل الله أن يوفقكما في هذا الغياب الطويل، ويردكما علينا بسلام ونجاح.
الكونت :
ها أنا ذاهب الآن لأعد معدات السفر، وأنبه على جان أن يستحضر أيضا.
لوسيا :
بلغكما الله الآمال، وردكما إلينا سالمين. (يخرج الكونت ويدخل إميل.)
إميل :
أواه هذا الذي قد كنت أخشاه
وكان ينذر أفراحي بلاياه
أوجين فاز بها جان وغادرني
كليم حزن يذيب القلب لقياه
والدهر ما زال حربا يعاكسني
فيما أروم كفاني الله عدواه
من لي بخل رشيد الفكر يمنحني
رأيا يزيل عن الأفكار شقواه
عسى أرى فرجا مما دهيت به
من فضل ربي الذي أرجو عطاياه
لوسيا :
أبشر يا عزيزي إميل فقد لاح لنا صبح الفرج، وانجاب عنا عين الحرج.
إميل :
وكيف ذلك يا مولاتي؟ أخبريني.
لوسيا :
اعلم أن الكونت مزمع أن يسافر إلى ميلان في مهمة سياسية، وقد أطلعني على قصده فأظهرت له كدري من فراقه، ثم حسنت له أن يصطحب جان في سفره ليكون له معينا في شئونه ومؤانسا في وحشته.
إميل :
لله درك أيتها الماهرة! وهل نجح سعيك في هذا الأمر؟
لوسيا :
بلا شك، وقد استصوب رأيي الكونت جدا وسر من مشورتي، ورأى أنه لا بد من اصطحاب جان لكي يعرفه بأصحابه ويمرنه على حل المشكلات السياسية وحسن المداخلة مع الأمراء.
إميل :
مناسب جدا، ولكن ما فائدتك أنت من غياب جان، بل كيف تطيقين فراق حبيبك الوحيد وما سمع أن أحدا يسعى بإبعاد حبيبه عنه؟
لوسيا :
أواه! وا حبيباه! نعم جان مالك فؤادي ولكن أختار أخف الشرين، وويل أهون من ويلين، وأنا أحتمل فراقه بضعة أشهر، لكي أنجو من عذاب العمر كله.
إميل :
وماذا تعنين بذلك؟
لوسيا :
أعني ... سأخبرك بعد ماذا أعني؛ حيث لا فرصة لي الآن أن أشرح لك مكنوناتي، فهيا بنا لنودع الكونت قبل ذهابه، وبعدها ندبر ما نفعل في غيابه. (يخرجان ويدخل جان.)
جان :
زمان الأسى بالهم يصفو ويطفح
ويوم الهنا من ساعة الصبح يبرح
ومختصر الأفراح يتلوه عاجلا
بطولة أحزان فيمسي ويصبح
فهل نلتقي أوجين بعد افتراقنا
ونشطح في روض التهاني ونمرح؟ (تدخل أوجين.)
أوجين :
وهل ما قيل صدق يا حبيبي
بأنك سوف تبرح عن قريب؟
جان :
نعم أوجين ما قد قيل صدق
وغدر الدهر ليس من العجيب
أوجين :
علام ونحن في صبح التداني
تسارع شمس وصلنا بالمغيب؟
جان :
فصبرا يا حياة القلب صبرا
فسوف بموقف اللقيا نطيب
أوجين :
لقد ذاب الفؤاد وضاع رشدي.
جان (لحن) :
إنني أمضي وقلبي الكليم
عند من أهوى مقيم
مدنف لكن ودادي سليم
عن هواه لا يريم
فاذكري هذا البعاد الأليم
واندبي جسمي السقيم
حسبي المولى العظيم
إني المغرم آه! من لي يرحم آه!
من بعادي آه! والسقام وبلاه
هذا النوى قد كدر العيش الهني
أوجين :
بالله لا تنسي الهوى؛ فهو الدوا من شجني.
جان :
قد ذبت من هذا الوداع.
أوجين :
ارحم فؤادي في التياع.
جان وأوجين :
يا رب أدن الاجتماع ولا تطل في حزني. (يخرج جان.)
أوجين :
يا بين رفقا فما أبقيت من رمق
على فؤاد كوي من شدة الحرق
بان الحبيب وصبري والغرام سوا
ومهجتي كلمتها أسهم الفرق
يا جان أتلفت جسمي بالفراق وقد
كحلت عيني بكحل النأي والأرق
آه على ذلك القلب الذي غربت
أقماره عندما لاحت من الشفق!
لا يعرف المرء قدر البدر مزدهرا
ما لم تغيبه عنه ظلمة الغسق (يدخل إميل.)
إميل :
أوجين ما لك تشتكي
حر التباعد والفراق؟!
أوجين :
إميل قلبي قد غدا
من بعد جان في احتراق
إميل :
أوجين جان قد عدا
مع عمه عدو السباق
أوجين :
سيعود بعد وأجتني
من وصله ثمر الوفاق
إميل :
أوجين حاشا تلتقي
جان وأبشري بالطلاق
أوجين :
ما ذا الكلام إميل؟ رح
عني فكربي لا يطاق
إميل :
أوجين جان لا يعو
د إليك ... ... ...
