إذا دعاك عظيم فأجب دعوته، وإذا أكرمك كريم فتقبل كرامته، وإذا جلست إلى مضيفك فلا تطل النظر إلى وجهه، ولا تبدأ بحديث قبل أن يفاتحك؛ لأنك لا تدري أي الأشياء لديه أحب، وأيها يستدعي لديه الغيظ والغضب، وإذا دارت رحى الحديث بينكما فلا يكن كلامك إلا جوابا عن سؤال؛ فإن في ذلك حفظا لكرامتك، وإرضاء لمحدثك.
إذا كنت ضيفا في دار فلا تحزن إذا كان نصيبك من خيرها قليلا؛ لأن رب الدار يكرم أضيافه حسبما توحي إليه نفسه، وكل امرئ في بيته سيد مالك؛ فليس لك أن تجبهه أو تعترض عليه، واعلم أن رزقك في يد الله، ولن يهملك الذي خلقك.
إذا أوفدك عظيم إلى عظيم مثله فاقتد بمرسلك في خلقه، فإياك أن تعكر الصفاء بينهما بالخطأ في تبليغ الرسالة؛ فقد يؤدي تحريف الكلم إلى العداء، وكم من كلمة بدلت فدمرت بلدا، ولفظ غير فكان مجلبة الشقاء! وإذا فتح لك أمير أو حقير خزائن قلبه، وباح لك بما يصونه عن غيرك؛ فلا تفش حرفا مما اؤتمنت عليه؛ لأن إفشاء الأسرار منقصة تلحق بصاحبها المذلة.
إذا زرعت زرعا فقم عليه، وكن حريصا حتى ينبت وينمو ويثمر فيبارك الله لك فيه، وإذا حرمت النسل فلا تحسد من رزقه، بل اغتبط به إذا رأيت مسرته، وإذا لم تلد لك زوجك فلا تشاكسها؛ فإنك لا تعلم هموم الآباء إذا لم تكن والدا؛ فقد يكون أحدهم سعيدا بماله شقيا بنسله، وليس نصيب المرأة من النسل بأقل شقوة من أنصبة الآباء؛ فإن الأمهات أكثر النساء هما وغما، وأدناهن من القبور؛ لشدة ما ينال إحداهن من الحزن وما تلقاه من الآلام في العناية بولدها في نومه ويقظته، في مرضه وصحته، في حزنه ومسرته.
إذا كنت صغير القدر غير ذي شأن؛ فالجأ إلى حكيم حازم والتصق به، واجعل نفسك وقفا عليه؛ فيرفعك بحكمته من حضيضك إلى أوجه، ويقوم من عوجك بمثل ما قوم من عوج ذاته.
إذا رأيت رجلا أصابه حظ حسن، فنال منصبا ساميا لا يستحقه، وكنت واقفا على سره، خبيرا بحقيقة حاله، فلا تهزأ به لما تعلم من أمره، بل كن كغيرك في إكرامه والحفاوة به، وكفاه ما حاز من الفخر مبررا لعيوبه؛ فقد تحسن حاله بعلو مكانته. واعلم أن الشرف والثراء لا يكونان لك عفوا صفوا، وإنما للمرء من الخير قدر ما سعى، واعلم أن الله لم يشرع طرقا أكثر من طرق الحلال لكسب المال.
لا تطع في الحياة إلا قلبك، واعص نفسك في هواها، ولا تجبها إلى سؤالها فيما لا يعلي قدرك، ولا تقض عمرك كله في تحصيل المال وكنزه؛ فإن كنز المال وصره متعبة، ولا خير فيما يتعب المرء في تحصيله ليزداد بوفرته نصبا.
إذا رزقك الله ولدا فلا تهمل تهذيبه، بل اسهر على تربيته وإرشاده إلى سواء السبيل؛ فإن أثمر عملك فقد نلت ثوابين؛ الأول: ثواب من عمر في الأرض وعمم الخير، والثاني: ثواب من زرع زرعا وبارك الله له فيه، وإن كان لك بنت فلا تفرط في شأنها، وارعها بقلبك كما ترعاها بعينك، وإلا كان عقابك كمن ولي ملكا ولم يحسن سياسته، وإن عصاك ولدك وأطاع هواه، وكان فظا غليظا متشددا في الشر غير حسن الأخلاق، فاضربه حتى تهذبه؛ فإن العصا تقوم باعتدالها ما اعوج من أمره، وحذره من عشرة قرناء السوء ممن لا يعنون بالفضائل؛ فإنهم يقودونه إلى حيث لا تريد، واعلم أن من يلقى مرشدا لن يضل.
إذا جلست في مجلس الدولة فاسترشد بمن كان أقدم منك عهدا؛ فهو أعرف منك بقواعد الحكم، ولا تستهن بالمواظبة؛ فإن الانقطاع عن مقر منصبك والتراخي في عملك يضعفان ثقة الرئيس بك، وربما أدى ذلك إلى ضياع نصيبك من السلطة، كن على الدوام مستعدا للقول إذا كان المجال ذا سعة، ولا تهمل الجواب عن سؤال يوجه إليك، وإذا شئت أن تبقى في المجلس ذا سلطة عالية وقول نافذ فاجعل لنفسك فيه شأنا؛ بحيث لا يستغنى عنك، واعرف مكانتك من أهله يعرفها غيرك، واجلس حيث يؤخذ بيدك وتبر، واعلم أن مجلس الدولة يسير على نظام معروف، وكل ما يحدث به يدور على محور الدقة، وأن علو الكعب فيه نعمة يحرص عليها العاقل، ويسعى إليها الطامع في العلا.
إذا كنت في عشرة قوم فحبب نفسك ما استطعت إليهم، وليكن قلبك وقفا على مودتهم ما دمت ترى إخلاصهم لك وعطفهم عليك؛ فيرتفع ذكرك بين الملأ وتتدفق عليك نعم الله، وتلقى في كل مكان صديقا، وتنال ما تتمنى من دنياك. واعلم أن أسمى الفضائل أن تقدر على كبح جماح شهواتك في السر والجهر، وأن أدنى الرذائل أن يطيع الرجل بطنه وفرجه، وقد رأيت قوما أطاعوا بطونهم وفروجهم؛ فكبرت أجسامهم وصغرت أحلامهم، وأصابتهم في ألسنتهم بذاءة يؤذون بها الأخيار؛ فكان لهم من بطونهم وفروجهم أعداء لا يستطيعون مناهضتها، ولا يقدرون على دفع شرها.
نامعلوم صفحہ