حیات شرق
حياة الشرق: دوله وشعوبه وماضيه وحاضره
اصناف
وقد تمكنت دول البلقان من التغلب على تركيا وطردنها من أوروبا ولم يبقين لها إلا الأستانة، ولكن أجزاء أخرى من العالم الإسلامي أدركت هول المصاب فشعر له المسلمون في الهند، وما كان أبشع منظر العالم الإسلامي في تلك الفترة المشئومة 1912 حيث كانت تركيا تنتهب وتدمر في أوروبا، وطرابلس تغلب على أمرها في شمال أفريقيا، ومصر تخضع خضوعا قاسيا لحكم لورد كتشنر فاتح الترنسفال والخرطوم؛ فجزع بعض ساسة أوروبا من عواقب ذلك الأمر وخافوا على أوروبا من يقظة الإسلام ومن شدة الغيظ والقهر، فكتب هانوتو يلوم إيطاليا: «إن إيطاليا لا تحارب تركيا وحدها بل تحارب العالم الإسلامي كله، فإيطاليا جنت على نفسها وعلينا جناية لا يعلم غير الله عاقبتها ومنتهاها.»
هانوتو والإسلام
وكأن هانوتو هذا نسي أن فرنسا وطنه لم تفعل أقل مما فعلت إيطاليا، فاستولت على الجزائر وتونس وكانت تحاول الاستيلاء على مراكش، وما حادثة «أغادير» في سنة 1912 ببعيدة، وهي التي أوشكت أن تشعل نار الحرب في صيف 1911 بسبب احتكاك ألمانيا وفرنسا على شواطئ المغرب الأقصى.
على أن هانوتو لم يكن ليكشر أنيابه لإيطاليا حبا في سواد عيون طرابلس ولا نصيحة لإيطاليا ولكن خوفا على مستعمرات فرنسا العزيزة!
وهانوتو هذا هو الذي كان منذ خمسة وثلاثين عاما من أكبر أعداء الإسلام في السياسة والاستعمار.
وقد كتب مقالا مشهورا في جريدة جورنال سنة 1902 جاء فيه:
في تلك البقعة الأفريقية التي أصبحت مقر الإسلام جاءت الدولة الفرنسوية لمباغتته، وجاء القديس لويس الذي ينتمي إلى إسبانيا بوالدته (رمز إلى الأخذ بالثأر من العرب والإسلام) ليضرم نيران القتال في مصر وتونس، وتلاه لويس الرابع عشر في تهديده بالإيالات الأفريقية الإسلامية، وعاود هذا الخاطر نابليون الأول فلم يوفق إلى تحقيقه الفرنسويون إلا في القرن التاسع عشر حيث أخنوا على دولة الإسلام التي كانت لا تني في متابعة الغارات على القارة الأوروبية، فأصبحت الجزائر في أيديهم منذ 70 عاما، وكذلك القطر التونسي منذ عشرين عاما.
وقد وصلت طلائع قوانا الآن إلى أصقاع من الصحراء تنتهي إليها كثبانها الرملية، فعظم اندهاش الباقين من خصومنا (يقصد الأمم الإسلامية) وتزايد ذهولهم، لأنهم بعد اندفاعهم شيئا فشيئا في الفيافي وبطون الخبوت وظنهم أنهم صاروا في أمنع موئل؛ شعروا بأنفسهم وقد حلق عليهم الأوروبيون من جميع الجهات.
إذن فقد صارت فرنسا بكل مكان في صلة مع الإسلام بل صارت في صدر الإسلام وكبده، حيث فتحت أراضيه وأخضعت لسطوتها شعوبه، وقامت تجاهه مقام رؤسائه الأولين، وهي تدير اليوم شئونه وتجبي ضرائبه وتحشد شبانه لخدمة الجندية وتتخذ منهم عساكر يذبون عنها في مواقف الطعان ومواطن القتال.
وبعد أن وصف شعائر الحج واتجاه المسلمين شطر مكان واحد وهو الكعبة، قال:
نامعلوم صفحہ