[وصيته عليه السلام في العمل بوصايا القرآن]
ولكفاكم يابني بوصايا الله في القرآن أدبا ووصايا، فإن الله تبارك وتعالى قد أمر عباده في كتابه من صواب الرشد والحكمة بما هو أفضل مما وهبهم الله من العطايا، ففيه فانظروا، ومنه فاقبلوا وبنوره فاستنيروا، وما أمرتم به في الكتاب أن تفعلوه فافعلوا، فليس خير يبتغى إلا والقرآن به آمر، ولا شر يتقى إلا وكتاب الله عنه ناه زاجر.
قال الله سبحانه وتعالى: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا} [النساء: 36].
فما هذا يابني في هذه الآية من جوامع الوصايا بالخير والمعروف والكرم، إذ بدأ في وصايا هذه الآية بأوجب الحقوق، وبين حق الخالق وعبادة الله وترك الإشراك به، إذ حقه الواجب الأعظم، ثم ثنى تبارك وتعالى بعد ذكر عبادته وإيجاب عظيم حقه بالوصية بحق من حقه بعده، من أوجب حقوق خلقه، بحق الوالدين الذين منهما خلق الولد، وهما اللذان ربياه صغيرا، وغذواه برزق الله، وكانا في الشفقة عليه والمحبة له والإحسان إليه على ما لا يبلغه بعد الله غيرهما أحد، ثم وصى في هذه الآية سبحانه بالرأفة والرحمة، والصلة بعد الوالدين والإحسان إليهما إلى ذوي الرحم الأقربين، والإحسان إلى ذوي القربى فهو العطف عليهم كما قلنا بالرأفة والرحمة والصلة لمحتاجهم ومضطرهم بالعطية والهبة، والصبر على ما لا تخلوا القربى منه بالحسد والنفاسة على القريب إذا بان عليهم بفضل أو رياسة، أو كان في بلغ الدنيا أكثر قليلا منهم سعة وجدة، فلا يخلون حينئذ من تنقصه وعيبه والوقيعة فيه، وحينئذ يجب الصبر منه على ذلك للقربى والصفح عنهم، وترك مكافأتهم، وذلك الإحسان الذي فرض الله لهم عليه.
صفحہ 95