قالت أمي: «لا تقرئي عندك، لا تقرئي في هذا الضوء الضعيف، انزلي إلى هنا.»
نزلت، لكنها لم تكن تريدني أن أقرأ أساسا، كانت تريد الصحبة. «أترين زهور الليلك بدأت تتحول، سنذهب إلى المزرعة قريبا.»
كانت زهور الليلك الأرجوانية - التي تمتد على طول فناء المنزل وبجوار الرصيف - بدأت تتحول إلى اللون الشاحب وهي ناعمة ورقيقة كخرقة تنظيف ذات بقع بلون الصدأ. وخلفها كان الطريق مغبرا تنمو على جانبيه أشجار التوت البري أمام المصنع المغطى بألواح الخشب ولا تزال عليه الحروف الكبيرة البارزة التي خبا بريقها: «موندي لآلات البيانو».
قالت أمي: «أشعر بالأسى حيال فيرن، أشعر بالأسى حيال حياتها .»
أثارت نبرتها الهادئة الحزينة حفيظتي. «لعلها ستجد رفيقا جديدا الليلة.» «ماذا تعنين؟ إنها لا تسعى وراء رفيق جديد، لقد اكتفت من كل هذا، ستغني أغنية «أينما مشيت»، لا يزال صوتها جميلا جدا.» «إن وزنها يزداد.»
أجابت أمي بصوتها المفعم بالأمل ونبرتها التوجيهية: «أعتقد أن هناك تغييرا قادما في حياة الصبايا والسيدات، نعم لكن حدوث هذا التغيير من عدمه يتوقف علينا نحن. كل ما تملكه النساء حتى الآن هو علاقتهن بالرجال، هذا هو كل ما لدينا. ليس لدينا حياة خاصة في الواقع، ليس أكثر من الحيوانات الأليفة. «عندما تفقد عاطفته قوتها الأولية، سوف يضمك أقرب قليلا من كلبه وبحميمية أكثر قليلا من حصانه.» تينيسون كتب هذا، وهذا صحيح، كان صحيحا؛ ولكنك سوف ترغبين في إنجاب الأطفال.»
هذا هو مقدار معرفتها بي. «لكني آمل أن تستخدمي عقلك. استخدمي عقلك، لا تتشتتي، فبمجرد أن ترتكبي ذلك الخطأ - أن تتشتتي بسبب رجل - لن تعود حياتك ملكك، ستكونين أنت من يتحمل العناء، المرأة دائما هي من تتحمل العناء.»
ذكرتها قائلة: «هناك ما يسمى تحديد النسل هذه الأيام.» فنظرت إلي مذعورة، على الرغم من أنها هي التي سببت الحرج لعائلتنا عندما كتبت مقالا ذات يوم في جريدة «هيرالد أدفانس» التي تصدر في جوبيلي قالت فيه: «إن تلك الوسائل الوقائية لا بد أن توزع على كل النساء كإعانات عامة في مقاطعة واواناش كي تساعدهن على أن يوقفن أي زيادة في عدد أفراد أسرهن.» وقتها كان الصبية يصرخون في وجهي في المدرسة: «متى ستوزع أمك تلك الوسائل الوقائية؟» «ليس هذا بكاف، رغم أنها نعمة كبيرة، لكن الدين يقف خصما لها كما هو خصم لأي شيء قد يخفف آلام الحياة على الأرض. إنني أتحدث عن احترام الذات في الواقع، احترام الذات.»
لم أفهم تماما مغزى ما تقول، وإن كنت فهمته فقد كنت معدة مسبقا لأن أقاومه. كنت سأقاوم أي شيء تقوله لي بمثل هذه الجدية والأمل العنيد. لم أكن أحتمل تعبيرها عن اهتمامها بحياتي، رغم أنني كنت بحاجة لذلك الاهتمام وأعتبره أمرا مسلما به. وكنت أراه أيضا لا يختلف كثيرا عن النصائح التي تلقن لباقي النساء والفتيات، والتي تفترض أن كونك أنثى يعني أنك هشة، وأن ثمة حاجة إلى قدر معين من الحرص، والقلق الذي يتسم بالرصانة، وحماية الذات، بينما يفترض بالرجال أن يخرجوا إلى العالم وأن ينهلوا من شتى الخبرات وينبذوا ما لا يريدون ثم يعودوا مظفرين. ودون أن أفكر حتى في الأمر، قررت أن أفعل المثل.
التعميد
نامعلوم صفحہ