قال الأستاذ توفيق الحكيم: «ونظرت إلى الصورة التي صورها لي حديث الرافعي وإلى الصورة التي في الورقة، فكأنما استيقظت من حلم جميل! ... يرحمه الله، لقد كان شاعرا ...!»
كذلك كان سلطانها في نفسه وأثرها في خياله! •••
وكانت نشأة هذه الفتاة في طنطا لأول عهدها بالرقص، وكانت تعمل مع فرقة قروية أقامت «خيمتها» في طنطا بضع سنين، ولم يكن الرافعي يعلم ذلك من خبرها يوم التقيا في الإسكندرية في صيف سنة 1935، فما عرف ذلك إلا مني حين رأيتها في فرقة «ببا» ونظرت صورتها، فلما عرف من ماضيها في طنطا ما عرف، أغمض عينيه وراح في فكر عميق ... أتراه قد لقيها من قبل في طنطا ولم يكن يذكر، أم كان ينظم شعرا لم يجهر به ولم يسمعه أحد؟
والعجيب أن الرافعي وهو في غمرة هذا الحب الجديد لم ينس صاحبته «فلانة» ولم يفتر حبه لها، بل أحسبه كان أكثر ذكرا لها وحنينا إليها مما كان، وكأنما كان قلبه في غفوة فأيقظه الحب الجديد ورده إلى ما كان من ماضيه.
لقد كان قلب الرافعي عجيبا في قلوب العشاق، ليت لي من يستطيع أن يكشف عن أعماقه!
وبسبيل وحي هذا الحب الجديد وما أذكره من ماضيه، كانت قصة «القلب المسكين» التي نشرها في الرسالة نجوما من بعد، ثم ضمها إلى أصول الجزء الثالث من وحي القلم الذي طبع بعد وفاته. •••
أما موضوع «المشكلة»
6
فقد استملاه الرافعي من رسائل قرائه إليه، وصاحب هذه المشكلة هو صديقنا الأستاذ كامل ح. وهي كانت أول صلته بالرافعي، ولقد كانت قبل أن يكتب إليه مشكلة اثنين: هو وهي. فصارت من بعد مشكلتهما ومشكلة الرافعي معهما؛ إذ لم يجد لها حلا، ولقد شغلته هذه المشكلة زمنا غير قصير، ثم اتصل بموضوعها عن كثب حين اتصلت أسبابه بصاحبها وصاحبته، وقد كتب الرافعي ما كتب في هذا الموضوع، ثم مضى وخلف دنياه وما تزال هذه المشكلة قائمة تنشد من يحل عقدتها ...
كان ذلك في الخريف من سنة 1935 حين جمعتني ظروف العمل بصديقي الأستاذ كامل، فلم يمض على تعارفنا أيام حتى استودعني كل السر ... ... فقد أمه وهو غلام، فلم يلبث غير قليل حتى حلت غيرها محلها في بيت أبيه، وكان أكبر ثلاثة إخوة، فاقتضاه حق أخويه عليه أن يستشعر معاني الرجولة وما يزال في باكر الشباب، ورأى أبوه أن عليه شيئا لهذا الرجل الصغير، فسمى عليه بنت خاله قبل أن يدرك، ورأت تقاليد الريف الذي نشأ فيه أن عليها دورا في هذه القصة، فحجبت الفتاة عن خطيبها ولما تبلغ التاسعة وأغلقت دونهما الباب ... ومضت سنوات وسنوات وسنوات وهو لا يراها ولا تراه، وفرغ من حسابها بينه وبين نفسه، ثم نسي ما كان وما ينبغي أن يكون، وكان يبغضها بغض الطفل والطفلة ، فلما باعدت بينهما السنون انقطعت بينهما أسباب الكره والمحبة فلا يذكرها ولا يذكر شيئا من خبرها ...
نامعلوم صفحہ