وإنما فعل إبراهيم هذا بعد إذ فكر في ضلال عبادة الأصنام وفيمن تجب له العبادة:
فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين * فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين * فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون * إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين .
2
ولم ينجح إبراهيم في هداية قومه، بل كان جزاؤه منهم أن ألقوه في النار وأنجاه الله منها، ففر إلى فلسطين مستصحبا معه زوجه سارة. ومن فلسطين ارتحل إلى مصر. وبها يومئذ ملوك العماليق «الهكسوس»؛ وكانت سارة جميلة وكان الملوك الهكسوس يأخذون الجميلات المتزوجات؛ فأظهر إبراهيم أن سارة أخته خشية أن يقتله الملك ليتخذها له زوجا. وأراد الملك اتخاذها زوجا، فرأى في المنام أنا ذات بعل، فردها إلى إبراهيم بعد أن عاتبه وأعطاه هدايا من بينها جارية تدعى هاجر. ولما كانت سارة قد سلخت السنين الطوال مع إبراهيم ولم تلد، دفعته ليدخل بهاجر، فدخل بها، فلم تبطئ أن ولدت له إسماعيل. وبعد أن شب إسماعيل وترعرع حملت سارة وولدت إسحاق.
يختلف الرواة ها هنا في مسألة إقدام إبراهيم على ذبح إسماعيل والفداء، وهل كانت قبل ميلاد إسحاق أو بعده، وهل كانت بفلسطين أو بالحجاز.
وإن مؤرخي اليهود ليذهبون إلى أن الذبيح إنما كان إسحاق لا إسماعيل. وليس ها هنا مقام تمحيص هذا الخلاف. وفي رأي الأستاذ الشيخ عبد الوهاب النجار في كتاب «قصص الأنبياء» أن الذبيح هو إسماعيل. ودليله من التوراة نفسها أن الذبيح وصف فيها بأنه ابن إبراهيم الوحيد، وكان إسماعيل هو الابن الوحيد إلى أن ولد إسحاق. فلما ولدت سارة لم يبق لإبراهيم ابن وحيد أن كان له إسماعيل وإسحاق. والتسليم بهذه الرواية يقتضي أن تكون قصة الذبح والفداء بفلسطين. وكذلك يكون الأمر إذا كان الذبيح إسحاق؛ فقد ظل إسحاق مع أمه سارة بفلسطين ولم يذهب إلى الحجاز. فأما الرواية التي تذهب إلى أن الذبح والفداء إنما كان فوق منى فتجعل الذبيح إسماعيل. ولم يرد في القرآن ذكر لاسم الذبيح مما جعل المؤرخين المسلمين يختلفون فيه.
وقصة الذبح والفداء أن إبراهيم رأى في منامه أن الله يأمره بأن يقدم ابنه قربانا فيذبحه؛ فسار وابنه في الصباح،
فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين * فلما أسلما وتله للجبين * وناديناه أن يا إبراهيم * قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين * إن هذا لهو البلاء المبين * وفديناه بذبح عظيم .
3
وتصور بعض الروايات هذه القصة تصويرا شعريا تدعونا روعته أن نقصه هنا وإن لم يقتض الحديث عن مكة قصصه؛ ذلك أن إبراهيم لما رأى في المنام أنه يذبح ابنه وتحقق أن ذلك أمر ربه، قال لابنه؛ يا بني خذ الحبل والمدية وانطلق بنا إلى هذه الهضبة لنحتطب لأهلنا. وفعل الغلام وتبع والده، فتمثل الشيطان رجلا. فجاء أم الغلام فقال لها: أتدرين أين ذهب إبراهيم بابنك؟ قالت: ذهب به يحتطب لنا من هذا الشعب. قال الشيطان: والله ما ذهب به إلا ليذبحه. قالت الأم: كلا. هو أشفق به وأشد حبا له. قال الشيطان: إنه يزعم أن الله أمره بذلك، فأجابت الأم: إن كان الله قد أمره بذلك فليطع أمر ربه. فانصرف الشيطان خاسئا، ثم لحق بالابن وهو يتبع أباه، وألقى إبليس عليه ما ألقى على أمه، وأجاب الابن بما أجابت هي به. فأقبل الشيطان على إبراهيم يذكر له أن المنام الذي رأى خدعة من الشيطان ليذبح ابنه ثم يندم ولات ساعة مندم، فصرفه إبراهيم ولعنه. فنكص إبليس على عقبيه خزيان محنقا أن لم ينل من إبراهيم ولا من زوجه ولا من ابنه ما أراد أن ينال منهم .
نامعلوم صفحہ