أوجين : ... ما هذا النفاق؟
أنا لا أصدق ما تقو
ل فإنه محض اختلاق
وتزوير وبهتان؛ لأني أعرف قلب جان، وأعلم حبه الصادق، وقلبه الطيب الموافق، وأنت يا ذا الوجه المنكود، من أين علمت أنه لا يعود؟ وهل تفارقنا على شقاق، حتى جئت تبشرني بالطلاق؟
إميل :
أما تعلمين أني وكيل أبيك في الأحكام؟
أوجين :
بلى.
إميل :
وأني المتصرف المطلق دون جميع الأنام؟
أوجين :
بلى.
إميل :
وأني ذو حكمة وفراسة، ونباهة وسياسة، وإدراك حسن، وفطنة ولسن، وقد بلغت وأنا في ريعان الشباب، ما لم تبلغه الشيوخ أولو الألباب؟
أوجين :
بلى، وما المقصود من هذه البينات؟
إميل :
المقصود هو أنك أبعدتني وقربت جان، مع أني أحق منه بهذا القران.
أوجين :
أنت أحق بي من ابن عمي؟
إميل :
نعم، وإذا ما كنت أحق فيما سلف فأنا أحق الآن، فإنني حاضر إليك وهو ذهب في خبر كان.
أوجين :
ويلك هل أنت مجنون؟
إميل :
لا، ما أنا مجنون، بل ولهان ومفتون، وكنت أعلل نفسي بنيل الآمال، وأراقب ما يبدل حال جفاك بأحسن حال؛ حيث سلبت القرار، وعدمت الاصطبار.
أوجين :
ويلك! متى كنت تكلمني بهذا الكلام، يا عديم الشرف وكثير الآثام، أوتجهل من أنا، يا كثير الفسق والخنا؟
إميل :
لا تغلظي علي القول يا رقيقة الحاشية، وارحمي قلبي الذي هو لك مملوك وعيني الجارية، وجاوبي هذا اللطف باستعمال اللين، ولا تبخلي بقبلة على البائس المسكين.
أوجين :
ويلك أيها الخائن، والعنيد المائن؛ فقد أملتك نفسك بما دونه ورد المنون، وحدثتك أمانيك الكاذبة بما لا يكون، ولست دونك بالقوة والاقتدار، حتى تقضي بإكراهي الأوطار، فاذهب من وجهي يا خئون، قبلما أذيقك كأس المنون.
إميل :
كفى هذا الدلال، والتجافي والملال، وأجيبي مطيعة كما أريد، وجودي علي بضم هذا الجيد، وإلا حملني فرط الغرام على الإكراه، وسخط هذا الوجه الذي أتمنى رضاه.
أوجين :
ويلك قد خرجت عن حدود الأدب، وعرضت بكلامك ما تأنفه حمية العجم والعرب، فاقطع يد طلبك، واقصر مدى أربك، وإلا أمرت بإهانتك وإذلالك، وعاملتك على شاكلتك بضد أشكالك، ادخلوا يا حجاب (تدخل الحجاب)
أخرجوا هذا المهان، فلا سلم ولا كان.
الفصل الثالث
المنظر الأول (ترفع الستارة عن هيئة غرفة أوجين بقصر الكونت.)
أوجين :
أينفع صوب الدمع في الخد قد همى
وغم الأسى والغيم في القلب خيما؟
وأيدي الردى مدت إلي مخالبا
وقد فرقت للفتك في مهجتي فما
أفكر فيما مر من حلو عيشنا
فألقى نهاري بالنوائب مظلما
أيا بحر فينسيا أقمت قيامتي
وجرعتني صاب المصائب علقما
وأغرقت جان بل وروحي وراحتي
وغادرت عيني بالأسى تسفح الدما
ما هذا الخبر المفجع يا أدريان؟ فقد قرب الوعد الموعود، ودنت مشاهدة اليوم المشهود، فلا طمع في البقا، ولا أمل في الصفا، من بعد جان، مالك الروح والجنان، الذي ابتلعه البحر، وغادرني في القهر.
يا ماء ما لك قد أتيت بضد ما
جاء الكتاب مخبرا بعجيب؟
الله أخبر أن فيك حياتنا
فلأي شيء مات فيك حبيبي؟
يا بحر أخذت مني جان، يا بحر خلدت لي الأحزان، يا بحر ما أكبر اسمك، يا بحر ما أغلظ جسمك، ومع ذلك تكون غدار، وفتاك قهار، فخزيا لك يا عديم الأمانة، ويا كبير الضرر والخيانة، بحر دهر، أزمان أحيان، كلها مناجل لحصد الأعمار، أواه! وا مصيبتاه!
أدريان :
هوني الأمر يا مولاتي يهون، وقولي إنا لله وإنا إليه راجعون.
أوجين :
آه يا أدريان لو تعلم مقدار تعاستي، سعدت في زماني مدة وجيزة، ما ظننت أنه يوجد مثلي بين الأنام سعيدة، وأراني الآن هبطت إلى حضيض النحس والتعاسة، والأجدر بي أن أموت أو أقتل نفسي لأجتمع بالحبيب، الذي غادرني وتركني في لهيب.
