حیات مسیح
حياة المسيح: في التاريخ وكشوف العصر الحديث
اصناف
أما الأناجيل الموجودة الآن فقد كتبت جميعا باليونانية العامة
Koine ، ولوحظ في ترجمتها أنها تعتمد على نصوص آرامية، وتحافظ على ما فيها من الجناس، وترادف المعاني، والمفردات، وتتفق الآراء على أن هذه الأناجيل لا تحتوي على ما فاه به السيد المسيح، إذ جاءت في أعمال الرسل التي تضمنها العهد الجديد كلمة منسوبة إلى السيد المسيح لم ترد في الأناجيل، وهي: «تذكروا كلمات المسيح: إن العطاء مغبوط أكثر من الأخذ»، وجاءت في الأناجيل الأخرى التي لم تعتمد كلمات من هذا القبيل، وكشفت أوراق بردية في مصر ترجع إلى منتصف القرن الثاني لا تشبه الأناجيل المعتمدة في نصوصها.
وتتفق الآراء أيضا على أن نسختين من الأناجيل كتبهما مسيحيان لم يجتمعا بالسيد المسيح ولم يسمعا منه، وهما: نسخة مرقس التي دون فيها ما سمعه من بطرس الرسول بغير ترتيب، وعلى غير قصد منه أن تجمع في كتاب، وقد كتبها في رومة بعد مقتل الرسول، وليس معه أحد من التلاميذ، ويتراوح تاريخ كتابتها بين سنتي سبع وستين وسبعين.
والنسخة الأخرى هي نسخة لوقا صاحب بولس الرسول، دون فيها ما سمعه منه، ولعله أضاف إليها جزءا من النسخة المفقودة، ثم جزءا من إنجيل مرقس بعد اطلاعه عليه، وكانت كتابتها على الأرجح سنة ثمانين.
أما إنجيل يوحنا فهو آخر الأناجيل كتابة ومراجعة، وأكثر النقاد على أنه مكتوب بقلم يوحنا تلميذ السيد المسيح، وآخرون يعتقدون أنها بقلم يوحنا آخر كان من أفسس، ولم ير السيد المسيح؛ لأن يوحنا تلميذ المسيح هو صاحب سفر الرؤيا المؤلف على أصح الأقوال في سنة ست وتسعين، ولا يظن أن مؤلفا واحدا يكتب في وقت واحد كتابين بينهما مثل ذلك التباين في المنهج والفحوى .
على أن الأب فرار فنتون مترجم الإنجيل «طبعة أكسفورد» يعن له أن إنجيل يوحنا هو أقدم الأناجيل، وأنه كتبه أولا بالعبرية بين سنة ثلاثين وسنة أربعين، ثم نقله إلى اليونانية، ولكن تأخر الزمن الذي كتب فيه هذا الإنجيل ثابت من تفصيله بعض ما أجملته الأناجيل، وزيادته في التعبيرات الفلسفية، وتوسعه في شرح العقائد التي أثرت عن بولس الرسول، ولا يظن أنه كتب قبل سنة ست وتسعين.
والترتيب المفضل عند المؤرخين أن إنجيل مرقس هو أقدم الأناجيل، ثم يليه إنجيل متى فإنجيل لوقا، وهي الأناجيل الثلاثة التي اشتهرت باسم أناجيل المقابلة، لإمكان المقابلة بين ما فيها من الأخبار والوصايا على اختلاف الترتيب، مع العلم بأنها كتبت في الأصل مرسلة بغير أقسام، وبغير مواضع للوقت والإلحاق، ولم تقسم إلى إصحاحات قبل القرن الثالث عشر للميلاد.
وليس من الصواب أن يقال إن الأناجيل جميعا عمدة لا يعول عليها في تاريخ السيد المسيح؛ لأنها كتبت عن سماع بعيد، ولم تكتب من سماع قريب في الزمن والمكان، ولأنها في أصلها مرجع واحد متعدد النقلة والنساخ، ولأنها روت من أخبار الحوادث ما لم يذكره أحد من المؤرخين، كانشقاق القبور، وبعث موتاهم، وطوافهم بين الناس، وما شابه ذلك من الخوارق والأهوال.
وإنما الصواب أنها العمدة الوحيدة في كتابة ذلك التاريخ، ومواطن الاختلاف بينها معقولة مع استقصاء أسبابها والمقارنة بينها وبين آثارها، ورفضها على الجملة أصعب من قبولها عند الرجوع إلى أسباب هذا، وأسباب ذاك.
فإنجيل متى مثلا ملحوظ فيه أنه يخاطب اليهود، ويحاول أن يزيل نفرتهم من الدعوة الجديدة، ويؤدي عباراته أداء يلائم كنيسة بيت المقدس في منتصف القرن الأول للميلاد.
نامعلوم صفحہ