حیات شرق
حياة الشرق: دوله وشعوبه وماضيه وحاضره
اصناف
وتقدم لفيف من الأحرار والعقلاء بالنصح والرجاء للشاه للعدول عن التفريط في حقوق البلاد، وعلى رأسهم الوزير الوطني العظيم أمين الدولة، فلم يسمع الشاه لهم نصحا ولم يرع لهم جانبا بل أخذ يعتقل الزعماء ويضطهدهم ويسجنهم، ومنهم ميرزا محمد رضا كرماني وكان من شيعة السيد جمال الدين الأفغاني. وبدأت المدن بالقيام فهاجت تبريز ثم أصفهان وشيراز ويزد، وأرسل حجة الإسلام المرحوم المبرور الحاج ميرزا حسن شيرازي المجتهد الأعظم إلى الشاه كتابا فيه ما فيه من التحذير، وأن إعطاء الامتيازات وبيع حقوق الأمة للأجانب من الأمور التي يحرمها الدين وتأباها الشرائع والقوانين، واشتد سخطهم وازداد هياجهم.
ولما يئس المصلحون والأحرار من إصلاح الشاه أفتى حجة الإسلام الحاج ميرزا حسن شيرازي فتواه الشهيرة بتحريم التمباك وقد أصدرها من مقره وهي «سر من رأى»، فأجاب الإيرانيون جميعهم دعوة المجتهد الأعظم وفي طرفة عين أطاعوا أمره ولبوا نداءه ولم يترددوا لحظة على شدة تعلقهم بالتمباك وشغفهم الشديد بتدخينه في النارجيلة على عادتهم المعروفة والتي سرت من بلادهم إلى جميع العالم. والنارجيلة بتمباكها في إيران كالبيبة في بلاد الإنجليز والسيجارة في مصر والشبق عند الأتراك، فتخيل أن أسقف كانتربري يصدر أمرا إلى جميع الإنجليز بالتخلي عن تدخين البيبة فيتركونها جميعا في طرفة عين، وهكذا حصل في إيران فإن مخازن التمباك أقفلت أبوابها وأبى البائعون بيعه وامتنع الطالبون والمستهلكون عن شرائه، وعمد كل مدخن إلى نارجيلته فهشمها وإلى ما عنده من التمباك فنبذه قصيا (راجع مقال ميرزا رفيع مشكي في 20 أكتوبر سنة 1923 الأهرام)، وفي جميع البيوت والأكواخ وحتى في قصر الشاه نفسه لم تكن لترى مدخنا واحدا أميرا كان أو حقيرا، حتى إن الشاه نفسه طلب صباح اليوم التالي للفتوى التي صدرت بالتحريم وهو في مجلس من وزرائه نارجيلته فتقدم إليه رئيس الخدم مندهشا معتذرا وقال للشاه: لقد صدرت يا مولاي فتوى حجة الإسلام بالتحريم فلم نبق في القصور الملكية نارجيلة ولا تمباكا!
الشاه (بغضب) :
وهل استأذنت مولاك قبل الإقدام على ذلك؟
رئيس الخدم (بشجاعة وسكون) :
لقد أمر الشرع، فلا حاجة بنا لاستئذان السلطان!
وفي أواخر ديسمبر سنة 1891 أنذرت الأمة حكومة الشاه بضرورة إلغاء امتياز التمباك وإلا فيقع بالأجانب أعظم ضرر، ولجأت الحكومة لسائر وسائل الحيلة والقوة والتهديد وإيذاء الزعماء فلم تفلح، وتهدد الشاه بنفسه مقام المجتهد الأعظم فلم يزدد المجتهد إلا تمسكا بفتواه. وفي أوائل يناير سنة 1892 أذعن الشاه وحكومته لرغبة الأمة وتم الاتفاق بين الشاه وشركة الاحتكار على بطلان الامتياز الممنوح للمستر تالبوت فكانت صدمة مؤلمة للنفوذ الإنجليزي في إيران.
لقد كان في حادثة احتكار التمباك الإيراني درس نافع عظيم لأوروبا ذات المطامع الأشعبية التي أطلقت لنفسها العنان في الشرق تسلب خيراته وتنتهب أطايبه وتدس بين أهله أسباب الشقاق والفراق والنفاق، لتتمكن من نصب شباكها ولتظفر بالصيد وتبطش بالفريسة والشرق عنها غافل لاه بصغائر الأمور.
نعم، لقد كلف بطلان امتياز التمباك أهل إيران الشيء الكثير من النفوس والأموال ودفعت البلاد لشركة الاحتكار (تالبوت وشركاؤه) نصف مليون جنيه تعويضا، ولكنهم مع ذلك كسبوا الحياة التي دبت في نفوسهم وهيأتهم للنهضة العظيمة التي قاموا بها في سبيل حريتهم.
احتكار التمباك وزعماء إيران
نامعلوم صفحہ