قال الشيخ عمار ذلك للشيخ محمود وهما يقفان مستقبلين الحديقة في ساعة الأصيل. تجاهل الشيخ محمود قوله رانيا إلى الحديقة ثم قال: ما أهدأ ساعة الأصيل! .. كأنها الوقفة الصامتة بين الشهيق والزفير! - لن تعرف حارتنا الهدوء بعد اليوم.
فقال الشيخ محمود بحدة: لم يبدأ الشر من جانبنا. - هذا حق ولكن وقع اعتداء على بعض رجالنا الطيبين. - شر لا مفر منه أما الأبالسة فقد اجتاحتهم العاصفة.
ابتسم الشيخ عمار قائلا: عليهم اللعنة، ولكن هل تأذن له يا مولاي؟ لقد تركناه ينتظر طويلا! - إني أمقته ولكن فليحضر!
غادر الشيخ عمار بهو الاستقبال وما لبث أن دخل علي عويس. جاء بوجه متجهم فلاقاه الشيخ بنظرة جافة باردة. حياه الشاب بالسلام فرد الشيخ بغمغمة ولم يمد يده. قال الشاب: لقد جئت.
ولكن غلبه الانفعال فسكت. تركزت عليه النظرة الجافة الباردة دقيقة كاملة ثم سأله: ماذا تريد؟ - أنت أدرى بما دفعني إلى المجيء ؟ - لا تضيع وقتي بالألغاز. - رجالكم يتحرشون بنا في كل موضع. - أكنت تتوقع عاقبة أخرى؟ - كنا نتوقع مناقشة تهيئ للجميع توازنا ونقاء! - أصبح في كل بيت شقاق، وأنتم أصل البلاء والفتنة. - ما أردنا إلا.
فقاطعه بحدة وازدراء: لقد عرفتم مني جانبا لينا ولكني أملك جانبا آخر وعرا. - سيدي ...
فقاطعه للمرة الثانية وبعنف أشد: إن من يتحدى المقدسات مثلك لا يليق به أن يكون جبانا! - لست جبانا وليس فينا من جبان! - إن من يدس إلى الناس نشرة ملأى بالافتراءات جبان. - ليس فينا من جبان، وإذا تمادى رجالكم في التحرش بنا فقد تعصف بحارتنا مأساة مؤسفة! - أتهددني؟! افعل ما بدا لك، وستنال التأديب الذي تستحقه. - ليس نشر الحقائق جريمة، ونحن لم نقصد بنشرها إلا الخير! - اخسأ أيها الوغد الكذاب! - لقد اكتشفها رجال من طريقتكم يعدون من الأئمة. - لم يكونوا إلا أوغادا مثلكم ومنذ قديم وأسرتنا هدف للقلوب السوداء الحاسدة. - لا تنظر إلى الخلاف من هذه الزاوية.
فقال بكبرياء وحنق: اعرف نفسك واعرف من تخاطب. - أتعيرني بأبي؟ - افهم ما تشاء. - كان رجلا شريفا. - كان رجلا حقيرا.
هتف الشاب بغضب: لم يرتكب جريمة. - لعله كان أحقر من ذلك. - ولم يلوث الدنس بيته.
جن جنون الشيخ. هم بضربه. كبح جماح غضبه متراجعا في اللحظة الأخيرة. قال: في بيته الحقير ترعرعت جريمة الكفر. - أشياء تسمى بغير أسمائها. - وفي بيته أيضا دنس خفي لم يجد من يعنى بنشره لحقارته.
نامعلوم صفحہ