174

حیات شرق

حياة الشرق: دوله وشعوبه وماضيه وحاضره

اصناف

وهكذا انتهى الحلم العربي الذي بدأ بجمعية باريس في سنة 1895 وانتهى باستيلاء الأوروبيين على ميراث العباسيين والأمويين وخراب تركيا ... وهم الآن يريدون الاستيلاء على موطن الإسلام ومدنه المقدسة، فكانت الخطوة الأولى وربما الأخيرة أيضا فكرة الحلف العربي الذي يلوحون به للعرب كلما أرادوا أمرا جديدا.

ولكنهم في هذه المرة لا يدعون أنهم سيؤسسون دولة عربية عظمى، لأن مواد البناء قد استولوا عليها ولا توجد ممالك «للإيجار» يخدعون بها البقية الباقية من العرب الأحرار، فهم يقولون لهم حذار من دولة أجنبية مهاجمة تعد العدد للاستيلاء عليكم من الجنوب فاتحدوا وتحالفوا لتشدوا أزرنا في الملحمة وتمكنونا من الدفاع عنكم عند اللزوم، أما حماية الخطوط الحديدية وأنابيب الزيت فهي شيء ثانوي.

ولعمر الحق، إن هذه حيلة لا تنطلي، والعاقل العربي هو الذي أصبح لا يصدق هذه الوعود ولا يهمه إن كان الفاتح هو إنجلترا أو إيطاليا، إذا وجب عليه محاربة الجميع وعدم الاطمئنان لأحد منهم.

فنحن نحب الأمير شكيبا ونحترمه ونثق بإخلاصه وصدقه وتفانيه في خدمة العرب والإسلام، ولكن أليس لنا من هذا الماضي كله وازع وواعظ؟ ولماذا تكون لرجال مثله يد في تشجيع هذا الحلف أو غيره وقد ندب نفسه لخدمة الشرق والإسلام عامة؟ هل ضمن صدق الإنجليز حتى يخاطر بالمجاهرة بتعضيد مشروع هو من بنات أفكارهم وهم من ورائه جادون ساعون؟ وإذا انقلب هذا الحلف وظهر بحقيقته وهي دسيسة جديدة للاستيلاء على جزيرة العرب والقضاء على ابن سعود أولا وعلى الإمام يحيى ثانيا، فماذا يكون العمل؟ ... إن التحذير في كل حال أفضل وآمن عاقبة.

إنني أفضل أن أموت في محاربة خصمي مهما كان قويا على أن أضع يدي في يده ليرغمني بعد ذلك على أن أقضي على نفسي بيدي. وعلى هذا فنحن لا نحبذ الحلف العربي، ولا نفهم هذه الأشياء قبل استقلال كل دولة استقلالا تاما في الداخل والخارج.

الفصل الثامن والعشرون

إندونيسيا وجزر الشرق الهندية والاستعمار الهولندي

إندونيسيا وهولندا

قد ذكرت بإيجاز ظهور الشعب الإندونيسي. ويحسن قبل الإفاضة في الكلام على شئون هذا الشعب أن أبين نظام الاستعمار الهولندي، فإن الهولنديين هم الذين ابتدعوا فكرة الاستيلاء على بلاد الشرق بطريقة تأسيس الشركات التجارية، وهي الطريقة التي سلكتها إنجلترا في الهند وأدت بها إلى الاستيلاء على تلك البلاد. فقد أسس الهولنديون في فجر القرن السابع عشر المسيحي الشركة الشرقية فنجحت نجاحا عظيما، وأسسوا شركة الهند الغربية في 1621 فامتلكوا غينيا الهولندية وسورينام ودوكاب وسيلان في 1653 وجزائر ملقا، وفي 1680 استولوا على جاوه وأسسوا بطاوي ووضعوا أيديهم على نيجاباتام في الهند وكوشين وسان توماس، وكل ذلك في بحر القرن السابع عشر من 1602 إلى 1675 على التقريب، وكان هذا أقصى ما وصلت إليه دولتهم في الاستعمار الشرقي، وكانت تلك الجزر والمدن والبرازخ والمضايق من أغنى بلاد الدنيا بخيراتها الطبيعية.

والشعب الهولندي الذي تراه وادعا في بلاده، متجملا بأرق الخصال في العشرة والحياة البيتية كما رأيناه بالخبرة الشخصية في لاهاي وأمستردام وروتردام وليدن (وهي مقر لفيف من العلماء الأعلام في المشرقيات واللغة العربية ومقر للطباعة العربية قل أن يدانيه مقر آخر سوى ليبزج ولكن ليدن تفوقها). هو في الحقيقة شعب على قلة عدده من أقسى شعوب أوروبا في الاستعمار، وهو من الطمع والجشع والحسد للشعوب الغنية بمكان عظيم، وفي طباع أهله جفاء نادر المثال.

نامعلوم صفحہ