ہیگل: مختصر تعارف
هيجل: مقدمة قصيرة جدا
اصناف
من حيث «منهج» التناول، ساعدني كثيرا أنني بالمصادفة البحتة تصفحت مجددا كتاب هيجل «علم المنطق» ... لو أن لدي الوقت للقيام بمثل هذا العمل، لوددت بدرجة كبيرة أن أجعل في متناول الذكاء البشري العادي، في صفحتين أو ثلاث صفحات مطبوعة، ما هو «عقلاني» في المنهج الذي اكتشفه هيجل لكن في الوقت نفسه المغلف بغطاء روحي ...
إن المنهج الذي يشير إليه ماركس هو بالطبع المنهج الجدلي، الذي يصفه هيجل بأنه «المنهج الحقيقي الوحيد» للعرض الفكري والعلمي. إنه الطريقة التي يستخدمها هيجل في «علم المنطق» للكشف عن شكل الفكر الخالص.
لم يجد ماركس الوقت أبدا ليكتب تفسيره لما هو عقلاني في المنهج الجدلي. ومع ذلك، استطاع الكثير غيره الكتابة في هذا الموضوع، إلا أنهم بالتأكيد لم يكونوا بالإيجاز الذي نواه ماركس. يطور بعض هؤلاء المعلقين المنهج الجدلي كي يكون بديلا لكل أشكال المنطق السابقة؛ كي يكون شيئا يحل محل التفكير العقلاني العادي الذي يشبه الشكل المنطقي القياسي البسيط الوارد في الصفحة الأولى من هذا الفصل. لا يوجد لدى هيجل ما يبرر مثل هذه المزاعم المبالغ فيها فيما يتعلق بالمنهج الجدلي. ولا توجد أي حاجة للتعامل مع هذا المنهج بوصفه شيئا عميقا وغامضا. فكما يقول هيجل، هو طريقة ذات «إيقاع بسيط» ولا تحتاج لمهارة كبيرة للرقص على أنغامها.
في عرضنا لكتاب «فينومينولوجيا العقل»، كنا في حقيقة الأمر نمارس المنهج الجدلي لهيجل؛ فذلك العمل هو - كما يخبرنا هيجل - «مثال على تطبيق هذا المنهج على شيء أكثر مادية؛ ألا وهو الوعي.» لا يمكن لأي شخص آخر أن يفكر في الوعي بالصورة التي يصفها في كتاب «فينومينولوجيا العقل» كشيء مادي نسبيا. لكن هناك أمثلة مادية أكثر للمنهج الجدلي في أعمال هيجل اللاحقة؛ لذا ولسهولة العرض، لنبدأ بمثال من كتابه «فلسفة التاريخ».
في كتاب «فلسفة التاريخ»، تهيمن حركة جدلية هائلة على تاريخ العالم، بدءا من العالم اليوناني وحتى الآن. كانت اليونان مجتمعا يقوم على الأخلاق العرفية، مجتمعا متناغما يتوحد فيه المواطن مع المجتمع ولا يفكر في معارضته. يشكل المجتمع العرفي هذا نقطة انطلاق الحركة الجدلية، التي تسمى اصطلاحا «الأطروحة».
المرحلة التالية هي أن تثبت هذه الأطروحة أنها غير ملائمة أو متناقضة. في حالة المجتمع في اليونان القديمة، تتكشف عدم ملاءمة الأطروحة عبر تشكيك سقراط. لم يكن اليونانيون ليستمروا دون فكر مستقل، لكن المفكر المستقل هو الخصم اللدود للأخلاق العرفية. هكذا ينهار مثل هذا المجتمع القائم على العرف أمام مبدأ الفكر المستقل. حان الآن دور هذا المبدأ ليتطور، وهو ما حدث في ظل المسيحية. تؤدي حركة الإصلاح الديني إلى قبول الحق الأسمى للضمير الفردي. لقد فقد تناغم المجتمع اليوناني، لكن الحرية انتصرت. هذه هي المرحلة الثانية للحركة الجدلية. إنها نقيض أو مضاد المرحلة الأولى؛ لذلك تعرف باسم «الأطروحة المضادة».
