كأنه يخرج لسانه من تحت التراب لزائر القبر الذي يقرأ - وهو غافل - ما يحدثه به الدفين المزور.
في كل ذكرى من تلك الذكريات الشخصية صورة من صور الدعابة، التي لا يفوتها الاحترام والاستخفاف الذي يعرف مواطن الإعجاب والتقديس.
وكان صديقنا المرحوم عبد الرحمن شكري يقول له فيما بيننا بالإنجليزية ... حين نسمع تعليقاته على ما نقرأ شعرا ونثرا: إن فيك يا أبا خليل لشيئا ملكيا عفريتيا بلا افتراق
Angelic Impish ، وكان هو - طيب الله ثراه - لا يرفض هذا الوصف، ولكنه يجيب عليه تارة إجابة الملائكة، وتارة إجابة العفاريت!
وكان موضع العجب من أمر صديقنا المحبوب المهيب أنه - على دعابته - لم يكن يفقد احترام عارفيه على أوفاه، وأنه مع استخفافه لم يكن يستخف بمواضع التقديس والإعجاب.
كان - رحمه الله - قصير القامة يظلع في مشيته، وكان يدرس التاريخ والترجمة في مدرسة ثانوية اشتهرت بتلاميذها المتمردين؛ لأنها كانت مدرسة أهلية تجمع الذين تجاوزوا السن في المدارس الأميرية، أو طردوا منها لسوء السلوك، ولم يكن أيسر من اجتراء هؤلاء على مدرس شاب قصير القامة يظلع في مشيته ولا يبالي كثيرا بزيه، ولكنه كان على نقيض ذلك مهيبا عندهم إلى حد المخافة، وكان لقب «تيمورلنك» هو اللقب الذي اختاروه له من دروسه في التاريخ!
ولعله كسب منهم هذا اللقب بعد امتحان أو امتحانين، ففهموا بعد الامتحان أي رجل هذا الهزيل الضئيل الذي حاولوا - على غير معرفة به - أن يجترئوا عليه؛ لأنهم فهموا أنه رجل يملك زمام نفسه، فلا يستعصي عليه أن يمتلك زمام الآخرين، وأنه رجل كفء لعمله على مثال لم يعهدوه بين عشرات المدرسين.
وبهذه الكفاءة، وتلك الإرادة، أصبح مدرسهم الهزيل «تيمورلنك» زمانه المخيف، والمحبوب. •••
ولم تكن المدرسة هي الساحة الوحيدة المختارة لهذه الدعابات، بل كانت كل مفارقة يلقاها على ثقة بالجواب السريع لفصل من هذه الفصول.
دخل إلى صيدلية يشتري حامضا من الحوامض السامة التي تستخدم في المنازل للتطهير، وتقضي التعليمات على الصيادلة أن يسألوا من يشتري المادة السامة عما يستعملها فيه، فسأله الصيدلي حسب التعليمات: لماذا تريدها يا أستاذ؟
نامعلوم صفحہ