| مغضيا وأعرض موليا ؛ فلم يتخذها وطنا ولا جعلها سكنا بل أنهض الهمة فيها إلى الله وصار فيها مستعينا به في القدوم عليه ؛ فما زالت مطية عزمه لا يقر قرارها دائما تسيارها إلى أن أناخت بحضرة القدس وبساط الأنس محل المفاتحة والمواجهة والمجالسة والمحادثة والمشاهدة والمطالعة فصارت الحضرة معشش قلوبهم ، إليها يأوون وفيها يسكنون ، قال نزلوا إلى سماء الحقوق أو أرض الحظوظ فبالإذن والتمكين والرسوخ في اليقين ؛ فلم ينزلوا إلى الحقوق بسوء الأدب والغفلة ولا إلى الحظوظ بالشهوة والمتعة ؛ بل دخلوا في ذلك بالله ولله من الله وإلى الله ؛ وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق ليكون نظري إلى حولك وقوتك إذا أدخلتني واستسلامي وانقيادي إليك إذا أخرجتني واجعل لي من لدنك إن كانت عين القلب تنظر إلى أن الله واحد في منته فالشريعة تقتضي أنه لابد من شكر خليقته ؛ وإن الناس في ذلك من رب العالمين أما اعتقادا نشركه جلى وأما اعتقادا نشركه جلى وأما استنادا لشركة خفي وصاحب حقيقة غاب عن الجنود بشهود الملك الحق وفنى عن الأسباب بشهود مسبب فهذا عبد مواجه بالحقيقية ظاهر عليه سناها سالك للطريقة قد استولى على مداها غير أنه غريق الأنوار ومطموس الآثار قد غلب سكره على صحوه وجمعه على فرقه وفناءه على بقائه وغيبته على حضوره وأكمل منه عبد شرب فازداد حضورا فلا جمعه يحبه عن فرقه ولا فرقه يحجبه عن جمعه ولا فناؤه عن بقائه يصده ولا بقاؤه يصده عن فنائه يعطى كل ذي قسط قسطه ويوفي كل ذي حق حقه وقد قال أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - لعائشة - رضي الله عنها - لما نزلت براءتها من الإفك على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يا عائشة اشكري رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ فقالت : والله لا أشكر إلا الله دلها أبو بكر على المقام الأكمل مقام البقاء المقتضى لإثبات الآثار وقد قال الله - تعالى - أن أشكر لي ولو ديك وقال صلوات الله وسلامه عليه لا يشكر الله من لا يشكر الناس وكانت هي في ذلك الوقت مصطلمة عن شاهدها غائبة عن الآثار فلم يشهد إلا الواحد القهار ( وقال رضي الله عنه لما سئل عن قوله صلوات الله وسلامه عليه وجعلت قرة عيني في الصلاة هل ذلك خاص به أم أمر لغيره منه مشرب ونصيب فأجاب أن ) قرة العين بالشهود على قدر المعرفة بالشهود فالرسول - صلى الله عليه وسلم - ليس معرفة كمعرفته وليس قرة عين كقرة عينه وإنما قلنا أن قرة عينه في صلاته بشهوده جلال مشهوده لأنه قد أشار إلى ذلك بقوله في الصلاة ولم يقل بالصلاة إذ هو صلوات الله وسلامه عليه لا تقر عينه لا تقر عينه بغير ربه وكيف هو يدل على هذا المقام ويأمر به من سواه بقوله أن أعبد الله كأنك تراه ومحال أن يراه ويشهد معه سواه فإن قال سبحانه قل بقضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا الآية فاعلم أن الآية قد أومأت إلى الجواب لمن تدبر سر الخطاب إذ قال فبذلك فليفرحوا ما قال قبذلك فافرح يا محمد قل لهم فليفرحوا بالإحسان والتفضل وليكن فرحك أنت المتفضل كما قال في الآية الأخرى قال الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون الناس في ورود المنن على ثلاثة أقسام فرح بالمنن لا من حيث مهديها ومنشئها ولكن بوجود متعة فيها فهذا من الغافلين يصدق عليه قوله تعالى قل بفضل الله وبرحمته فهذا فليفرحوا هو خير مما يجمعون وفرح بالله ما شغله من المنن ظاهر متعتها ولا باطن منتها بل شغله النظر إلى الله عما سواه والجمع عليه فلا يشهد إلا إياه يصدق عليه قوله تعالى قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون وقد أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام يا داود قل للصديقين بي فليفرحوا بي فليفرحوا بذكرى فليتنعموا والله تعالى يجعل فرحنا وإياكم به والرضى منه وأن يجعلنا من أهل الفهم عنه وأن يجعلنا من الغافلين وأن يسلك بنا مسلك المتقين بمنه وكرمه ( وقال رضي الله عنه في مناجاته ) إلهى أنا الفقير في غناي فكيف لا أكون فقيرا في فقري إلهي أنا الجاهل في علمي فكيف لا أكون جهولا في جهلي إلهي أن اختلاف تدبيرك وسرعة حلول مقاديرك منعا عبادك العارفين بك عن السكون إلى عطاء واليأس منك في بلاء إلهي مني اختلاف تدبيرك وسرعة حلول مقاديرك منعا عبادك العارفين بك عن السكون إلى عطاء واليأس منك في بلاء إلهي مني ما يليق بلؤمي ومنك ما يليق بكرمك إلهي وصفت نفسك باللطف والرأفة بي قبل وجود ضعفي أفتمعني منها بعدم وجود ضعفي إلهي أن ظهرت المحاسن مني فبفضلك ولك المنة علي وأن ظهرت المساوئ مني فبعدلك ولك الحجة على إلهي كيف
صفحہ 289