شكل : كارل ماركس (1818-1883) وهو طالب.
ثم تثبت المرحلة الثانية أيضا أنها غير ملائمة. فالحرية، وحدها، يتضح أنها مجردة بدرجة أكبر من المطلوب ولا يمكنها أن تكون أساسا يقوم عليه المجتمع. وعند التطبيق، يتحول مبدأ الحرية المطلقة إلى الإرهاب الثوري في الثورة الفرنسية. وهكذا يمكننا رؤية أن كلا من التناغم العرفي والحرية المجردة للفرد نموذج أحادي الجانب. فيجب الجمع بينهما وتوحيدهما بطريقة تحافظ على كل منهما، وتتجنب الأشكال المختلفة لأحاديتهما. يقودنا هذا إلى المرحلة الثالثة الأكثر ملاءمة؛ وهي مرحلة «الأطروحة المركبة». في كتاب «فلسفة التاريخ»، نجد أن تلك الأطروحة في الحركة الجدلية ككل هي المجتمع الألماني في عصر هيجل، الذي اعتبره متناغما لأنه مجتمع عضوي، ومع ذلك يحافظ على الحرية الفردية لأنه منظم على أسس عقلانية.
تنتهي كل حركة جدلية بأطروحة مركبة، لكن لا تنهي كل أطروحة مركبة العملية الجدلية بالطريقة التي ظن هيجل أن المجتمع العضوي في عصره أنهى بها الحركة الجدلية للتاريخ. فكثيرا ما يتضح أن الأطروحة المركبة - على الرغم من أنها توفق بين الأطروحة والأطروحة المضادة على نحو ملائم - أحادية من جانب آخر؛ ومن ثم تصبح أطروحة لحركة جدلية جديدة، وهكذا تستمر العملية. وقد رأينا ذلك يحدث أكثر من مرة في كتاب «فينومينولوجيا العقل». على سبيل المثال، انتهى الجزء الخاص بالوعي بظهور الوعي الذاتي. وباعتبار هذا أطروحة، رأينا أن الوعي الذاتي كان في حاجة إلى شيء ما يستطيع أن يميز نفسه من خلاله. يمكن اعتبار الشيء الخارجي هو الأطروحة المضادة. لم يكن هذا مرضيا؛ لأن الشيء الخارجي هو شيء غريب عن الوعي الذاتي أو عدائي تجاهه. وكانت الأطروحة المركبة هي الرغبة، التي يحتفظ فيها الوعي الذاتي بالشيء الخارجي، لكن يجعله خاصا به. ثم ثبت أن حالة الرغبة بدورها غير مرضية، وهكذا انتقلنا إلى شيء خارجي كان هو ذاته وعيا ذاتيا. يمكن اعتبار الوعي الذاتي الثاني هو الأطروحة المضادة للوعي الذاتي الأول، وكانت الأطروحة المركبة هي موقفا يهيمن فيه السيد على العبد، وبذلك يحصل على الاعتراف به. لم تصمد تلك الأطروحة الجديدة أكثر من سوابقها؛ حيث انتهى الحال بأن أصبح العبد أكثر استقلالية وأكثر وعيا بذاته من السيد. وقد وجدت الأطروحة المضادة هذه أطروحتها في مذهب الرواقية، الفلسفة التي تجمع بين السيد والعبد ... وهكذا.
تم تطبيق هذا المنهج نفسه في كتاب «علم المنطق» على الفئات المجردة التي نفكر من خلالها. يبدأ هيجل بأكثر المفاهيم غير المحددة والخالية من المضمون على الإطلاق: الوجود، أو الوجود الخالص. إن الوجود الخالص - يقول هيجل - هو شيء غير محدد وفارغ تماما. لا يتضمن هذا الوجود أي شيء كي يدركه الفكر. هو فارغ تماما. في حقيقة الأمر، هو لا شيء أو عدم.
نامعلوم صفحہ