حیات شرق
حياة الشرق: دوله وشعوبه وماضيه وحاضره
اصناف
ثم افترقت الإباضية فيما بينهم أربع فرق: الحفصية والحارثية واليزيدية وأصحاب «طاعة لا يراد الله بها».
وقد أسس الإباضية بضع دول، منها دولة في تاهرت استمرت 130 سنة، وأخرى في عمان وهي موضوع بحثنا هذا، وشبه دولة في طرابلس التي من بقايا أئمتها سليمان باشا الباروني الذي سبق ذكره. فدولة تاهرت قضى عليها الفاطميون، ودولة عمان قاومت البرتغال وطاردتهم وقضى عليها التخاذل ثم الاستعمار الإنجليزى، ودولة طرابلس قضى عليها الاحتلال العثماني.
الشيطان البرتغالي «أبو كركه»
أما خبر البرتغال وكيف حاربتهم دولة عمان فيرجع تاريخه إلى ظهور ألفونسو أبو كركه (ولعله من أصل أندلسي) الذي ولد في 1453 وهلك في سنة 1515، وكانت البرتغال لعهده تشبه إنجلترا الآن من حيث القوة البحرية وحب الاستعمار والهجوم على الشرق.
وكانت غزوته الأولى إلى الهند بثلاث بوارج حربية، وما زال يغزو ويفتح حتى حصل لقب «حاكم الهند» واستولى على «جوا» واجتاح ساحل المالابار، واحتل مدينة ملكا وهي مفتاح الهند الصينية، وهو الذي وقف في وجه ترك آل عثمان وعاقهم عن دخول الهند، وضرب عدن مرتين بالمدافع فدمرها، واستولى على جزيرة هرمز وهي جزيرة صغيرة عند مدخل خليج فارس وعند مضيق رءوس الجبال الذي تتصافح عنده بلاد إيران وجزيرة العرب، وحصن جزيرة سقطرى لأن أهلها كانوا نصارى من النسطوريين، وحالف نجاشي الحبش وحاول الاتفاق معه على تحويل مجرى النيل من السودان إلى البحر الأحمر ليتمكن بذلك من هلاك القطر المصرى، فكان هذا الشيطان في أثناء حياته التعسة آفة عظمى على الإسلام والمسلمين في جميع أنحاء الشرق وأفريقيا. ومن جملة مغازي هذا القرصان سواحل عمان، فملك البرتغال مسقط وصحار والمطرح وقريات ولم يكن بأيدي الأهالي سوى فرضة «لاوة»، وقد سار إليها الأمير ناصر بن مرشد فاستعان أهلها العرب المسلمون بالبرتغال فأمدوهم بالمال والسلاح، ولكن ناصرا فتح البلد ثم هاجم البرتغاليين أنفسهم في مسقط وصحار والمطرح وقريات وانتزعها منهم وذلك لأن عهد أبو كركة كان قد مضى فإنه مات في سنة 1515 وناصر تولى الملك بعد ذلك بقرن تقريبا، ولم يكن بتلك المدن إلا بقايا البرتغال الذين تركهم أبو كركة وأمدتهم البرتغال برجال وجنود ليستعمروا المدن التي فتحها قرصانهم الأعظم، فطردهم ناصر من رأس الخيمة ثم هزم البرتغاليين في المدن الأخرى وفرض عليهم الجزية.
ويسجل بالفخر لناصر أنه منذ ورث العرش وضع نصب عينيه تطهير بلاده من العار الأجنبي وفهم في ذلك الوقت السحيق (أوائل القرن السابع عشر) ما لم يفهمه كثيرون من ملوك الشرق وأمراء الإسلام في القرنين التاسع عشر والعشرين، أو ما فهموه و«طرمخوا » عليه، لقد أدرك ناصر بن مرشد - طيب الله ثراه - أن الأوروبي المستعمر إذا أنشب أظفاره في بلد لم ينته منه إلا باستخلاص جميع البلاد واستعباد كل من فيها من الرعية، وأن الواجب على العاقل أن يتقي هذا الداء قبل أن يستفحل وأن يبادر إلى اقتلاعه بكل الوسائل قبل أن ينشب فيتأصل ويعز الدواء. فناصر بن مرشد 1034-1059 يعد بحق محرر عمان وباني مملكتها، وخلفه سلطان بن سيف فنسج على منواله في مطاردة الأجانب، ولم يكتف سلطان بالفتك بالبرتغال في بلاده بل قصدهم إلى بلاد الهند فأرسل أسطوله الحربي يغزوهم في ساحل كوجرات وديو ودامان فأخذوا بعض المدن وعادوا بذخائر عظيمة.