أدريان :
ماذا تفعلين يا مولاتي، هل سئمت حياتك الغالية؟ فتصبري وأشفقي على طفلك هذا، فإلى من تتركينه؟
أوجين :
أواه ولدي، وفلذة كبدي، روبرت الصغير تمثال حبيبي وأثره، ويلاه فقد صبري وانقطع حبل أملي، ووهى عزمي وعزت نجاتي، حلا لي الموت وطاب شرب كأس المنون، فخذني يا رباه، وخلصني من الحزن وعناه.
ما ذي الحياة بذي الدنيا وإن غربت
إلا كطيف خيال في الكرى زارا
ومن يروم من الدنيا الصفاء كمن
يروم يوما من الأعداء أنصارا
وما كفاني ما أنا فيه من العذاب، حتى زادت علي ثقالة إميل وكيل أبي، ومع ما أنا فيه من الأحزان، يحاول أن يلثم يدي ولو قسرا، وقد ردعته مرارا عن ذلك فلم يرتدع، وقد شكوته إلى سيدتي الكونتة فما أرجعته عني، ولا رأيت منها ناصرا ينقذني من بلاه، حتى رابني أمرها وأكدت أن يدها هي المحركة لإميل، الذي استبد في بيتنا كأنه سيد مالك، وقد طال غياب أبي الذي لا ناصر لي بعد الله سواه.
أدريان :
إن أمر إميل قد استفحل وطغيانه قد جاوز كل حد، ولا بد عند حضور سيدي الكونت ما نشكوه إليه، وهو يجازيه بما كسبت يداه.
أوجين :
أنى نبلغ ذلك والكونتة نصيرته وأبي لا يرد لها قولا؟! فارحمني يا رب، وخلصني من الكرب الذي كاد يفقدني حياتي.
أدريان :
قد جاء يا مولاتي وقت الغداء، فهل تأمرين أن أحضر الطعام؟
أوجين :
لا مانع من ذلك يا أدريان، فاذهب وعد إلي سريعا. (يخرج.)
أيا من غاب عني وهو روحي
وروحي لا أطيق لها انفكاكا
حبيبي كيف حتى غبت عني
أتعرف أن لي حبا سواكا؟
عهدتك لا تطيق الصبر يوما
وتعصي في ودادي من نهاكا
فكيف تغيرت تلك السجايا
ومن هذا الذي عني ثناكا؟
لقد حكمت بفرقتنا الليالي
ولم يك عن رضاي ولا رضاكا
وليتك لو بقيت نصف حالي
وكان الناس كلهم فداكا
يعز علي حين أدير عيني
أفتش في مكانك لا أراكا
فوا أسفي لجسمك كيف يبلى
ويذهب بعد بهجته سناكا؟
تموت ولا أموت عليك حزنا
وليس كمن بكى من قد تباكى (يدخل إيميل.)
إميل :
أذاب الهوى ظلما قتيل هواك
فمن ذا للتباعد قد دعاك
ألم يكفني الوجد المبرح والجوى
فجودي بقربي لا عدمت رضاك
وإن كان ذنب قد بدا أو إساءة
فعفوا لعبد لا يروم سواك
أوجين :
أكبر ذنب لك هو وجودك أمامي، فاذهب عني؛ فإني لا أحب أن أراك.
إميل :
كل هذا يا ربة الحسن والجمال، أما في قلبك رحمة؟
أوجين :
كلا يا نقمة، فاذهب من أمامي، فما أصابني كفاني.
إميل :
أيحسن يا أوجين صدك يتلف
فؤادا عليك بالمحبة يعطف؟
جمالك فتان وقدك مائس
ووجهك بدر مشرق ليس يكسف
أوجين :
نعم وحبيبي في سما الحسن فرقد
ولكن على مرآه دمعي ينزف
وأنت ثقيل بارد ذو غلاظة
ووجهك ممقوت كئيب يخوف
إميل :
أنا ثقيل؟
أوجين :
نعم.
إميل :
وبارد؟
أوجين :
نعم.
إميل :
وغليظ؟
أوجين :
نعم.
إميل :
ووجهي ممقوت؟
أوجين :
نعم.
إميل :
وكئيب؟
أوجين :
نعم.
إميل :
ويخوف؟
أوجين :
نعم نعم، وإذا تربعت فوق الأرض تخمسها، وإذا تنفست في الخضرة تيبسها، وإذا نظرت إلى البحر يفيض، وإلى الجبال تهوي إلى الحضيض، وإذا غصت في الأرض تزعج البهموت، وإذا عاينك الموت حالا يموت.
إميل :
كل هذا أنا يا أوجين؟
أوجين :
نعم وأكثر يا رعين.
إميل :
ورعين أيضا؟
أوجين :
نعم، وكل قبح محمول عليك، وكل ذم في الوجود ينصرف إليك، ونار شرك لا تزال في القلوب وارية، وإذا دخلت جهنم تستغيث منك الزبانية.
إميل :
أظنك تمزحين.
أوجين :
إنك لداء دفين، بل داء ظاهر للعيان، لا تشفي منك حكماء الزمان، وأبشرك بأنك عن قريب، تذوق أنواع التعذيب، من سيف الكونت فردريك، الذي على فعالك سيجازيك.
إميل :
إذن يا ابنة الخئون، ذوقي قبلي شراب المنون.
أوجين :
مت مكانك يا غدار، فلا نجاك الله من الدمار. (ترميه وتذهب.)
