سبز گھوڑا اسفالٹ کی سڑکوں پر مرتا ہے
الحصان الأخضر يموت على شوارع الأسفلت
اصناف
لم أستطع بالطبع أن أقول له شيئا عن موضوع هذا البحث الذي عزمت على أن أعكف عليه؛ بل مضيت أفرغ حقيبتي من محتوياتها، وكانت لا تزيد عن بعض الملابس الضرورية حشرت بينها بعض محاورات أفلاطون، رتبت الكتب على مائدة صغيرة وضعت في الصالة، وأخرجت المحبرة والقلم والأوراق وتهيأت للعمل، أو هكذا تعمدت أن أفعل؛ لكي يعرف الجميع أنني لا أملك دقيقة واحدة أضيعها، أحضرت لي الخادمة الصغيرة كوبا من الشاي، رحت أقلب في أوراقي وأنا أسمع صوت أمي تئن من الألم وتدعو لي بالنجاح، أما أبي فقد تناول عصاه وشمسيته وقال قبل أن يغادر البيت: إنه سيسرح الغيط والمعين هو الله.
كان الموضوع الذي يشغلني عن «خلود الروح»، والحل أنني لم أكن في حاجة إلى تقليب الكتب لأعرف مزيدا عنه؛ فقد عشت الشهور الماضية مع الحكيم الإلهي بكل عقلي ووجداني، وملكت براهينه وحججه علي نفسي؛ حتى صرت أرددها في نومي ويقظتي.
كانت أحاديث سقراط مع أصحابه لا تزال تتردد في أذني وأجد متعة في ترديدها لنفسي؛ حتى خيل إلي أنني أنا الذي اكتشفتها ولم يبق إلا أن أقنع الناس بها؛ بل لقد تيقنت أن خلود الروح أمر واضح وبديهي، وأن الحكيم المتواضع قد أجهد نفسه أكثر مما ينبغي في إثبات شيء لا يصح لإنسان يستحق هذا الاسم أن يساوره الشك فيه لحظة واحدة.
يا لهذه الروح البسيطة الصافية الجميلة! إنها عربة ذات جوادين مجنحين، يقودها سائق له جناحان، تصعد وتصعد وتصعد، مخترقة السحب والنجوم والشموس؛ حتى تمتزج بالمثل وتتآلف هي ونفوس الآلهة والملائكة والعباقرة؛ أليس هذا كله من نصيب الفلاسفة الذين يقهرون عناصر الاضطراب والجموح في نفوسهم، ويرتفعون بها إلى موكب زيوس العظيم؟ أليس من حقي أن أكون سعيدا إذ أرى نفسي وهي تسوق جواديها المجنحين وتركض هناك فوق السحب والأفلاك، وفوق الغيط والمحصول والفلاحين الذين يغشون أبي، وفوق الروماتيزم والكبد وكل ما يجعل أمي الآن ترسل أنينها الذي يزعج تأملاتي؟
انتبهت على صوت الخادمة تنادينني، لم أكن قد سمعتها وهي تفتح الباب الخارجي، فرفعت رأسي عن أوراقي وسألتها عما تريد. قالت: إن أبي يريد أن أسرح الغيط. صرخت فيها: إنني مشغول، ورحت ألعن وأسب لأن أحدا لا يقدر أهمية إثبات خلود الروح؛ ولكنها وقفت عاجزة أمامي، واكتفت باسترعاء انتباهي إلى رأس كان يطل من الباب، ويبدو أن صاحبه يقف هناك في انتظاري، وبجانبه حمار يهز أذنيه ويطل هو أيضا من خلال الباب.
لا أدري لماذا تذكرت «الأعور» فجأة عندما وضعت قدمي على عتبة الباب؟ لم أتذكره هو نفسه في الحقيقة؛ بل خطر على بالي ابنه الذي قال لي: إنه مات في الصباح ، أو على الأصح ذلك النعش الذي أراد أن يشتريه له، بالطبع لم يكن في منظر الفلاح الذي أرسله أبي ولا في الحمار الذي كان معه ما يثير هذه الصورة في نفسي؛ فلعله إحساس مباغت بالندم أو الحزن اعتراني حين وضعت قدمي على أرض الشارع، وجعلني أتهم نفسي بأنني قد ظلمت ذلك الأعور، لا بل ظلمت جثة صغيرة لا ذنب لها سوى أن هذا المتسكع قد تسبب يوما في خروجها إلى الحياة، ثم في خروجها منها.
