لقد خاب الأمل بمن رجونا عدالة على يدهم. لقد استعجلنا الحكم عليهم، فهللنا وكبرنا ولم نتعلم من الدرس الذي ألقته علينا الأيام. لم نتمهل حتى نرى ما يكون من صدق الآية: أعداء الرجل أهل بيته.
عفوا لقد شط القلم ورحنا نشكو من الألم، مع أننا قلنا فيما مضى: إننا سئمنا تحديث من لهم آذان ولا يسمعون، ولهم أعين ولا يبصرون، ومن أصلك عوجا يا عوجا. كنا نقول فيما مضى: عوجا من سطمبول، أما اليوم فسطمبول صارت عندنا.
أرأيتني كيف أحاول الخروج من ذاك الموضوع، من كلام لا فائدة منه، فلنعالج إذن آفة من آفاتنا الاجتماعية، ونصب عليها سخطنا.
إن هذا الكذب الذي نسميه وعدا لهو شر آفاتنا الشرقية، فالشرقي أسرع ما يكون إلى (نعم) وأبعد ما يكون عن الوفاء بوعده.
إن كلمة (تكرم) على رأس لساننا، ولكنها كلمة مقولة لا خير يرجى منها. قال الله في كتابه العزيز:
متى هذا الوعد إن كنتم صادقين
ليحثنا على الصدق والوفاء بالوعد ولكن الإنسان كان كنودا. والمثل العربي كما ورد في مقامات الحريري: أنجز حر ما وعد، وسح خال إن رعد، يرينا ما للوعد من شأن عظيم في مسير الحياة. فالوعد هو تلك القطرة الدرية التي تتعهد زهور الأماني فتفتر ثغورها، وهو روح محيية تبعث ميت الأمل الثاوي في الصدور، فكم أحيت من نفوس خنقها اليأس أو كاد يدفنها في غيابات قبور القنوط! وكم لمت من أشتات أماني لعبت بها رياح الخيبة والفشل، فبددتها كما تتبدد أوراق الخريف في يوم عاصف! إن الوعد هو ذلك الوثاق المحكم الفتل الذي يربط السواعد بالموعود، والحجة التي يخطها لسان الكريم ويسجلها بمحكمة الشرف والشهامة، فيصبح الوفاء بها واجبا عليه.
وما الوعد غير كلمة بسيطة يلفظها الإنسان فتكون قبل النطق بها نافلة، ثم تصبح بعد ذلك فرضا، من فاته قضاؤه فاته من الشهامة والكرامة شيء كثير. وقد كانت العرب تعد الرجل ساقطا دنيئا إذا خلف بوعده. وإنه لكذلك، وذاك لأنه يكون مخيرا في تقييد نفسه بهذا القيد الذي لا تفكه غير يد الوفاء والصدق وقد قال شاعر العرب:
إذا قلت في شيء نعم فأتمه
لأن نعم دين على الحر واجب
نامعلوم صفحہ