7
لقد كان الرافعي يحب أولاده حبا لا أعرف مثله فيمن أعرف، ووهيبة كبرى أولاده، ذكرها في «الديوان»، وغنى لها في «النظرات» وأرخ زواجها في «عرش الورد». •••
وكانت المقالة التالية هي: «الإنسانية العليا».
وهي باب من القول في الأدب الديني تنتظم مع «وحي الهجرة» و«الإشراق الإلهي» و«سمو الفقر» تحت باب واحد ... ... كان يعتاد الرافعي كما يعتاد كل إنسان، نوبات من الضيق والهم تقعد به وتصرفه عما يحاول من عمل، ولم يكن له علاج من هذا الضيق الذي يعتاده إلا أن يقرأ قرآنا أو ينظر في كتاب من كتب السيرة النبوية، فيفرج همه ويزول ما به، ويهون عليه ما يلقى من دنياه ...
في نوبة من هذه النوبات التي تضيق بها الدنيا على إنسان، تناول الرافعي كتابا من كتب الشمائل يسري به عن نفسه، فاتفق له رأي ... وخرج من مطالعته بمقالة «الإنسانية العليا». ••• ... وكان للرسائل التي ترد للرافعي في البريد من قراء الرسالة أثر يوحي إليه في أحيان كثيرة بما يكتب لقرائه، فهو منهم وإليهم، ومنذ بدأ الرافعي يكتب في الرسالة أخذت رسائل القراء ترد إليه كثيرة متتابعة في موضوعات شتى ولمناسبات متعددة، حتى كان يبلغ ما يصل إليه أحيانا في اليوم الواحد ثلاثين رسالة، وكان يقرؤها جميعا ويحفها في درج خاص من مكتبه، وللحديث عن هذه الرسائل باب آت، وإنما يعنيني اليوم أن أتحدث عن الموضوعات التي استملاها من رسائله، ومن هذه الموضوعات مقالة «تربية لؤلئية».
كانت تصدر في القاهرة في ذلك الوقت مجلة «الأسبوع» وقد فتحت صدرها لطائفة من شباب الجنسين يكتبون فيها وحي عقولهم وقلوبهم و... وشهواتهم! وكانت صفحاتها لهؤلاء الشبان والشابات أوسع من صدر الحليم، فلم تلبث بهذه السماحة أن صارت - كما يقول العامة - بطن حمار! وأصبحت ميدانا للغزل البريء وغير البريء، وموعدا من مواعد التلاقي والوداع.
وفي صبيحة يوم، حمل البريد إلى الرافعي رسالة من سيدة كريمة، تلفته إلى محاورة داعرة تعترك فيها أقلام طائفة من الشبان في مجلة «الأسبوع»، وبعث الرافعي في طلب أعداد المجلة فجيء بها، فما قرأها حتى تناول القلم وأملى علي مقالة «تربية لؤلئية».
في هذه المقالة خلاصة رأي الرافعي في حرية المرأة وحقها في المساواة، وترى لهذا الرأي بقية فيما نشر من مقالات الزواج، والطائشة، والجمال البائس، وغيرها، وهو يزعم أنه بهذا الرأي من أنصار المرأة عند من يعرف أين يكون انتصار المرأة، وللرافعي حين يتحدث في هذا الموضوع حجة قوية، وبرهان ماض، إلى روح رفافة وشعر ساحر، ولست واجدا أحدا يرد عليه في ذلك على قلة من تجد من أنصاره، وقد جلست مرة إلى المربي الكبير الأستاذ محمد عبد الواحد خلاف نداول الرأي في أدب الرافعي ومذهبه الاجتماعي لمناسبة ما كتب الرافعي للرسالة في موضوع المرأة، فقال لي: «إنك لن تجد أحدا من أنصار الجديد يرضى هذا المذهب، ولكنك لن تجد أحدا - أيضا - يستطيع أن يصاول الرافعي في هذا الميدان بمثل حجته وقوة إقناعه.» ... وأرضى الرافعي بهذا المقال السيدة الكريمة التي كتبت إليه، ولكنه أغضب مئات من القارئات وعشرات من القارئين، فانثالت عليه الرسائل من هؤلاء وهؤلاء غاضبة مستنكرة، إلا بضع رسائل ...
ولما كتب مقالة «تربية لؤلئية» وأرسل بها، ركب قطار البحر إلى الإسكندرية ليستريح يوما هناك يتزود فيه لفنه وأدبه من عرائس الشاطئ ...
كان قد كتب مقاله السالف وأرسل به، ولكن معانيه بقيت في نفسه، فلما ذهب إلى الشاطئ وجد تمام موضوعه، فعاد ليملي علي مقالة «لحوم البحر»، وهي قصيدة مترجمة عن الشيطان على نسق من النثر الشعري فاق فيه الرافعي وغلب ... •••
نامعلوم صفحہ