سرت إلى جانب الفلاح أدمدم بكلمات عن الصحة والأحوال ومحصول السنة والعيشة في مصر، وغيرها مما لا يمنع الإنسان من التفكير في الخلود، كانت إحدى محاورات أفلاطون في يدي، ولم أشأ أن أركب الحمار الذي بدا لي مسكينا وهزيلا إلى حد مخيف، وقضيت ساعات في الحقل، قضيتها بجسدي وحده، لا بروحي التي كانت تنطلق مرة بعربتها المجنحة في موكب الآلهة، وترقد أخرى عند جثة طفل ممدد على فراش قذر في بيت حقير أمام أب كريه وأم لا أعلم عنها شيئا! لا أدري الآن كيف استطعت أن أتخلص بسرعة من أبي والفلاحين والمحصول، وأعود وحدي على الطريق الموصل إلى عزبة الغجر؟ كان الإحساس الحزين قد انعقد كالسحابة الكثيفة في نفسي؛ حتى أصبح نوعا من الشعور بالإثم يزيدني مع كل خطوة رغبة في التكفير عنه بأي ثمن، وكيف لا يعذبني هذا الشعور وأنا الآن أجوس خلال طريق قذر بين بيوت قذرة، وأحاول أن أتصور بين الروح الصغيرة التي غادرت الجسد الصغير وراحت ترفرف بجناحيها الصغيرين؟ ها أنا ذا أقترب من العزبة المجهولة، وأسأل أناسا مجهولين عن بيت مجهول يضم جسدا مجهولا!
اقتربت من العزبة التي تبدو من بعيد ككومات من القمامة رصت بعضها بجانب بعض، وتزكمني رائحة العفن والمرض والجوع والهوان، أسأل العابرين فيبتسمون في تعجب وإشفاق، وتغوص قدمي في الوحل والعفونة وحفر الماء الآسنة وبقايا الصغار والكبار، وتغوص عيني في البيوت أو ما يمكن تسميته البيوت ؛ أبواب مفتوحة كأفواه كهوف، أو وحوش منقرضة تفضي إلى ظلام في الداخل لا يظهر منه إلا أشباح آدميين، أمهات وآباء في خرق قذرة ممددين كالموتى في انتظار الأكفان واللحود، وأطفال تجري أو تصرخ أو تلعب في التراب والطين أو تأكل لقما غطتها أسراب من الذباب، والنساء والشيوخ والرجال تداخلت أجسادهم وأطرافهم، واختلطت وجوههم حتى بدت وجها واحدا يصرخ بالمرض والذل، تحاول بالأصوات العالية أو الضحكات المغتصبة أو الكلمات البذيئة؛ أن تذود عن نفسها سأم الفقر والموت بالاحتناق. وأنا أسأل ولا أكف عن السؤال عن بيت إبراهيم الأعور، وكلما وجدت أحدا لا يعرفه سألت عن مأتم صبي أو طفل صغير مات في الصباح، الجميع يشفقون علي ويبتسمون في وقت واحد! أيتها الجثث الحية، هل تعرفين شيئا عن خلود الروح؟ أيتها الحفر الطينية التي لم يدخلها كتاب تشرق عليك الشمس كل يوم؛ لكن لا يدخلها النور، تهب عليك نسمات المساء؛ ولكن لا تعرفين الراحة، تطل عليك النجوم؛ ولكن لا يبدد ظلامك الحجري شعاع نجمة ولا قمر ولا مصباح. وأنت يا طفلي المسكين الذي ظلمته في أول النهار، هل تعلم أنني أجوس في مملكتي السفلى عالمك الذي نسيه التاريخ، وفي يدي كتاب يطوي كل البراهين التي تحبها عن خلود الروح؟ أيتها الروح الصغيرة التي تركت هذا العالم منذ ساعات، أين أنت الآن؟ وإلى أين ترفرفين؟ هل ستنضمين بعربتك الصغيرة إلى موكب الأرواح وتركضين بجواديك الصغيرين المجنحين إلى جانب الشعراء والأولياء والقديسين؟ أو يا ترى ستنزوين هناك أيضا في عزبة حقيرة، وحارة حقيرة، وبيت حقير، يملؤه الذباب والعفن والفقر والخوف في كل لحظة من الجوع والفضيحة؟
هل ستنسين الأب المتسكع والأم المريضة، ورفاق اللعب المنسيين من الأرض والسماء، واللقمة القذرة بلا غموس والحجرة المظلمة التي علمت جسدك طعم القبر؟
أيتها الروح المسكينة، يقولون: الخلود هو الانتصار على الموت في أثناء الحياة وبعد الحياة؛ لكن الموت انتصر عليك والبؤس قهرك وانتقم منك، من يجرؤ أيتها المسكينة الصغيرة مع كل هذا البؤس أن يفكر في خلود البؤس نفسه؟
نامعلوم صفحہ