156

History of Andalusian Literature (The Era of Cordoba's Dominance)

تاريخ الأدب الأندلسي (عصر سيادة قرطبة)

ناشر

دار الثقافة

ایڈیشن

الأولى

اشاعت کا سال

١٩٦٠

پبلشر کا مقام

بيروت

اصناف

فاستاء المنصور من هذا الحسود الباغي وألقى عليه درسا خلقيا قاسيا، وافهمه انه ما أطرق غضبا وإنما أطرق تعجبا من كلام الرمادي " لأنه رأى كلاما يجل عن الأقدار الجليلة " ثم أمر بالرمادي فرد إلى المجلس وقال له: أعد علي كلامك فارتاع، فطمأنه المنصور وقال له: الأمر على خلاف ما قدرت، الثواب أولى بكلامك من العقاب، ثم أجازه بمال وخلع وموضع يتعيش منه (١) .
ويذهب صاحب المعجب (٢) إلى أن هذه العلاقة الطيبة ساءت بعد نكبة المصحفي، لان الرمادي، فيما يزعمه، كان مشايعا للمصحفي وأعراه هذا بهجاء المنصور، فلما حدثت نكبة المصحفي، واستصفيت أمواله التفت المنصور إلى الرمادي وأوسعه عقوبة ونكالا، وأمر بتغريبه ثم شفع له عنده، كما شفع للغزال عند عبد الرحمن، فأقره في بلده، ولكنه بدله بالتغريب عقوبة أنكى واشد حين أمر الناس ألا يكلموه، وطاف بذلك مناد في جميع جهات قرطبة، فأقام أبو عمر هذا كالميت إلى أن أدركته منيته في أواخر أيام المنصور بن أبي عامر.
وهذا كلام يستحق التوقف والنظر ذلك لأن نكبة المصحفي تمت في سنة ٣٦٧ أي بعد سنة من وفاة الحكم تقريبا، فعلاقة الرمادي بالمصحفي لا تؤهله ليكون مقربا من ابن أبي عامر كما تقول الروايات الأخرى، ولا تجعل ابن سعيد يقول في وصف له: انه كان مداح المنصور ابن أبي عامر (٣) . ثم لو فرضنا ان المنصور غضب فعلا على الرمادي، فلا يزال هناك خطان واضحان في هذه الرواية: الأول انه من غير المعقول ان يظل الحرمان ساريا على الرمادي حتى حوالي سنة ٣٩٣ أي أن تظل الصلة بينه وبين الناس مقطوعة طوال هذه المدة، وكان من الخير له لو

(١) باختصار عن النفح ٢: ٨٦٨
(٢) المعجب: ١٦
(٣) المغرب ١: ٣٩٢

1 / 160