حکمت غرب
حكمة الغرب (الجزء الأول): عرض تاريخي للفلسفة الغربية في إطارها الاجتماعي والسياسي
اصناف
ولقد وضع هبز في الفلسفة أساس عناصر كثيرة أصبحت تتميز بها المدرسة التجريبية الإنجليزية فيما بعد. وكان أهم أعماله هو «التنين»، وفيه طبق آراءه الفلسفية العامة من أجل وضع نظرية في الحكم والسيادة. لكن الكتاب، قبل أن ينتقل إلى بحث النظرية الاجتماعية، يتضمن على سبيل التقديم موجزا وافيا لموقفه الفلسفي العام. ففي الجزء الأول نجد تفسيرا للإنسان ولعلم النفس البشري على أسس ميكانيكية دقيقة، مصحوبا ببعض التأملات الفلسفية عن اللغة ونظرية المعرفة. وهو يرى، مثل جاليليو وديكارت، أن أي شيء يدخل في نطاق تجربتنا ينتج عن حركة ميكانيكية في الأجسام الخارجية، على حين أن المرئيات والأصوات والروائح وما شابهها لا توجد في الأشياء، بل هي ذاتية فينا. وهو يذكر عرضا، في سياق هذا الموضوع، أن الجامعات ما زالت تدرس نظرية فجة في الانبعاثات
emanations
مبنية على آراء أرسطو، ثم يضيف بخبث أنه لا يرفض الجامعات بوجه عام، ولكنه لما كان سيتحدث فيما بعد عن موقعها في الدولة، فلا بد له أن يدلنا على أهم عيوبها التي يتعين إصلاحها والتي من بينها الإكثار من الكلام الفارغ. ويقوم رأيه في علم النفس على فكرة التداعي أو الترابط، كما يتخذ في موضوع اللغة موقفا اسميا تام الاتساق. وهو يرى أن الهندسة هي العلم الوحيد، ووظيفة العقل لها نفس طابع البرهان في الهندسة فعلينا أن نبدأ بالتعريفات، ونحرص في صياغتنا لها على ألا نستخدم مفاهيم مناقضة لذاتها. وبهذا المعنى يكون العقل شيئا يكتسب بالمران، أي أنه ليس فطريا كما اعتقد ديكارت. ويلي ذلك عرض للانفعالات على أساس فكرة الحركة.
ومن جهة أخرى يرى هبز أن الناس يكونون في حالتهم الطبيعية متساوين، ويسعى كل منهم إلى المحافظة على ذاته على حساب الآخرين، بحيث تقوم بينهم حالة حرب للكل ضد الكل. ولكي يتخلص الناس من هذا الكابوس المزعج، يتجمعون سويا ويفوضون قدراتهم الخاصة لسلطة مركزية. وهذا هو موضوع الجزء الثاني من الكتاب. فلما كان الناس عقلاء وميالين إلى التنافس، فإنهم يصلون إلى اتفاق أو ميثاق من صنعهم، يتفقون فيه على الخضوع لسلطة معينة من اختيارهم. وبمجرد قيام مثل هذا النظام، لا يكون لأحد الحق في التمرد، ما دام المحكومون، لا الحاكمون، هم الملزمون بالاتفاق. ولا يحق للناس أن يفسخوا الاتفاق إلا إذا عجز الحكم عن توفير الحماية التي اختير أصلا من أجلها. ويسمى المجتمع الذي يرتكز على عقد من هذا النوع باسم الدولة القائمة على مصلحة مشتركة
Commonwealth ، وهي أشبه برجل عملاق مركب من رجال عاديين، أي «بالتنين». ولما كانت هذه الدولة أضخم وأقوى من الإنسان، فإنها أشبه بالإله، وإن كانت تشترك مع الناس العاديين في أنها فانية، وتوصف السلطة المركزية بأنها ذات سيادة
Sovereign ، وهذه السيادة تعني سلطة مطلقة في كافة جوانب الحياة. أما الجزء الثالث من الكتاب فيقدم إيضاحا للسبب الذي يتعين معه عدم وجود كنيسة عالمية. ولقد كان هبز «إراستيا».
10
بالمعنى الكامل لهذه الكلمة، ومن ثم رأى من الضروري أن تكون الكنيسة مؤسسة قومية خاضعة للسلطات المدنية. وفي الجزء الرابع يوجه انتقاده إلى كنيسة روما لعدم توافر شرط الخضوع هذا فيها. لقد تأثرت نظرية هبز بالقلاقل السياسية التي انتشرت في عصره. وكان أكثر ما يخشاه وينفر منه هو الانشقاق الداخلي؛ ولذا كانت آراؤه تنشد السلام بأي ثمن. أما فكرة القيود والضوابط، كما عرضها لوك فيما بعد، فكانت غريبة عن أسلوبه في التفكير. على أن طريقة معالجته للمسائل السياسية، رغم تحررها من الخرافة والنزعة الصوفية، كانت تميل إلى الإفراط في تبسيط المشكلات. ولم يكن تصوره للدولة كافيا لمواجهة الموقف السياسي الذي عاش فيه.
لقد رأينا أن عصر النهضة قد شجع الباحثين على الاهتمام المتزايد بالرياضيات، وهناك مسألة رئيسية أخرى كانت تشغل مفكري ما بعد عصر النهضة، هي أهمية المنهج، وهي مسألة لاحظناها من قبل في حالة بيكن وهبز. ولقد امتزج هذان العاملان عند رينيه ديكارت
Rene Descartes (1596-1650م) ليؤلفا مذهبا فلسفيا جديدا على طريقة القدماء في تكوين مذاهب شاملة. ومن هنا كان يعد، عن حق، مؤسس الفلسفة الحديثة.
نامعلوم صفحہ