ونبَّهن مثل السيف لو لم تسُلَّه ... يدان لسلَّته ظُباه من الغِمْدِ
ومن الإفراط في وصفه قول النابغة:
يقدُّ السَّلُوقيَّ المضاعَفَ نسجهُ ... ويوقد بالصُّفَّاحِ نارَ الحبُاحِبِ
وأقوال الشعراء في السف كثيرة جدًّا، وفيما ذكرناه من ذلك كفاية.
فصل
ومن شرط السيف أن لا يُسلَّ إلا عند الضرب به، وأن سُلَّ قبل ذلك أوْرَث الجُبن.
وليس في السلاح ما يجب أن يُحذر عند العمل به كالسيف. وقد وجد كثير ممن عمل به بغير حذر ولا دُربة أصاب أُذُن فرسه أو عضده، وربما أصاب أُذُنَ نفسه أو رجلَه فقطعها، أو أثَّر فيها.
فإذا أراد الفارس العمل به طرَّف رجله في ركابه حتى لا يظهر منها شيء عن مقدَّم الركاب، بحسب ما يمكن اعتماده عليه، ويضرب بالسيف نَفْحًا وشزرًا؛ إلا ما كان قبالة وجهه فليكن حينئذ أشد حذرًا على نفسه وفَرَسه. وليعْتَل يده عند ضربه ما أمكنه إلى خارج، فبذلك يكون آمنًا. وليطْرَحْ مقابله عن يمينه أبدًا في كل حال، ولا سيما الرامح.
ومن أراد التعلم به والتمرُّن في الضرب فليعمد إلى قَصَبة رِطْبة أو قضيب رطب، ويثبت أصله في الأرض، ويتوثق منه؛ ثم يتباعد عنه، ويجعله على يمينه، ويُجري فرسه ملء فروجه؛ فإذا دنا منه سَلَّ سيفه بسرعة وحّذَرٍ وخفة، ونَفخ به ما يحاذي رأسه من ذلك القضيب أو القصبة، أو يضرب ذلك شزرًا بلباقة وخفة. يفعل ذلك مرارًا يقص في كل طَلَق منه ما أمكنه؛ إلى أن يبقى قَدْر ذراع. ويُدمن العمل حتى يصير له عادة ويخف عليه العمل به إن شاء الله، والشَّزْر: هو الضرب به عن يمين وشمال، والنَّفح: إلى خارج اليمين.
الباب السادس عشر
ذكر الرماح
قال رسول الله ﷺ:) عليكم بالقنا والقِسِىِّ، فيها نُصِر نبيُّكُمْ وفُتح لكم في البلاد (. والقنا: هي الرماح.
وكان لرسول الله ﷺ أربعة أرماح: رمح يسمى) المتثني (، والثلاثة أصابها من سلاح بني قَيْنُقاع.
وكانت العرب تقول:) الرمح رِشَاءُ المنيّة. ومن أمثالهم فيه:) ذكّرتني الطعنَ وكنت ناسيًا (.
وسأل أعرابي ابنين كانا له عن أي الرماح أحبُّ إليهما؟ فقال أحدهما: المارن المثقف، المقوَّم المخطف، الذي إذا هززته لم يتعطَّفْ. وإن طعنتَ به لم يتقصَّفْ، فقال للآخر: فما تقول أنت؟ قال: نعم الرمح وصَفَ! وغيرُه أحبُّ إليَّ منه. فقال: وما هو؟ قال: الذابل العسَّال، المقوم النَّسال، الماضي إذا هززته، النافذ إذا همزتَه.
قال: فأخبراني عن أبغض الرماح إليكما؟ فقال أحدهما: الأعصل عند الطِّعَان، المثلَّم عند السِّنان، الذي إذا هززته انعطف، وإذا ضربت به انقصف.
فقال للآخر: فما تقول أنت؟ قال: بئس الرمح وَصَف! وغيره أبغضُ إليَّ منه؛ فقال: وما هو؟ فقال: الضعيف المهزّ، اليابس الكزّ، الذي إذا أكرهته انحطم، وإذا طعنت به انقصم.
الأعْصَلُ: هو الملتوي.
قال بعضهم: الرماح هي العوالي، والسُّمْر الحوالي، وقرون الجياد، وأرشية قلوب الأكباد، بها تستماح المُهج، وتستباح الفروج والفُرَج. خُلقت كالأراقم، لثغر الحلاقم، فسليمها معذور، وكَليِمُها مذعور ومن قولهم في ذلك:
وكم عاتقٍ قد أنكحَتْنا رماحُنا ... ومن ثيِّبٍ حَلَّت لنا لم تُطَلَّق
فصل من أسمائها على الترتيب:
) العنَزَة (، وهي عصا فوق الهراوة فيها) زُجٌ (، وهي من السلاح لإمكان الدفع بها، والزُّج فيها يشبه السنان وإن لم يكنه. ثم) النَّيْزك (، وهو أطول من العَنَزَة وفيه سنان دقيق، وجمعه نيازك، ومثله) المِطْرد (.
و) المزراق (كذلك لأنه يُرمى به للطافة عصاه، وقد يكون سنانه مربعًا لطيفًا لخرق الدروع وشبه ذلك.
فإذا زاد طولها وفيها سنان عريض فهي) حَرْبة (و) أَلَّة (جمعها حِراب، وإلاَل.
و) الخُرْص (من قصار الرماح وجمعه خُرْصان. فإن كان أصمَّ فهو) مِدْعَسٌ (يُدْعِس به، وجمعه مَدَاعس.
وأطولها الرُّمْحُ، والقَنَاة
فصل في أسماء صفاتها ونسبها
1 / 45