ہیروڈوٹ: مختصر تعارف
هيرودوت: مقدمة قصيرة جدا
اصناف
يمكن أن يحذر الإله من بلاء سيأتي، لكن لا يكون التحذير دائما على نحو يمكن المحذرين من تجنب ما يخبئه لهم القدر؛ فالناس - كما يقول هيرودوت - يتلقون بوجه عام علامة على المصائب التي ستحل، مثل العلامات التي تلقاها شعب خيوس نذيرا بهزيمتهم على أيدي هيستيايوس أثناء التمرد الأيوني؛ إذ من بين 100 شاب أرسلهم الخيوسيون إلى دلفي، لم يعد إلا اثنان، ومات الثمانية والتسعون الآخرون نتيجة وباء. وفي الوقت نفسه تقريبا، وبينما كان 120 صبيا يتعلمون الألفبائية، خر عليهم السقف فقتلهم جميعا إلا واحدا؛ فهذه العلامات التحذيرية كان «الإله» قد أراهم إياها. فالإله يعرف ما يخبئه المستقبل، والبشر ليسوا دائما مسيطرين على أقدارهم.
هناك آلهة معينة تتدخل فعلا عندما يتصل الأمر بمعابدها؛ فبوسيدون يقول عندما انتهك معبده: ستحل نقمتي. ويكتب هيرودوت قائلا إنه بينما كان الفرس يحاصرون بوتيديا في شمالي اليونان، أغراهم جزر منخفض على غير العادة بالخوض في المياه، وقبل بلوغهم منتصف الطريق أثناء عبورهم:
باغتهم المد الذي تلا ذلك، والذي كان مرتفعا على غير العادة، وفي الحقيقة كان - وفقا لشهود العيان - أعلى من ذي قبل، على الرغم من أن ارتفاع المد ليس بمستغرب هناك. فغرق من لا يستطيعون العوم، ومن يستطيعون العوم قتلهم البوتيديون الذين لاحقوهم في قوارب. ويعزو البوتيديون هذا المد بالغ الارتفاع والكارثة التي حلت بالفرس إلى حقيقة أن الرجال الذين ماتوا هم أنفسهم الذين دنسوا من قبل معبد بوسيدون وتمثاله المنتصب خارج البلدة مباشرة.
لم يكن البوتيديون وحدهم الذين يعتقدون ذلك؛ إذ يكتب هيرودوت قائلا: «أنا شخصيا أعتقد أن تفسيرهم هو التفسير الصحيح.»
في النهاية، اختزل الانتصار الإغريقي الذي شكل المسار المستقبلي للتاريخ إلى مواجهة بين الأوتوقراطي خشايارشا - وهو رجل منفصل عن الواقع، ظل دائما يرفض النصائح الصائبة واستحال إقناعه - وتيميستوكليس الذي - لكونه مواطنا في ظل ديمقراطية - برع في الإقناع، ودائما ما كان يقدم مشورة صائبة. إذن ألم يعتقد هيرودوت أن الإله لعب دورا في نتيجة الحرب؟
لعل أفضل طريقة لتناول هذا السؤال هي النظر في نصين، أحدهما من خطاب ألقاه تيميستوكليس على إخوانه الأثينيين، والآخر يتحدث فيه المؤرخ بكلامه. أولا تيميستوكليس:
لسنا نحن الذين اجترحنا هذه المأثرة، بل الآلهة والأبطال الذين ضنوا على ذلك الرجل - الذي هو فوق ذلك خبيث وأثيم - أن يحكم آسيا وأوروبا.
يليه هيرودوت. يقول هيرودوت إنه يجد نفسه مضطرا إلى التعبير عن رأي يعرف أنه لن يحظى بقبول حسن (فيما يبدو بسبب عدم شعبية الإمبراطورية الأثينية في الوقت الذي كان يكتب فيه). لو لم يصمد الأثينيون، لضاعت اليونان، ومن دون الأثينيين، لما تماسكت أي كونفيدرالية إغريقية وتغلبت على خشايارشا. فعلى الرغم من التحصينات الكثيرة التي كان الإسبرطيون قد أقاموها عبر البرزخ، كان حلفاؤهم سيتخلون عنهم، وكانوا سيتركون يموتون وهم يقاتلون. وفي المقابل فإن مشهد بقية اليونان وهم يسلمون لخشايارشا ربما كان سيدفعهم إلى التصالح مع الفرس. وبعد استمراره على هذا النحو طوال فقرة تقريبا، يختتم قائلا:
سيكون المرء يقينا على صواب في قوله إن الأثينيين أنقذوا اليونان ... إن الأثينيين هم - من بعد الآلهة - الذين دحروا ملك فارس.
يسعى تيميستوكليس إلى التزلف إلى الأثينيين بمظاهر التقى، مصورا هزيمة خشايارشا كعقاب إلهي على الشطط في العجرفة، وعازيا الانتصارات الإغريقية لا إلى الآلهة فحسب، بل إلى أنصاف الآلهة التي عبدها الإغريق أيضا، وهم الذين يسمون «الأبطال». على النقيض من ذلك، يدفن هيرودوت إشارته التي تكاد تكون عفوية إلى الآلهة في تحليل موضوعي مفصل للحملة. وفي النهاية، يبدي الأثينيون بطولة في ماراثون، ويبدي الإسبرطيون بطولة في ثيرموبيلاي، وتتغلب استراتيجيات تيميستوكليس في سلاميس ، ويضع مجهود شامل في بلاتايا وميكالي نهاية للطموحات الفارسية أخيرا وإلى الأبد. ولا شك أن الآلهة حاضرة في «تاريخ هيرودوت»، لكن البعد البشري هو الذي يوليه هيرودوت الصدارة.
نامعلوم صفحہ