كعادته لا يزال يلفه الغموض، وها هو ذا يظهر مجددا؛ فقط ليرمي لي مزيدا من الألغاز، لكن هذه المرة يداهمني شعور ممض بأن شيئا ما ليس على ما يرام. ولكن لماذا أهتم؟
لا أخفي عليك يا سيدتي أنني طيلة سنوات عملي العشرين في عيادتي بالمستشفى لم أقابل شخصية مثله، لقد بدأ يشغل تفكيري ويأخذ حيزا حتى من حياتي الشخصية، كنت دوما أفكر في مقولاته، والأحاديث التي جرت بيننا.
ربما جذبني غموضه وحماسه وصدق مبادئه وبساطته. ربما كنت أتعاطف معه للمأساة التي مر بها؛ لشعوري غير المبرر بالذنب كوني أنتمي عرقيا لأولئك الذين دمروا حياته، وأجرموا في حق أسرته. ربما كل هذه الأسباب مجتمعة، لا أدري حقا.
لكنه ظل يحتل مساحة متعاظمة من خريطة حياتي.
استغرقني التفكير قليلا؛ حتى سمعت الأذان ينادي لصلاة الفجر، لملمت أوراقي، سأصلي في المسجد وأذهب للنوم. ربما فيما بعد سأتقصى الأمر.
في الصباح. قالت لي زوجتي، وهي تضع أواني الإفطار على الطاولة: «يقولون إنه ستكون هناك مسيرة ضخمة غدا.»
قلت لها وأنا أحمل المنشفة على كتفي وأتثاءب: «شباب أرعن. لقد مات الكثير منهم في الأيام السابقة، وما زالوا يصرون على الاستمرار.» - «قبل أن أنسى، لقد اتصل بك صديقك الدكتور «أحمد الماحي»، وطلب أن تعيد الاتصال به عندما تستيقظ، يقول إن الأمر مهم.»
قبلتها على جبينها، وغمغمت بما معناه أنني سأفعل واتجهت للحمام. وعلى مائدة الإفطار جلسنا نتجاذب أطراف الحديث، كان وجهها قد استعاد حيويته نوعا، وإن ظل الشحوب يسيطر عليها.
بدأت حالتها النفسية تتحسن نوعا ما بعد أن تقدمت بإجازتي، وأقمت في المنزل. وقلت نوعا ما نوبات الشرود التي تصيبها.
كانت تجلس لفترات طويلة أمام النافذة ترمق الخارج في شرود ذاهل. أحيانا تمر عليها ساعات دون أن تتحرك، وعندما تعود لوعيها فهي تبكي بحرقة طوال الوقت.
نامعلوم صفحہ