إميل :
أوجين ما هذا التمنع ينفع
عودي فما في القلب غيرك يرتع
يا ربة الحسن التي هي في العلا
تعنو لطلعتها البدور الطلع
فعلام جفنك منكر دم مقلتي
وعلى خدودك شاهد لا يدفع؟
قلبي لغيرك لا يميل ومهجتي
في جوها رعد الغرام يلعلع
حملتني ثقل الهوى وتركتني
متألما وحشاشتي تتوجع
لولاك أوجين لما حكم الهوى
قلبي ولا كان الأسى بي يصدع
فترفقي بي وارحميني واعلمي
أني ولو طال النوى لا أرجع (تدخل لوسيا.)
لوسيا :
ما بال إميل في بحران؟
إميل :
قد برتني يا مولاتي الأحزان.
لوسيا :
بسبب صد أوجين؟
إميل :
نعم يا ابنة الأكرمين، وقد راجعتها كثيرا بشأني، وأن تقبلني وترضاني، فما سمعت منها كلمة قبول، تبشر بنيل المأمول، وقد أسمعتني كلاما لا يطاق، وذهبت وتركتني في احتراق.
لوسيا :
أنت أمر أوجين لا يعنيك، ومتى حضر الكونت أسعى بما يرضيك؛ حيث قد غرق جان، وما بقي لها مانع من القران، فاذهب أنت الآن واكتم أمرك، وسترى ما يسر قلبك ويشرح صدرك. (يذهب إميل.)
لوسيا :
جان غرق في البحر، وقد قضي الأمر، وذهبت مدة العمر، فلا نفع بحياتي، وقد طاب لي مماتي، والأجدر أن أقتل نفسي، ولا أصبح في الهموم وأمسي، ولكن أقتل نفسي وأترك أعدائي سالمين؟ إن هذا لهو الخسران المبين، بل يلزم أن أسم أدريان وأوجين، ومتى حضر الكونت أسمه في أقرب حين؛ لأنه تساهل في شأن حبيبي حتى غرق، وغادرني بعده في نار الحزن أحترق، وبعدما يخلو الجو من صوت كل صافر، أستولي على مخلفات الكونت وأتمتع بكل وارد وصادر، وأعيش بعدها بالبشر، إلى نهاية العمر، وها أنا ذاهبة لأسقيهما شراب المنون، وما قدر بعد ذلك يكون.
المنظر الثاني (ترفع الستارة عن شارع خارج قصر الكونت.)
إميل :
كيف أغتر بوعد الكونتة لوسيا، أن تجعل بيني وبين أوجين ارتباطا شرعيا، مع نفار أوجين الذي لا يزول، وصدها لكل ما أقول؟ وقد وعدتني بها قبل ذلك منذ حين، ثم عاد لي وعدها بخفي حنين، فيلزم أن أدبر أمري، وأحك جسمي بظفري، وأراجع أوجين المراجعة الأخيرة، عساها تطلق بالحنان مهجتي الأسيرة، وتنعم علي بما يشفي الفؤاد، وتنقذني من العذاب والصد والبعاد، وإذا أصرت على الإباء، فليس لها غير القتل جزاء، ودعهم بعد ذلك يقتلوني، أو يشنقوني أو يحرقوني، وها أنا ذاهب لإمضاء ذلك، ولا أبالي بعد بما يكون من المهالك. (يهم بالذهاب فتقابله أوجين فيرجع.)
قد تجاوزت يا أوجين بإهانتي الحد، وذهب الهزل وأقبل الجد، واعلمي أني أنا الحاكم في هذه البلاد، والمتصرف المطلق في جميع العباد، حياتك في يدي، وموتك بخنجري هذا، فأشفقي على نفسك، وحاذري حلول رمسك، السم وجدت له دواء، وخنجري ما لك منه شفاء، فاختاري لنفسك ما تريدين، إما النجاة أو القتل في هذا الحين.
أوجين :
إذن ليس لي منك خلاص؟
إميل :
كلا ولا مناص؛ لأني ارتكبت هذا الإثم والتحفت برداء العار وتجردت من المروءة والشهامة، وأنزلت نفسي من ذرى الأمانة، إلى حضيض الدناءة والخيانة، وخسرت مبدئي الشريف ومستقبلي الحسن، وعرضت نفسي لكل خطر يتهدد حياتي ومع كل هذه الخسارة أخسرك أنت أيضا.
أوجين :
وهل أنا في يدك وطوع أمرك؟
إميل :
نعم في يدي وطوع أمري، وهذا الخنجر يصدق أقوالي، وينيلني آمالي.
أوجين :
أشفق علي يا إميل فإذعاني لك محال.
إميل :
ليس لي شيء محال.
أوجين :
إميل راقب الله.
إميل :
هو الذي قدر علي ما أنا فيه، والقصد وصالك على كل حال؛ إذ لا مطمع لي بعد في الحياة، ولا أرى أن أموت قبل نوال آمالي منك، وآخر ما أقول إما أن تجيبي مرامي، أو تتهيئي للموت في هذا الحين وفي هذا المكان.
أوجين :
آه.
إميل :
لا ينفعك آه، عجلي أسرعي، أجيبي، خلصي نفسك؛ أو فموتي.
