رميت بها وغربًا فأصبحت به ... الأرض ملأى من مقيم وراحل
وقال ابن حازم وافر:
فأبعثهن أربعة وخمسًا ... بألفاظ مثقفة عذاب
وكن إذا وسمت بهن قومًا ... كأطواق الحمائم في الرقاب
وهن وإن أقمت مسافرات ... تهادها الرواة مع الركاب
٥- قال أبو علي: والمنظوم أهز لعطف الكريم، وأجمع لشتات محاسنه، كما أنه أفل لغرب اللئيم، وأبدى بصفحة مطاعته، وكذلك قال تأبط شرًا طويل:
وإني لمهد من ثنائي فقاصد ... به لابن عم الصدق شمس بن مالك
أهز به في ندوة الحي عطفه ... كما هز عطفي بالهجان الأوراك
هذا إذا كان لفظه حر الطينة، ومعناه سليمًا من اللبس والشركة، وكان كما قال موسى بن جابر الحنفي طويل:
من الواضحات الغر يخرج وحده ... ويلوي عليه رأسه كل شاعر
وكما قال جرير طويل:
وعاو عوى من غير شيء رميته ... بقافية أنفاذها تقطر الدما
خروج بأفواه الرواة كأنها ... قرى هندواني إذا هز صمًا
وكما قال عبد العزيز بن حاتم بن النعمان الأصم-وهو الذي كان يهاجي الفرزدق بسيط:
ألق قذى الشعر عنه حين أقرضه ... فما بشعري من عيب ولا ذام
كأنما اصطفى شعري وأغرفه ... من لج بحر غزير زاخر طام
منه غرائب أمثال مشهرة ... ملمومة زانها وصفي وإحكامي
٦- قال أبو علي: فإذا كان غير معتدل النظم، ولا متناسب القسمة، ولا مقبول العبارة، وكانت معانيه بعيدة، وألفاظه شريدة، كما قال الشاعر طويل:
وبعض قريض القوم أولاد علة ... يكد لسان الناطق المتحفظ
فسيلم المنثور-وإن عطل من حلي البيان، وتعرى من حلل الإحسان أعذب شربًا، وأكرم عرفًا، ألا ترى إلى قول عروة بن أذينة كامل:
فاسق العدو بكأسه واعلم له ... بالغيب إن كان قبل سقاكها
واجز الكرامة من ترى أن لونه ... يومًا بذلت كرامة لجزاكها
فهذا من التركيب الوحشي المضطرب، والنسخ المختلف، وقوله في البيت "واعلم له بالغيب" مستهجن، مشترك الصنعة، متباين البنية، و"له" رديئة الموقع، بشعة المستمع، والبيت الثاني، تقديره أن يقول: فاجر الكرامة من ترى أن لو بذلت يومًا كرامة، لجزاكها، وانظر إلى قول الآخر خفيف:
لم يضرها والحمد لله شيء ... وانثنت نحو عرف نفس ذهول
فتأمل هذا المصراع الأخير من هذا البيت، فإنك تجد بعض ألفاظه تتبرأ من بعض، فالسبب الذي: ثقل معه هذا البيت على اللسان، تقارب حروف الحلق في قوله: "وانثنت نحو عرف نفس ذهول" لأنهم لا يكادون يجمعونها إلا بحواجز لتنافرها، وقد اتفق ذلك لجماعة من حذاق الشعراء، وصناع الكلام، فانظر إلى تفاوت ما بين هذا النظم، وبين قول أبي حية النميري الطويل:
رمتني وستر الله بيني وبينها ... عشية أرام الناس رميم
رميم التي قالت لجارات بيتها ... ضمنت لكم أن لا يزال يهيم
فلو كنت أسطيع الرماء رميتها ... ولكن عهدي بالنضال قديم
٧- قال أبو علي: وهذا كلام، ليس فيه فضل عن معناه، والمنثور مطلق من عقال القوافي، فإذا صفا جوهره، وطاب عنصره، ولطفت استعارته ورشقت عبارته، كاد يساوي المنظوم، لولا ما انفرد به المنظوم من فضيلة الوزن والقافية، وغيرهما مما عينت وأعين عليه، فمن بديع الاستعارة في المنثور، قول بعض الأعراب: "خرجت في ليلة حندس قد ألفت على الأرض أكارها فمحت صور الأبدان، فما كدنا نتعارف إلا بالأذان فهذا بارع من الاستعارة في وصف ظلمة الليل، إلا أنك إذا ماثلته بالمنظوم في معناه، وجدت التفاوت بين الإحسان والإساءة، والزيادة والنقيصة، فيما سأقرأ، ظاهرًا.
٨- قال أبو علي: أنشدنا محمد بن عبد الواحد عن أحمد بن يحيى عن أبي نصر عن الأصمعي لأبي محكان العدوي طويل:
وليل يقول الناس عن ظلماته ... سواء صحيحات العيون وعورها
كأن لنا منه بيوتًا حصينة ... مسوح أعاليها وساج كسورها
الساج: الطيلسان، والكسور: جمع كسر، وهو جانب البيت.
وقول الحماني العلوي ألطف في معناه، وأليق في مسراه حيث يقول بسيط:
كأنما الطرف يرمي في جوانبه ... عن العمى وكأن النجم قنديل
1 / 2