143

History of Andalusian Literature (The Era of Cordoba's Dominance)

تاريخ الأدب الأندلسي (عصر سيادة قرطبة)

ناشر

دار الثقافة

ایڈیشن

الأولى

اشاعت کا سال

١٩٦٠

پبلشر کا مقام

بيروت

اصناف

وكانت صورتها هذا الفيض الكثير من النظم، ونقرأ شعره في الزهد وذم الحياة فلا نجد إحساسًا حقيقيا بمعنى الخوف، ولا تشف إلا قطع قليلة عن الصدق العاطفي في هذه الناحية كقوله (١):
ألا إنما الدنيا غضارة أيكة ... إذا اخضر منها جانب جف جانب
هي الدار ما الآمال إلا فجائع ... عليها ولا اللذات إلا مصائب
وكم سخنت بالأمس عين قريرة ... وقرت عيون دمعها اليوم ساكب
فلا تكتحل عيناك فيها بعبرة ... على ذاهب منها، فانك ذاهب وبين هاتين المرحلتين تقع مرحلة البكاء على الشباب ووصف المشيب، وربما كان شعره في هذه الناحية أصدق وأحفل بالشعور كما في قوله (٢):
قالوا شبابك قد مضت أيامه ... بالعيش قلت وقد مضت أيامي
لله أية نعمة كان الصبا ... لو أنها وصلت بطول دوام
حسر المشيب قناعه عن رأسه ... وصحا العواذل بعد طول ملام
فكأن ذاك العيش ظل غمامة ... وكأن ذاك اللهو طيف منام ومن ثم لا نجد لابن عبد ربه فلسفة في الحياة، عدا نظرته إلى الأشياء من الزاوية الدينية، أو مما قد يستوحيه من خلقية أساسها الدين نفسه؟ لقد حالت روحه المحافظة بينه وبين كثير من العمق، ومبلغ ما لديه من هذا مستمد من طبيعته المتشائمة المشمولة بسوء الظن، الناظرة إلى الدنيا من طرف الموت والآخرة، فالحياة مزارع والناس إنما يقاس فضلهم بما يخلفونه من ذكر (٣):
إن الحياة مزارع ... فازرع بها ما شئت تحصد
والناس لا يبقى سوى ... آثارهم، والعين تفقد وهذه الحياة لا يغنى فيها إلا اللئيم (٤):

(١) الجذوة: ٩٦ والعقد ٣: ١٧٥
(٢) العقد ٣: ٤٧
(٣) العقد ١: ٢٧٠
(٤) العقد ٣: ٣٥

1 / 147