أوجين :
اقتل يا ظالم، اذبح يا خائن.
إميل :
نعم خائن.
أوجين :
ارحمني يا رباه، من هذا الجاحد ويلاه. (ضحك من الداخل.) (تهرب أوجين عندما يذهب ليرى الغاغة، ويدخل الثقلاء.)
إميل :
ما هذا، لماذا كنتم تصرخون؟
الأول :
كنا نمرحون ونضحكون.
الثاني :
لأننا صرفيون نحويون.
الثالث :
ومنطقيون عروضيون.
الرابع :
وفلكيون جغرافيون.
الأول :
وشعريون موسيقيون.
الثاني :
وبديعيون بيانيون.
الثالث :
وإذا أردت يا ذا الإشراق، نسمعك من نغم العراق.
الجميع :
بأبي باهي الجمال مائس القد أمان (عدد 3).
قده فاق العوالي آه لو يجدي أمان.
صحت يا راخي الدلال يا منى القصد أمان (عدد 3).
جد لي باللقا يا غصن النقا يا من قد رقى رتبة المجد أمان (عدد 3).
الرابع :
وإذا شئت أيها المحترم، نسمعك من نغم العجم.
الجميع :
آه من جور آه! من جور الغواني أي باجانم! آه من حر الفراق!
إميل :
طبتم وأحسنتم، وعلي تفضلتم، فشرفونا بالذهاب.
الأول :
لا يا ابن الأنجاب، فلا نبرح من هنا، حتى ندخل عليك الهنا، فاسمع يا سامي الجاه، من نغم السيكاه.
الجميع :
قف على أكتاف رامة
عند وادي الرقمتين
وانتشق عرف الخزامة
من جنان الوجنتين
مذ بدا يخطر بقامة
مثلها ما في حنين
صحت يا ربي السلامة
من كحيل المقلتين
إميل :
شيء لطيف.
الثاني :
معلوم وخفيف.
الثالث :
وأنغام رخيمة.
الرابع :
وألفاظ وسيمة.
الأول :
وتواشيح مضبوطة.
الثاني :
وتواقيع مربوطة.
الثالث :
وموزونة بمقياس.
إميل :
ارحموني أيها الناس؛ فقد ضاقت أنفاسي، وتقطعت حواسي.
الرابع :
لماذا تصيح؟
الأول :
أما أنت مستريح؟
الثاني :
ومبسوط ومنعنش؟
الثالث :
وفرحان ومفرفش؟
الرابع :
أما سمعناك الأغاني؟
الأول :
وأطربناك بالمغاني؟
إميل :
كل ذلك كان، ولكم الفضل والإحسان، فأروني ذهابكم، حفظ الله جنابكم.
الأول :
هل أسأنا إليك؟
الثاني :
أو أثقلنا عليك؟
الثالث :
إن هذا لعجيب.
الرابع :
وأمر والله غريب.
الأول :
أظن جهل ما قلتموه.
الثاني :
لا يعرف الفضل إلا ذووه.
إميل :
أنا لا أعرف الفضل، ولست للمعارف أهل، فدعوني وشأني، فقد أطلتم أحزاني.
الثالث :
حيث أطلنا أحزانك، فاسمع ما يطرب جنانك.
الجميع :
قم إلى أكل البغاشة
يا رفيقي واملا فاك
واستمع مغنى الدجاجة
كاك كاك كاك كاك
ثم عرج للكنافة
إن ترم طول بقاك
والتهمها بجلافة
تاركا ما قد لحاك
وعلى الجلاش أطبق
هكذا طبق الشباك
ومن البلوظة الهط
لهطة تحشي حشاك
وإذا عاينت محشي
يا أخي فاحفظ نهاك
هيا يا خلان نمشي
أسعد الله مساك (يخرجون.)
إميل :
أعوذ برب الأرض والسماء، من جلافة هؤلاء الثقلاء، كادت روحي تزهق، وأعضائي تتمزق، بديعيون بيانيون، عروضيون موسيقيون، كاك كاك، احشي حشاك. أعوذ بالله من كل عتل، وكل ثقيل بالنطاعة مستقل، قد أفلتوا أوجين من يدي، وفتتوا بغلاظتهم كبدي، ولا أدري كيف سارت، وفي أي مكان توارت، وا حر قلبي، وزيادة كربي. (تدخل لوسيا.)
لوسيا :
ذهبت السكرة، وجاءت الفكرة، هذه أوجين قد نجت من السم وكذلك أدريان برح من الديار، وأنطونيو أخذ الولد وسار، وبعد قليل يأتي الكونت من السفر، وأقع أنا وحدي في الخطر، إميل هل صحوت مثلي أم بعد سكران؟
إميل :
وماذا ينفع الصحو أو من يخلصنا من أيدي الكونت؟ أقدار ونفذت، ومروءة وسقطت، وخيانة وحصلت، ومكانة وذهبت، ومستقبل وراح. وعلينا أن ننتظر المكافأة بما جنيناه؛ لأن الجزاء من جنس العمل، ولكل امرئ نتيجة ما فعل، وقد قيل يا سيدي إن الخير بالخير والبادي أكرم، والشر بالشر والبادي أظلم.
