199

History of Andalusian Literature (Era of the Taifas and Almoravids)

تاريخ الأدب الأندلسي (عصر الطوائف والمرابطين)

ناشر

دار الثقافة

پبلشر کا مقام

بيروت - لبنان

اصناف

الأخبار ذات الطابع الفريد في تصوير شخصيته، ومنها انه كان يغادر أحيانا منزله بجزيرة شقر وحيدا، ويمضي حتى إذا صار بين جبلين هناك وقف يصيح " يا إبراهيم، تموت! " فيردد الصدى كلماته، ثم يعيدها ويعود الصدى إلى ترديدها ويظل على هذه الحال حتى يخر مغشيا عليه (١) . وهذا يؤكد لنا موقفا " مرضيا " في خوفه من الموت وفي إحساسه بالزمن. ومن هذه المظاهر النفسية انه كان يذهب في جزيرة شقر إلى بائع الفاكهة فيساومه على شراء شيء مما عنده فإذا سمى له البائع عددا أو وزنا لفاكهة معينة نقده ما طلبه على شريطة أن ينتقي ما يريده بيده؟ أي لم يكن يرضى بشيء دون الانتقاء والاصطفاء، ولهذا فلا بد من أن يربط الدارس بين هذه الظاهرة وطبيعة شعره في مجموعه العام. وأمر آخر أحسبه ذا دلالة بعيدة في وضعه النفسي، وأعني بذلك انه ظل صرورة لم يتزوج قط (٢) . ولعلني أربط هذه الحقيقة بموقف دقيق ورد في إحدى قصائده (٣)، وذلك هو تغزله في أمة له صغيرة تسمى عفراء، وفيها يتحسر انه أصبح ابن إحدى وخمسين سنة، وبينه وبين ان تكبر عفراء مدة من الزمان يغدو فيها عاجزا عن ذلك الخشف، أي يصبح امرءا لا يستطيع أن " يأكله عضا ويشربه لثما "؟ كما يقول في بعض شهره - ويتمنى:
فيا ليتني كنت ابن عشر وأربع ... فلم أدعها بنتا ولم تدعني عما ولا ريب في أن الدارس النفسي يفيد كثيرا من هذه الحقائق، كما

(١) بغية الملتمس: ٢٠٢.
(٢) التكملة: ١٤٣.
(٣) ديوان ابن خفاجة: ٨١.

1 / 205