فتجهم رئيس التحرير وتوعد المحرر المسئول بالويل والثبور، ووعدني أن يكتب غدا في المؤيد كلمة تزيل اللبس، وتبعد الشبهة عني في أمر الكتاب ورسائله واشتراكاته ، ورجاني أن أغض النظر عن المسألة، ولا أنقطع عن العمل في الكتاب.
ويعلم أصحاب الأستاذ حافظ - رحمه الله - أنه كانت له مواطن ضعف في تحياته ومقابلاته، ومنها أنه يتشبه بالأمير في مناورات الرضا والغضب والتقريب والإقصاء، وأنه يجعل من زمرة عمله بلاطا صغيرا تكثر فيه مناوبات التشجيع والإعراض، ولمحات الابتسام والعبوس، وقد شهدنا في مساء ذلك اليوم تمثيلية وجيزة من هذه التمثيليات، كانت هي فصلها الأخير!
آخر عهدي بالصحافة
في مساء ذلك اليوم زارني الأستاذ المازني والأستاذ محمود سعيد الذي أصبح بعد ذلك مستشارا في المحاكم الأهلية، ونزلنا إلى باب الدار ننتظر مركبة خالية تمر بنا لنستقلها إلى ندوتنا المعهودة عند دار القضاء «في الوقت الحاضر» ... ولم نكد ننادي المركبة العابرة حتى مر بنا الأستاذ حافظ يحيينا بيمناه، ويضع يسراه في إبط المحرر «المتهم» وهو مقبل عليه بالضحك والحديث، ثم صدر المؤيد في اليوم التالي وليس فيه كلمة عن الاشتراكات ولا عن تصحيح الظنون.
وكان هذا آخر عهدي بالمؤيد، وآخر عهدي بالصحافة قبل الحرب العالمية الأولى؛ لأنها نشبت قبل نهاية الصيف!
يجوز
أغلب الظن عندي أن قصة خروجي من نظارة الأوقاف ثم من صحيفة المؤيد كانت «قضاء وقدرا» كما يقولون في لغة التحقيقات القانونية.
أما العارفون بتحقيقات الحواشي الملكية، فقد كان لهم رأي آخر في القصة بحذافيرها، وكان من رأيهم أن الخطة وضعت يومئذ في القصر لفصل كل موظف بالأوقاف عرفت عنه المعارضة في نظام الديوان، لا فرق بين أكبر الموظفين وأصغر الموظفين!
وكان أكبر المعارضين من الموظفين لصفقات السمسرة والاستبدال عبد الرحمن فهمي «بك» وكيل النظارة، فخرج محالا إلى المعاش.
وكنت أنا أصغر المعارضين من الموظفين، ولا حيلة لهم في فصلي بالإحالة إلى المعاش، فليكن فصلي «بصنارة» الصحافة، ثم بمائة سبب ميسور بعد الوصول إلى البر ... غير الأمين!
نامعلوم صفحہ