لوسيا :
إذن ما لنا من خلاص؟
إميل :
كلا ولا مناص، ويا ترى إذا حضر الكونت وسألنا عن أوجين فما نقول، أو سألنا عن أدريان فماذا نجاوب، أو سألنا عن أنطونيو والولد، فما يكون التخلص؟ ولو قلنا ماتوا وصدق، فما نفعل إذا ظهروا بعد؟ هل هناك مخلص من العذاب أو عندنا عذر من الهلاك؟ كلا ثم كلا، زرعنا ولا بد ما نحصد، وطبخنا ولا بد ما نأكل، وعلينا الملام، من عموم الأنام، وفاعل الخير خير من فعله، وقائد الشر شر من أجله، نحن نموت ونقبر، وذكرنا بالقبائح ينشر، والماضي يا مولاتي، هو حليف الآتي .
المرء بعد الموت أحدوثة
يفنى وتبقى منه آثاره
إن كان فعالا لخير فما
يكون غير الخير تذكاره
أو كان فعالا لشر ففي
نار الشقا تلقيه أوزاره
وأحسن الحالات حال امرئ
تضيء بعد الموت أخباره (يدخل حاجب.)
حاجب :
سيدتي قد جاء البشير، وقال إن سيدي الكونت سيصل بعد قليل، فاستعدا لملاقاته.
لوسيا :
اذهب وأعط الخبر للجميع؛ كي يستعدوا لملاقاته. (يخرج الحاجب.)
ويلاه ماذا نفعل؟ هذا يا إميل يوم الوعيد، المنذر بالعذاب الأليم الشديد، فبماذا نجيب إذا سألنا عن أوجين وأدريان وأنطونيو والطفل؟ دبرني يا إميل.
إميل :
أنا أدبرك وأنت صاحبة الدسائس والحيل، وإذا دبرتك فمن يدبرني أنا؟ أألقي نفسك في التهلكة، وأخلصك يا كونتة؟ لا، لا، هذا بعيد عليك، أنا وأنت سوى سوى، رجلي هذه في أول الجنزير ورجلك في آخره، وعنقي هذا مهيأ للقتل وعنقك مثله، ولا مؤاخذة والحفرة التي حفرناها، لا بد ما نقع فيها سوى.
لوسيا :
ما هذا الكلام يا إميل، الآن وقت التوبيخ والتبكيت؟
إميل :
أوبخك وأوبخ نفسي، وأبكتك وأبكت روحي.
حالي وحالك في الهوى
سيدتي سوى سوى
أنت بجان وأنا
قلبي بأوجين انكوى (يدخل حاجب.)
حاجب :
سيدتي، الكونت قد دخل المدينة.
لوسيا :
اذهب، وها أنا ذاهبة لاستقباله. (يخرج الحاجب.)
ويلاه! دخل المدينة، ما رأيك يا إميل؟
إميل :
ما فكرك يا لوسيا؟
لوسيا :
إن أمرك عجيب.
إميل :
إن طبعك غريب.
لوسيا :
لا تستغرب يا إميل؛ ففكري قد حار.
إميل :
لا تتعجبي يا لوسيا؛ فعقلي قد طار.
لوسيا :
يا رب ما أفعل؟ (يدخل الحاجب.)
حاجب :
الكونت قد أقبل. (لحن من الداخل.)
الجميع :
يعيش الكونت، يحيا الكونت. (يدخل الكونت.)
الكونت :
ما بالكما لا تخرجان للقائي مع الجمهور؟ لقد أخذني العجب من ذلك! فما السبب يا ترى وما تصنعان هنا؟
لوسيا :
كنا نستعد للقائك يا سيدي، وما ظننا أن تشريفك قريب.
الكونت :
ألم يبلغكما أني على أبواب المدينة، فما السبب في ذلك وما السر في هذا السكوت؟ أين أوجين؟
لوسيا :
ستأتي.
الكونت :
أين هي؟
لوسيا :
في القصر.
الكونت :
ما تصنع ؟
لوسيا :
تتنزه.
الكونت :
أما علمت بحضوري؟
لوسيا :
لا أعلم.
الكونت :
لا تعلمين .. أما أخبرتها؟ أخبرني يا إميل أين أوجين؟
إميل :
لا أدري.
الكونت :
أين أدريان خادمها، أين طفلها الذي ولدته، أين خادمها أنطونيو؟ أجيبا حالا، ما عندكما غير السكوت؟ اقبضوا عليهما حالا لأرى ماذا جرى لابنتي، وبعد لكل مقام مقال.
الفصل الرابع
المنظر الأول (ترفع الستارة عن هيئة برية وبها خيمة بسيطة صغيرة.)
جان :
ألا ليت شعري هل لشمسك مطلع
وهل شملنا بعد التشتت يجمع؟
وهل أنت في أرض الحياة أمينة
وإلا بجوف الترب ضمك مضجع
وهل يا ترى أقضي بقربك ساعة
فيوصل قلبي بالنوى متقطع
ترى أي ترب دسته فأحجه
وأسجد في بيت نزلت وأخشع
أأسكن في أرض وأنت شريدة
ويحلو لعيني بعد بعدك موقع؟ (يظهر أنطونيو من الخيمة.)
أنطونيو :
هل أنت لص وهل سرقت لي شيئا؟
جان :
لا يا وحيد الزمان، بل تكرم علي بلقمة فأنا جوعان.
