فيا عزيزي الشاب الحائر، اسأل الله أن يهبك عملا تؤديه لا ملكا تقتنيه. المدارس تعلم القراءة والكتابة، والكليات تدلنا على ما سنفتش عنه مما نحتاج إلى معرفته، وأنت تتعلم لتحسن تأدية عملك على حقه، وهنا سر النجاح.
شهوة الحكم
مقالي - كما تراه أيها القارئ العزيز - مثل مخازن السمانة، لا أعرف أنظمه على طريقة ال
ABC
لأن جدي علمني، أول ما علمني، الأبجد. فكما يقف المحارب القديم مستعرضا الساحات التي خاض غبارها، كذلك أقف أنا اليوم. في مثل هذا اليوم - 9 شباط - ولدت أنا وازداد عدد النفوس في لبنان واحدا. وقفت أتذكر من عرفت فما بلغت آخر حسي حتى رأيتهم يدرجون أمام عيني فرعبوني. هذا شيخ يدب على العصا، وذاك فتى عجل عليه الموت فطواه الردى، وتلك عجوز صرت الشيخوخة ثنايا وجهها، وهاتيك فتاة ذبلت قبل إبانها. مئات بل ألوف لم يضق عنهم بطن الأرض فصح فيهم قول شوقي:
فيا لك هرة أكلت بنيها
وما ولدوا وتنتظر الجنينا
في هذه المحطة التي أقف فيها كل عام لأودع عاما وأستقبل آخر، وقفت اليوم لا لأقيم حفلة كوكتيل كما يفعل غيري بهذه المناسبة، بل وقفت فنظرت إلى أشباح الماضين، ثم استطردت إلى المقابلة بين الأمس واليوم.
أنظر إلى ناس اليوم فأراهم غير الذين عرفتهم في شبابي. فالموظفون، مثلا، كانوا غير بطرين ولا أشرين، ظلوا متواضعين لأنهم كانوا أغنياء فأفقرتهم الوظيفة، وليس لهم مورد غير معاشهم، ولأن ميزانية ذلك العهد كانت كبركة اليمونة لا تزيد ولا تنقص كما يقولون. وزيادة ربع قرش على مال الأعناق أو الأرزاق كانت تقيم البلاد وتقعدها. أما ميزانية هذه الأيام فكالعجين المخمر يطف على حفافي المعجن فتزداد ملايين بعد الملايين. والمعاشات والدرجات تقفز قفز القبابيط في اليوم القائظ.
وهذا الموظف الحديث النعمة الذي يظن أنه رب ثان على الأرض، يخر على أقدام من هم فوقه ليحظى بالتحية ممن هم دونه. فلولا حبه الظهور لاكتفى بما يقبض ولم يلوث يده، وهذا الجيش العرمرم من الموظفين ماذا يكفيه؟ فلولا وظيفته التي يستغني عن خدماتها لكنا نأكل ويأكل، وننتقل وينتقل بربع التكاليف التي نرزح تحتها الآن.
نامعلوم صفحہ