في البداية كانت العلاقة بينهما هادئة متحفظة، مجرد ابتسامات من على البعد من باب التحية وردها. ثم بدأ الأمر في ذلك اليوم عندما كان يتحدث في وسط حلقة النقاش عن خطة الحكومة؛ لرفع الدعم عن بعض السلع الأساسية وتحرير سعرها، فرآها تقف من بعيد مع إحدى صديقاتها، تحتضن دفترا مزخرفا بكلتا يديها، وتضمه لصدرها بذات التأثير الطفولي الذي يعشقه، وتنظر له في فضول. وعلى الفور قطع حديثه وراح ينشد إحدى أغاني فيروز، وهو ينظر لها مباشرة، ويقوم بعمل حركات استعراضية بيديه؛ لتتماشى مع نسق الكلمات:
أعطني الناي وغن فالغنا سر الخلود
وأنين الناي يبقى بعد أن يفنى الوجود
هل تخذت الغاب مثلي منزلا دون القصور
فتتبعت السواقي وتسلقت الصخور
هل تحممت بعطر وتنشفت بنور
وشربت الفجر خمرا في كئوس من أثير
أعطني الناي وغن فالغنا خير الصلاة
وأنين الناي يبقى بعد أن تفنى الحياة
ومع أن الجمع حوله لم يفهم معنى ما قاله أو علاقته بموضوع النقاش السياسي، إلا أنهم راحوا يصفقون في حماس. وهو ما كان يطلق عليه في الجلسات غرور الإنسان السطحي، فأغلب هؤلاء لم يفهموا معنى ما قال ولا علاقته بأي شيء، لكنهم اعتبروا أنه يتحدث بشيء فوق فهومهم وإدراكهم اللحظي، ولما لم يشأ أحدهم الظهور بمظهر الأحمق الذي لم يفهم عمق المعاني ، راح الجميع يصفق بحرارة.
نامعلوم صفحہ