أنطونيو :
أنت جوعان؟
جان :
نعم.
أنطونيو :
جوعان على وزن شبعان، واستغن بالثانية عن الأولى، واحسب أنك أكلت أكلة هنية طيبة.
جان :
وأين تلك الأكلة؟!
أنطونيو :
هي في علم الغيب، ومتى قدر لك أن تأكلها تجدها بين يديك، والرزق لا ريب مقسوم فلا تحزن. (تدخل أوجين.)
أوجين :
أنت هنا الآن؟
أنطونيو :
أما فهمناك من أمس؟
أوجين :
ارحمني يا شريف النفس؛ فإني ما عاودتك إلا لفقري، ولا سألتك ثانيا إلا لضري، فخلصني من التسول المبيد، واستخدمني يا سيدي فيما تريد؛ فقد مضت علي أيام، وما ذقت درهما من الطعام، وكدت أموت، من عدم القوت، فارحمني - يرحمك الله - وخلصني من الجوع وبلاه.
أنطونيو :
آمنت بك يا رب العالمين، أما تجمعني بغير الجوعانين؟ اجمعنا بواحد من الأغنياء، يخلصنا جميعا من هذا الشقاء. (يدخل أدريان وروبرت، حاملين حطبا.)
أدريان :
هل تشترون حطبا؟
أنطونيو :
وماذا نصنع بالحطب؟ فنحن لا نطبخ ولا نغسل ولا ننفخ، ولا نحتاج لحطب ولا فحم، وما عندنا لا أرز ولا لحم، ولا خضار ولا عيش، ولا فيش ولا عليش، فاذهبا عن قريب، إلى حيث يعوي الديب.
أدريان :
وهل أيها النبيل، كسر الخاطر بجميل؟ أما ترى وجوهنا ناشفة من الجوع؟
أنطونيو :
أواه! يا ويلاه! بطون خاوية من الغذاء، وبيت أفرغ من فؤاد أم موسى، فما هذا الحال يا ربي ونحن غرباء؟
جان :
وهل أنت غريب؟
أنطونيو :
نعم وأصلي من مسينا.
جان :
إذن أنت من بلدي.
أوجين :
سبحانك يا جامع المتفرقين، وأنا أيضا منها.
أدريان :
وأنا وهذا الغلام أيضا.
أنطونيو :
ظهر السر المكنون، والحديث ذو شجون، هل يمكن أن نعلم السرائر، ونعرب عما في الضمائر؛ ليعلم المستور، وتظهر الأمور؟
جان :
نعم يمكن، وأنا أبدأ بالبيان .. من حاكم مدينة مسينا؟
الجميع :
الكونت فردريك.
جان :
وأنا ابن أخيه جان، وقرين ابنته أوجين.
الجميع :
جان، جان.
أوجين :
وأنا ابنته أوجين.
أدريان :
وهذا ابنك روبرت وأنا أدريان.
الجميع :
أدريان؟
أنطونيو :
وأنا أنطونيو الهراب.
الجميع :
أنطونيو؟
أنطونيو :
حيث كنا نعلم سبب التفريق، فيلزم أن نعلم أسباب الاجتماع على التحقيق، فمن يبدأ بالبيان؟
جان :
أنا أبدأ الآن، وهو أني بعدما غرقنا في البحر، قذفتنا موجة على الصخر، ومضى علي بعد ذلك سنون، وأنا أتوجع من الشجون، حتى وصلت إلى هذه الديار، وعلمت من أمر أوجين ما صار، فرجعت فورا كي أفتش عليها، فتوقفت هنا للوصول إليها، وهذه قصتي بالإجمال، وبعد أفصل لكم الحال.
أوجين :
وأنا بعدما شربت ضد السم، قبضني إميل وأذاقني بسلطته كل هم، ثم أنجاني الله من الكرب، واتفقت مع أدريان على الهرب، وبعدما ضل معي عن الطريق، كابدت بعد فراقه كل كرب وضيق، وهكذا عشت بالتسول والخدمات، إلى أن جمعنا الله بعد الشتات.
أدريان :
فراقي لك بين الهضاب والآكام، كان سببا لاجتماعي بابنك يا ابنة الكرام؛ حيث رأيته نائما على وجه الأديم، والعرق مكللا وجهه الوسيم، فأخذته واعتنيت بتربيته، وما تأخرت يوما عن خدمته، وكنت أشتغل يوما دلالا، ويوما عجانا وخبازا وغسالا، ويوما أحتطب من البوادي، وأشتري بثمنه زاده وزادي، وهكذا إلى أن وصلنا هذا المكان، الذي جمعنا فيه الواحد المنان.
أنطونيو :
أنا الذي تركت أدريان وهربت؛ حيث لم يمكني السير في ذاك الوقت، والحمد لله الذي جمعنا سالمين، ومن النوائب آمنين.
جان :
حيث اجتمعنا كلنا بعد الشتات في هذا المكان، فهيا بنا إذن إلى الأوطان. (يخرجون.)
المنظر الثاني (ترفع الستارة عن سجن مظلم.)
