حکایت اور اس میں کیا ہے
الحكاية وما فيها: السرد (مبادئ وأسرار وتمارين)
اصناف
يمكن لهذا الاستطراد اللغوي أن يقودنا إلى تقابل أوضح للكاتب، بين ما يراه بالعين وما يعبر عنه بالكلمة؛ فإن معرفتك بأسماء الأشياء يمكنها أن تساعدك على أن تراها جيدا، وبالتالي أن يراها قارئك، حتى يصدقك ويفهمك؛ فلا يكفي أن تقول له عن تلك الأداة المعدنية الرفيعة اللامعة التي يستخدمها بعض الأطباء والصيادلة؛ لأن هذا الوصف يصدق على عشرات الأشياء. من المهم أن تقول له «السباتيولا» أو الملوق، كما قد يترجمها البعض، ثم صفها على راحتك لو أردت.
المقصود هنا هو أنك لا تستطيع أن ترى لونا ما إن لم يكن لديك مفردة تدل عليه؛ ستختلط جميع درجات الأحمر وتتحول بأطيافها اللانهائية إلى مجرد لافتة واسعة تدعى كلها باسم واحد هو «أحمر». قال الفيلسوف النمساوي لودفيك فينجشتاين ذات مرة: «إن حدود لغتي هي ذاتها حدود عقلي.» وقال أيضا: «لا تفكر، بل انظر!»
لم يكن لدى الإغريق القدامى كلمة تعبر عن اللون الأزرق، وكانوا يسمون لون البحر «النبيذ الداكن»، وإحدى قبائل غينيا الجديدة ليس لها كلمة تعبر عن اللون الأخضر، فأوراق الشجر هناك إما فاتحة وإما داكنة فحسب. والمقصد هنا أن تبحث عن أسماء الأشياء بينما تراها، أو حتى أن تمنحها أسماء جديدة خاصة بك على سبيل اللعب. صف العالم بينما تتجول في أرجائه، لنفسك أولا، ثم للآخرين، واعتد ذلك الطريق الواصل ما بين الشيء الملموس وبين المفردة الدالة عليه، ومن شأن بحثك في معاني المفردات وظلالها وجذورها أن يضيف إلى عينيك نورا جديدا، وإلى نظرتك حدة وتألقا؛ وبحسب فريدريك نيتشه: «إذا ما حدقت في الهاوية لوقت طويل؛ فإن الهاوية أيضا تحدق فيك.» فالمسار بينك وبين مكونات الوجود من حولك ليس طريقا ذا اتجاه واحد، بل باتجاهين، ومن يدري، لعله متعدد الاتجاهات!
كأنك مسافر
إننا نريد أن يرى القارئ ما رأيناه بالضبط، ولكننا غالبا ما نمضي في حياتنا غير منتبهين لما نراه نحن أنفسنا؛ فنرى حين ينبغي علينا أن ننظر، ونلمح حين ينبغي علينا أن نحدق. وهناك مصور فوتوغرافي وثائقي - يدعى ووكر إيفانز - قال ذات مرة: «حدق! إنها الطريقة الوحيدة لتعليم (تثقيف) عينيك.» أما الشاعر وليام بليك فقال: «يمكنني أن أظل ناظرا إلى عقدة في لوح خشب إلى أن تثير في الذعر.»
إننا نرى فقط ما يهمنا، ننحي جانبا وبسرعة كل ما عدا ذلك مما يبدو غير ذي أهمية، غير مفيد، عاديا أو مملا أو تافها، إلا أن الحقيقة هي: ليس هناك صورة لا تستحق الرؤية، لا يوجد تفصيل قد لا يكون مهما للكاتب؛ فكأننا بحاجة لأن نتعلم من جديد كيف نبصر الأشياء، كيف نرى بحدة ودقة وعمق، وكيف نستخدم حاسة البصر كما يليق بها في حياتنا، ثم في كتاباتنا.
توقف للحظات بينما تسير في الطريق والتقط شيئا صغيرا وأمعن النظر فيه؛ اكتب في دفترك سطرا أو اثنين عن جزئية رأيتها لتوك؛ استخدم كاميرا والتقط بها صورة كل يوم. لم تكن الشاعرة الأمريكية إليزابيث بيشوب تسافر إلا ومعها نظارة معظمة، وقد رآها أحد الطلاب ذات مرة تراقب بها قطيع أبقار ترعى أمام فندقها. اعتبر نفسك مسافرا يا أخي، ولو بضع دقائق كل يوم، فعندما نسافر تغسل حواسنا وعيوننا بالأخص؛ ننتبه، نصحو، نلاحظ أشياء قد لا نلتفت إليها بالمرة في أحوالنا المعتادة، نمتص بحواسنا الروائح والألوان والمذاقات، نتأمل المعمار والشوارع وأزياء الناس، يتفجر بداخلنا نبع الفضول الذي أوشك على الجفاف، نصير أقرب إلى شخصيات في رواية أو قصة. لتكن هذه الحالة من الحضور المحض اليقظ هي هدفك في حياتك اليومية؛ انتبه، وانظر، وادخر.
أخيرا
أن تحدق أي أن تفكر.
سلفادور دالي •••
نامعلوم صفحہ