ہیروڈوٹ: مختصر تعارف
هيرودوت: مقدمة قصيرة جدا
اصناف
العجيب أنه لم يقتصر استحضار فكرة ثيرموبيلاي على السياقات الدفاعية، بل استحضرت أيضا في السياقات الهجومية؛ فالألمان التعساء الذين أرسلوا ليعانوا معاناة بائسة خلال حصار ستالينجراد الفاشل، لم يكونوا مسرورين لتلقي هذه الأوامر ذاتها الصادرة من هتلر (بأن يقاتلوا حتى الموت دون الاستسلام)، وقد ذعروا يقينا عندما عرفوا أن الصحافة الأوروبية تنشر ادعاء جورينج بأنهم يضحون طواعية بأنفسهم لإنقاذ الحضارة من انقضاض الحشود البربرية الآتية من الشرق، مثلما فعل الإسبرطيون تماما منذ أكثر من ألفي عام.
شكل 3-6: لا يزال حصن ألامو - الكائن في سان أنطونيو بولاية تكساس - وجهة سياحية شهيرة حتى يومنا هذا.
6
وفي الولايات المتحدة، تمخضت الهزيمة الحاسمة التي تعرضت لها القوات الأمريكية في حصن ألامو سنة 1836 عن نصب تذكاري يحمل كلمات «ثيرموبيلاي أبقت على رسول يحمل أنباء الهزيمة، أما ألامو فلم تبق ولم تذر.» وكان الدفاع الفاشل عن إحدى النقاط الخارجية التابعة للكونفيدرالية في سابين باس بولاية تكساس سنة 1863 الحافز وراء نشر كتاب بعنوان «سابين باس: ثيرموبيلاي الكونفدرالية». وبعد ذلك بقرن، بدأ الأمريكيون يرسلون قوات إلى فيتنام، وفي 1978 حولت رواية دانيال فورد عن تلك الحرب وعنوانها «واقعة في موك وا» إلى فيلم سينمائي بعنوان «اذهب وقل للإسبرطيين»، بطولة بيرت لانكستر وكريج واسون، ودار حول فكرة التضحية الطوعية، وتمحورت حبكته الدرامية حول دفاع ثيرموبيلاي.
فعندما يصل الأمريكيون إلى نقطة موك وا الخارجية الصغيرة سنة 1963، يجدون مقبرة تضم رفات 300 شخص ونقشا على المدخل باللغة الفرنسية، يتعرف عليه واسون الصغير بوصفه نقش سيمونيدس ويترجمه لرفيق حائر ليست لديه أي فكرة عما يعنيه ذلك. وهكذا تصور الدراية بثيرموبيلاي كسمة لشخص مثقف يعرف تاريخه (واللغة الفرنسية). يرفض الأمريكيون في موك وا تصديق أنهم يمكن أن يخفقوا كما أخفق الفرنسيون من قبل، لكنهم يتعرضون للخيانة، حيث يتم التشديد على أن طرقا عدة تؤدي إلى معسكرهم. وعلى خلاف ليونيداس، لا يجد بيرت لانكستر - الذي رأى من الحرب الكثير، وصار ناقما إلى أقصى درجة - في نفسه رغبة البقاء بمجرد أن تبين خسارة القضية خسارة صريحة، وهو لا يحتاج إلى ذلك؛ لأن الأمريكيين - على خلاف الإسبرطيين - يملكون مروحيات. تأتي نقطة التحول في الفيلم عندما يترك لانكستر مروحية الإخلاء وينضم إلى واسون المثالي في القتال دفاعا عن موقعهم الميئوس منه، وعندما تشرق الشمس بعد معركة ليلية بشعة، نرى جثة لانكستر راقدة عارية على الأرض المغطاة بالمستنقعات، أما واسون فيترنح وهو يدخل المقبرة الفرنسية، وهو فيما يبدو لم يتعرض لإصابة قاتلة، لكن الاحتمالات ضئيلة أن يتمكن من شق طريقه عائدا إلى مكان آمن. لقد أكسب الإسبرطيون في ثيرموبيلاي وقتا لليونان، أما الأمريكيون في موك وا فماتوا بلا مقابل.
لم يكتف هيرودوت - وقد أعانه مؤلفون لاحقون استقوا بشدة من عمله، كما أعانه أيضا وبالتأكيد نقش شاهد قبر سيمونيدس الذي كان متاحا له كي يضمنه في «تاريخ هيرودوت» - بإعطائنا أسطورة ثيرموبيلاي، وهي محور ملحمته الحربية ، بل عضد أيضا تصور أفرودة الحرب التي تضاهي بامتياز القصة الفخمة الطويلة، وهي فكرة اقتبست من هوميروس وانتقلت إلى ثوسيديديس وآخرين يفوقون الحصر. يكرر وصف هيرودوت للحروب الأفكار نفسها التي نراها في مواضع أخرى في «تاريخ هيرودوت»، من أعمال عجيبة تستحق الذكر، وقصر عمر السعادة البشرية، لكن مع إضافة طبيعة الطموح الإمبريالي المتأصلة. وماذا عن دور الآلهة في كل هذا؟ يعتقد هيرودوت بوضوح أنها تلعب دورا ما، وهذا موضوع سنعود إليه في الفصل
السادس .
هوامش
الفصل الرابع
هيرودوت الإثنوجرافي
نامعلوم صفحہ