لم يخطر ببالي آنذاك أنني يوما ما سوف أهتم هذا الاهتمام البالغ بجوبيلي، فقد صرت نهمة ومضللة كما كان العم كريج في منزله في جنكينز بيند وهو يدون التاريخ؛ فقد كنت أرغب في تدوين بعض الأشياء.
سأحاول أن أعد بعض القوائم؛ قائمة بأسماء المحال والأعمال الموجودة في الشارع الرئيسي وأسماء من يملكونها، وقائمة بأسماء العائلات، والأسماء المكتوبة على شواهد القبور في المقبرة وأي نقوش موجودة تحتها. وقائمة بأسماء الأفلام التي عرضت في قاعة الليسيوم منذ عام 1938 وحتى عام 1950 تقريبا. وقائمة بالأسماء الموجودة على النصب التذكاري (والتي يرجع معظمها إلى الحرب العالمية الأولى لا الثانية)، وقائمة بأسماء الشوارع ونمط تصميمها.
وبالطبع، فإن عقد الآمال على دقة هذه المهام ما هو إلا ضرب من الجنون الذي يفطر القلب.
لكن لم تكن ثمة قائمة بإمكانها أن تحوي ما أريد؛ فما أريد كان كل شيء بالتفصيل؛ كل كلمة وكل فكرة، كل شعاع ضوء يسقط على لحاء الشجر أو على الجدران، وكل رائحة، وكل تجويف، وكل ألم، وكل شرخ، وكل وهم، كل هذا قائما ومجتمعا ... مشعا وخالدا.
أما في تلك اللحظة، لم أكن أنظر كثيرا لهذه المدينة.
تحدث إلي بوبي شيريف بحزن، وهو يتناول مني الشوكة ومنديل المائدة والطبق الفارغ.
قال: «صدقيني، أتمنى أن يحالفك الحظ في حياتك.»
ثم فعل الشيء الوحيد المميز الذي فعله لي؛ فبكل ما في يده من أشياء حياني بالوقوف على أصابع قدميه كراقص، أو كراقصة باليه ممتلئة الجسد. بدت لي هذه الحركة - مصحوبة بابتسامته الرقيقة التي ارتسمت على وجهه - مزحة، لكنها ليست مزحة يرويها لي وإنما يفعلها من أجلي، وبدت أن لها معنى وجيزا، معنى منمقا؛ بدت وكأنها حرف أو كلمة كاملة في أبجدية لا أعرفها.
آنذاك، كنت أتقبل تمنيات الناس لي - وغيرها من الأمور - وكأنها أمور طبيعية وأنا يخالجني شعور بسيط بالحيرة، كما لو أنها لم تكن قط أكثر مما أستحقه.
فأجبته: «حسنا»، بدلا من أن أشكره.
نامعلوم صفحہ