orthodoxy )، ولم يهمل أي منهما واجبه في إحراق الهراطقة (أصحاب البدع الدينية سواء منهم المصلح أو المجدد أو المارق) وكثيرا ما استعانا بالأساقفة للعمل مستشارين للدولة أو وزراء، وفقا لتقاليد القرون الوسطى، وكانت الذروة التي أسدلت الستار على تلك التقاليد تعيين الكاردينال وولزي وزيرا (رئيسا للوزراء بلغة العصر الحديث) للملك هنري الثامن؛ إذ اجتمعت في وولزي كبرياء الكنيسة القروسطية.
4
وجبروتها على نحو لم يسبق له مثيل. كان وولزي أداة لسلطة البابا، ولكنه زاد من سيطرة هذه الأداة على الكنيسة الإنجليزية، فكان يعامل النبلاء والسادة من غير رجال الكنيسة كأنما هم تراب يطؤه بقدميه؛ ومن ثم ساعد سلوكه هذا في إشعال نار الثورة المضادة للكهنوت التي صاحبت سقوطه. كان يعمل في منزله ما يقرب من ألف شخص، وكان يسير في موكب رسمي يسبقه فيه حاملو القضبان الفضية والجلادون الذين يرفع كل منهم بلطة الإعدام. وكانت مصادر ثرائه متعددة لا تكاد تحصى، ومن بينها راتب باعتباره رئيس أساقفة يورك، وأسقف دارام
Durham ، ورئيس دير سانت أولبانز
Albans ، وإن كان يهمل القيام بواجبات أي من هذه المناصب. ويقول كاتب سيرة وولزي وهنري الثامن (البروفسور بولارد، ص320-321): إن الكاردينال كانت ثروته تعدل ثروة الملك تقريبا. وإنه استطاع بدهائه أن يدبر للابن الذي أنجبه سفاحا الحصول على دخل عدة كنائس وأبرشيات وأديرة لكنه لم يستطع أن يمكنه من دخل أبرشية دارام البالغة الثراء. وكما كان بالغ الزهو والخيلاء، شديد الجشع والطمع، يعيش في بذخ وأبهة لاحد لهما، كان سخيا شديد السخاء في الإنفاق على إنشاء المعاهد والكليات الجامعية والعليا والتي كانت روعتها لا تجارى ولا تبارى في زمانها. لقد كان حقا من أمراء الأسرة الأوروبية الحاكمة التي تخطت الحدود الجغرافية الضيقة، وطالما انحنى أمامها الرجال وركعوا، وإن كان ذلك قد قضي عليه إلى الأبد في إنجلترا. ومع ذلك فقد كرس نفسه لخدمة الملك وتفانى فيها أكثر مما كرس نفسه لخدمة المصالح الدينية للكنيسة. وكان وولزي في ذلك كله من أعظم الشخصيات وأصدقها تمثيلا لروح القرون الوسطى في تاريخنا، وقد وصلت طاقتها إلى ذروة جبروتها بعد انتهاء موقعة بوزورت فيلد (أي انتهاء الحرب بين الأسرتين المالكتين في إنجلترا) بأكثر من أربعين سنة.» (
G. M. Trevelyan,
English Social History , p. 94 )
وينبغي ألا يدهش القارئ العربي من ذكر الأبناء غير الشرعيين لرجال الدين أو للملك؛ فإن وولزي قد أنجب ابنا وبنتا سفاحا، ولم يكن أبناء السفاح يكتبون اسم الأب بل اسم العم، وكان يطلق على الواحد منهم اسم «ابن الأخ
nephew ». والطريف أن كلمة المحاباة في اللغة الإنجليزية
nepotism
نامعلوم صفحہ