وكان سلطان بن سيف ولعله أخو ناصر أو ابن عمه أميرا ديمقراطيا على طريقة عمر بن عبد العزيز، فكان يخرج كسائر الناس ويغشى المجامع والمجالس ويختلط بالعامة بدون حارس ولا ياور ولا مصاحب ولا قرين، بل حراسته من ثقته بمحبة قومه، وصحابته من معرفتهم فضله وإجلالهم قدره.
وخلفه ابنه بلعرب في 1079ه وبدأ الشقاق بين الأخين فنازعه أخوه سيف بن سلطان، وانضم الفقهاء أو العلماء إلى سيف وعضدوه بفتواهم ودسائسهم كعادتهم في كل بلاد المسلمين فكان ذلك بداية الشقاق. وانتصر سيف في هذه المرة، ليس بفضل العلماء ولكنهم لم يكونوا لينضموا إليه ما لم يشعروا بقوته وتفوقه فهم دائما في جانب القوي، ولو أنهم رأوا مغنما في جانب بلعرب ما تأخروا عن تعضيده والفتيا له ...
وقد أظهر سيف همة في مكافحة البرتغاليين حتى طردهم من مومباسه على شاطئ أفريقيا الشرقية، وهو الثغر الذي تداولته البرتغال وعمان وزنجبار وانتهى الأمر بوقوعه في يد الإنجليز في سنة 1890، وكان الإنجليز ورثة دولة عمان فورثوا فيما ورثوا ذلك الثغر الذي جعلوه عاصمة لمستعمرة أفريقيا الشرقية. وطرد سيف البرتغاليين عن جزيرة بمبا وضمها إلى مملكة عمان، واستولى عليها الإنجليز كما استولوا على زنجبار، بل إن أسطول سيف بن سلطان اجتاح جزيرة سلزيت بقرب بمباي وكذلك مدينة بارسالور ومانغالور، ولم يقدر راجا كارزناتيك أن يذب عنهما. وخلفه في 1711 ولده سلطان الثاني فثابر على سياسة الفتح واسترداد ملك عمان وانتزع البحرين من يد الفرس ... ومات وخلف ولدين أحدهما بالغ وهو مهنا والآخر قاصر وهو سيف فانقسم الناس بشأنهما وأراد كل فريق أن يولي أحدهما، وتغلب مهنا بفطنته ودهائه على أخيه الصغير ولكنه قتل وبدأت الفتنة بين الأمراء والشعب 1133، وجاء يعروب أحد الأمراء وتولى باسم سيف القاصر ثم اغتصب الملك وجعل نفسه إماما أصيلا، ووجد عالما أعطاه فتوى لمصلحته وهو عدي بن سليمان القاضي الشرعي الذي أعطاه حكما شرعيا بأنه أحرز الإمامة بحق وأنه ليس بعاص ولا غاصب (؟!) فقام ضده أمير آخر وهزم يعروب وقتل القاضي الشرعي وطاف بجثته الأسواق، ثم قام أحمد بن سعيد من أسرة البوسعيد فتولى بعض المدن وأحسن إدارتها وانتهى الأمر بأن نصبوه إماما في سنة 1154ه. وكان لعمان أسطول قوي استعانت به الدولة العثمانية في سنة 1756 على استرداد البصرة من العجم، فنقلت بوارجه وقواربه نحو عشرين ألف مقاتل من عمان إلى شط العرب، كما كان يفعل الإنجليز في الحرب العظمى من نقل الجنود على نقالات تجرها البوارج.
فانظر كيف انقلبت الحال وزالت الدول وأصبح العزيز ذليلا والمستقل محكوما والغالب مقهورا! وكان من جملة أسطول أحمد بن سعيد طراد اسمه «الرحماني» ذكرناه بين أسماء القطع البحرية وهو الذي كسر سلسلة كبيرة من الحديد وضعها الإيرانيون في شط العرب لمنع أسطول عمان من دخول البصرة كما صنع المصريون عند بولاق لما دخلت مراكب الفرنسيين لدى حملة نابليون. وبعد أحمد تولى ابنه سعيد بطريق ولاية العهد لا بطريقة الانتخاب، لأن الإمامة في عمان من صدر الإسلام تقع دائما بالانتخاب على حسب مذهب الخوارج، والحقيقة أن الانتخاب هو مذهب السنة ومذهب الجماعة ولكن تحول الأمر بعد أن صار ملكا عضوضا إلى مبايعة الوارث الذي يكون عينه المورث من قبل، وقد تحول ذلك في عمان أيضا فبعد أحمد بن سعيد تولى ابنه سعيد في سنة 1194.
نامعلوم صفحہ