لوسيا :
أواه من بغيي وظلمي الوخيم
إميل :
ويلاه من جرمي وفعلي الذميم
لوسيا :
لقد براني السجن وا لوعتي
إميل :
وقد أراني كل ضر أليم
لوسيا :
فيا ترى نلقى لنا منقذا؟
إميل :
كلا؛ فإن الجرم منا عظيم
لوسيا :
إميل لا تقنط ... ...
إميل : ... ... ... فلا ترتجي
خلاصنا من ذا العذاب الأليم
لوسيا :
وأنت كذا ...
إميل :
الأمر لله الكريم الحليم
لوسيا :
إميل دبرني ... ... ... ...
إميل : ... ... ... ... فلا تيأسي
من العذاب الصارم المستديم
وبعده موت ونقل إلى
جهنم الحمرا ونار الجحيم
لوسيا :
إميل ما هذا؟ ... ...
إميل : ... ... ... وهل غيره؟
لوسيا :
من لي مجير؟ إن جسمي سقيم
إميل :
يجيرك الكونت الذي أثرت
أفعالك فيه فصار الغريم
لوسيا :
وأنت؟ ... ... ... ... ...
إميل : ... لا أنسى أفعالي التي
لا تأتي إلا من ظلوم لئيم
لوسيا :
أنا وأنت ... ... ... ... ...
إميل : ... ... ... دون كل الورى
أشقى من الشيطان ذاك الرجيم (يدخل الكونت وجان وأوجين وأدريان وروبرت والحرس.)
الكونت :
وهكذا يا ابن أخي النبيل، إلى أن أقرت لوسيا واعترف إميل، فوضعتهما في هذا السجن، يقاسيان أنواع الحزن، فأخرجوهما في الحال؛ لنذيقهما مر الوبال، (الحرس يخرجونهما)
هذه أوجين يا لوسيا، قد رجعت بعد الموت إلى الدنيا، وهذا جان الذي غرق في البحر، نجا منه وخلص من القهر، وهذا روبرت وهذا أدريان، قد ردهما الله فضلا منه وإحسانا، وهذا أنطونيو الفقير المسكين، قد خلص من كربه المهين، وهذه أنت وهذا إميل، وكل منكما عن ذنبه وكيل، وهذا أنا وهذا سيفي الصقيل، الذي يذيقكما كل عذاب وبيل، فبماذا تجاوبان؟
لوسيا :
لا جواب لنا يا ذا الإحسان، سوى الاعتراف بالخيانة، أذنبنا، نعم أذنبنا ولا نستحق الغفران؛ لأن جرمنا عظيم وخطايانا ظاهرة وما لنا لسان نعتذر به لديك، ولا وجه نتوجه به إليك، قلوبنا توبخنا على ما فعلناه، وعقولنا تؤنبنا على ما فرط منا، ولكن إذا أراد الله إنفاذ أمر أوجد أسبابه، والسعيد سعيد من الأزل والشقي يا مولاي كذلك، والإنسان مسير لا مخير، والمقدر كائن والسيف الذي ضربنا به هو مسلول بيد الضارب، لا ينجو منا إلا من حفظه الله، ولو أراد الله أن يهب لنا قلوبا طاهرة، وألسنة فصيحة شاكرة، وأخلاقا سليمة، ونيات مستقيمة، وعافية حميدة، وخاتمة سعيدة، لفعل؛ يقرب من يشاء ويبعد، ويشقي من يشاء ويسعد، وهو الفعال لما يريد وله الحجة البالغة، سبحانه من إله قهار، يفعل ما يشاء ويختار. قد أوقفني لديك موقف مجرمة، وأوقفك أمامي موقف منتقم، وليس لك من الأمر شيء ولا مفر لي مما كتب علي قبل وجودي، وأنا لا أطلب كرما ولا إحسانا، ولا رحمة ولا غفرانا، ولا شفقة ولا عطفا، ولا حنانا ولا لطفا؛ لأني لا أستحق شيئا من ذلك، بل أطلب منك أن تنتقم مني وتجازيني على ما فعلت؛ لأني خنت ودك، ونقضت عهدك، وضيعت أمانتك، وتعمدت خيانتك، فاقتلني الآن، ومن خان لا كان، فأودعك تائبة معترفة مستغفرة ذليلة مسكينة باكية العين مجروحة الفؤاد، وأودع ابنتي أوجين.
أوجين :
يا رب العالمين! اعف عنهما يا أبي فقد عفوت عنهما، وسامحتهما بكل ما توقع منهما. يكفينا أن عدنا سالمين، ورجائي أن تكون مثلنا من الآمنين. وكذلك أرجو من ابن عمي جان، أن يعاملها بالصفح والغفران؛ لأنه شبل من أسد، ورجائي عنده لا يرد، فقولا بالله قد عفونا.
الكونت :
تجاوز عن الذنب العظيم تكرما
فيكفي المسيء الذل والعذر والكرب
إذا ما امرؤ من ذنبه جاء تائبا
إليك ولم تغفر له فلك الذنب
الجميع :
قد عفونا.
لوسيا :
هكذا يكون الكرم، وتكون محاسن الشيم، فأبقاكما يا رب العالمين، وحفظ ابنتي أوجين.
الكونت :
حيث قد زالت الأتراح، فهيا بنا نقيم الأفراح، ونسأل المولى المجيد أن ينصر سلطاننا عبد الحميد.
نامعلوم صفحہ