ولم يخطر لي أن أخترع جديدا في فن المقالة الأدبية؛ إذ كانت الصحافة المصرية كلها قد قامت على فن المقالة، منذ نشأتها قبل الثورة العرابية، وكانت «الجريدة» قد سبقت «الدستور» في تاريخ الصدور، وكان من كتابها المتقدمين «محمد السباعي» تلميذ «لي هنت» في فن المقالة على أسلوب المدرسة الإنجليزية، فكان رائد هذا الفن في تحرير الصحف غير مدافع، وكان له فيه إبداع يعرفه قراء كتابه الذي سماه ب «الصور»، وأراد أن يعارض به مقالات الترسيم والتخطيط المعروفة باسم «الإسكتش»
Sketch
في أدب الغرب الحديث، فلم أحاول في كتابة مقالاتي جديدا غير تقريب الموضوعات من الدراسة النقدية، ولم أطرق غير القليل من موضوعات النقد الاجتماعي، أو موضوعات المقالة الوصفية والمقالة العاطفية؛ لأنني كنت - مع اشتغالي بالكتابة - مشغولا بنظم الشعر في موضوعاته، وهو أولى بالوصف العاطفي من المقالات ...
على أنني أحمد الله؛ لأن المتقدمين علي في الصحافة لم يغلقوا علي جميع الأبواب، فبقي لي في الصحافة المصرية باب واحد أستطيع أن أقول: إني كنت أول السابقين إليه ...
وذلك هو باب الأحاديث مع الوزراء والساسة، فلا أعلم أن أحدا من الصحفيين المصريين سبقني إلى إجراء حديث عام مع وزير مصري، أو رئيس شرقي يسمع له قول في السياسة، وإخالهم معذورين بعض العذر في هذا التأخير، وإخالني محظوظا بعض الحظ في هذا السبق المقدور؛ لأن الأحاديث أمر مرهون بأوانه لا يدركه أحد قبل موعده ولا بعده، ولا هو بالمعقول في صحافة مصر على عهد الاحتلال قبل حادث دنشواي وقيام الأحزاب ...
من كان يحادث الوزراء المصريين في شئون السياسة العامة؟ وماذا يقول الوزير للرأي العام إذا أراد المقال؟ وأي برنامج له يعرضه على الناس؟ وأي رأي كان له بعد رأي المستشار، ورأي قيصر قصر الدوبارة من وراء المستشار؟
أحاديث الوزراء
إن حديثا يجري مع وزير لا يملك من أعمال وزارته غير التوقيع والسكوت لهو اللغو بعينه، فلا حرج على الصحفيين المصريين إذا تجنبوه ... وقد تجنبوه معذورين حتى خطر لي أن أقتحم هذا الباب لأول مرة، فكان اقتحامي إياه في الحق عنوانا لصفحة جديدة في تاريخ الوطنية المصرية، ولم يكن مجرد سبق في الصحافة يتكرر كل يوم ...
وجرى الحديث الأول مع سعد زغلول في وزارة المعارف، وجرى غيره من الأحاديث مع الغازي أحمد مختار «قوميسير» الدولة العثمانية كما كانوا يسمونه في زمانه، وكان على ضآلة نفوذه في مركزه شخصية من أقوى الشخصيات العسكرية والسياسية التي عاشت في ذلك الزمان ...
وكنت أعلم أن حديثا يتطرق إلى نظام الجيش في عهد الاحتلال، ويفوه به أكبر القادة العثمانيين في مركزه الرسمي بالديار المصرية - لن يخلو من ضربة تقض مضاجع المحتلين ...
نامعلوم صفحہ