* بسم الله الرحمن الرحيم
( إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم ). ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ). ( قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن الله غفور شكور ).
صفحہ 1
الإهداء
إليك .. يا علة الموجودات ، وسيد الكائنات
إليك .. يا منقذ الإنسانية من ظلمات الجهل ، وباعث الروح والعلم في الأجيال.
إليك .. يا رسول الله ، وخاتم النبيين.
أرفع بكلتا يدي هذه الوريقات التي بحثت فيها عن سيرة سبطك الأكبر ، وريحانتك الذي غذيته من كمال النبوة ، وأورثته هيبتك ، وسؤددك. وهي بضاعتى المزجاة التي أعددتها ذخري يوم الوفادة عليك ، فعسى أن تقع من مقامكم الرفيع موقع القبول وهو حسبى.
صفحہ 3
تقديم
لامام المصلح كاشف الغطاء
صفحہ 5
* بسم الله الرحمن الرحيم
الإمام السبط أبو محمد الزكي أول الأسباط الأحد عشر من نسل محمد (ص) سيد الأنبياء ونسل علي سيد البشر وأول من اجتمع فيه نور النبوة ونور الإمامة فكان مجمع النورين وأحد النيرين وملتقى البحرين ( مرج البحرين يلتقيان @QUR@ *
النبوة والكرامة ، يخرج منهما اللؤلؤ الأخضر بخضرة السم في السماء والمرجان الأحمر بحمرة الأرض من الدماء.
الحسن أول الأئمة الامناء من صلب سيد الأوصياء ، الحسن الذي أظهر الحق وأزهق الباطل وحقن بصلحه الدماء.
وقد كانت ولادته في ليلة النصف من رمضان على أشهر الأقوال وقد صادف املائي لهذه الكلمات هذه الليلة التي هي ليلة النور وليلة الفرح
صفحہ 7
والسرور لأهل البيت الذين يجب أن نفرح لفرحهم ونحزن لحزنهم. فالى سيد الكائنات ، وعلي وفاطمة صلوات الله عليهم أزف الأناشيد والتهاني والترانيم مهنيا لهم بهذا المولود المبارك الذي يقول فيه علة الوجود ومرآة المعبود وفي أخيه : « نعم الجمل جملكما ونعم الراكبان أنتما ».
وإني لا أحاول من هذه المقالة التي جرى بها القلم على العجالة أن أذكر ما لأبي محمد الزكي (ع) من عظمة المآثر ومآثر العظمة وكبرياء الجبروت وجبروت الكبرياء وعلو المفاخر والمناقب ومفاخر العلياء كلا ثم كلا فان صقر باعي ونسر يراعي على سعة معرفتى واطلاعي ينحطان ويسقطان عن العروج إلى ذلك العرش المتمرد بمناعته على العقول والذي لا تنال منه الأفكار مهما تعالت وتغالت سوى الدهشة والذهول.
وإنما أريد أن أتعرض إلى ناحية من نواحي حياته وآية واحدة من آيات معجزاته ومعجزات آياته ، وهي ناحية صلحه مع الطاغية ابن الغاوي والغاوية معاوية ، فان هذه الناحية قد تعقدت ولبست أسمك جلابيب الغموض وساءت في توجيهها الظنون وباءت بالفشل كل الفروض وسرى الشك وتضعضعت أركان الإيمان حتى من أخص أصحابه وأصحاب أبيه عليه السلام ، والخلص من شيعته ومواليه فحمل الغيظ والغضب ذلك الطود الأشم على إساءة الأدب فقال : السلام عليك .. وكان الواجب أن يقول يا معز المؤمنين فقال عكسها. ولم يزل الغموض والالتباس يضفي على القضية أسوأ لباس حتى على المعتقدين بامامته وعصمته. ولكن غلبت العاطفة فيها وصدمة الرزية على التعقل والروية. ولو أمعنوا النظرة وفسحوا المجال للفكرة لتجلى لهم جلاء الشمس ، ان كل الصلاح وصلاح الكل فيما فعله سلام الله عليه لا من حيث التعبد والتسليم والخضوع للامر الواقع مهما كان خيرا أو شرا ولا من حيث الاعتقاد بالعصمة ، وإن عمل المعصوم لا بد
صفحہ 8
وأن يكون موافقا للحكمة ، كلا بل لو تدبرنا الواقعة ونظرناها من جميع أطرافها وظروفها وملابساتها ونتائجها ومقدماتها لا تضح لنا على القطع واليقين أن ما فعله سلام الله عليه هو المتعين ولا يصح غيره ، نعم هو الحزم بعينه وهو الظفر بخصمه وهو عين الفتك بعدوه من حيث الفنون الحربية والسياسة الزمنية فعل فعل القائد المحنك والحازم المجرب فحارب عدوه بالسلم وغلب عليه بالصلح ، فاخمد ناره وهتك ستاره وابدى للناس عاره وعياره ، وما كان من الصلاح إلا أن يحاربه بالصلح لا بالسلاح ويذبحه باعماله لا بقتاله ونباله وهذا اتم للحجة واقطع للمعاذير وابلغ في دفع الريب والشبهة وإيضاح كل هذا وانارته بحيث يرى بالعين ويلمس باليد يحتاج إلى فضل بيان وقوة جنان وسعة في القول ولا يساعدني على شيء من ذلك جسمي العليل وبصرى الكليل وكثرة اشغالى وبالى البالى وضيق مجالى وسوء حالى. وعسى أن يلطف جل شأنه فيسمح لى بانتهاز فرصة أخرى استطيع أن اعطي البيان حقه في هذا المضمار واكشف عن هذا الغموض الحجب والاستار حتى يظهر الحق وتسطع الانوار ، ولكن لا أجد بدا من أن اختم كلمتى هذه بالحق المحض وزبدة المخض.
وهي على الجملة والطى أنه كما كان الواجب والمتعين الذي لا محيص عنه في الظروف التي ثار بها الحسين سلام الله عليه على طاغوت زمانه أن يحارب ويقاتل حتى يقتل هو واصحابه وتسبى عياله ودائع رسول الله كما كان هذا هو المتعين في فن السياسة وقوانين الغلبة والكياسة مع قطع النظر عن الاوامر الإلهية والمشيئة الازلية كذلك كان المتعين والواجب الذي لا محيص عنه في ظروف الحسن (ع) وملابساته هو الصلح مع فرعون زمانه ولو لا صلح الحسن وشهادة الحسين عليهما السلام لما بقى للاسلام أسم ولا
صفحہ 9
رسم ولضاعت كل جهود محمد (ص) وما جاء به للناس من خير وبركة وهدى ورحمة ، فان أبا سفيان ونغله معاوية وسخله يزيد دبروا كل التدابير واعملوا كل الحيل لمحو الاسلام ورد الناس إلى جاهليتهم الاولى وعبادة اللات والعزى ولعل إلى هذه النكتة الدقيقة اشار النبي (ص) بالحديث المشهور ، الظاهر بصحته ظهور النور ، يقول صلى الله عليه وآلهوسلم « الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا » لعله يعنى أن الحسن إمام في قعوده كما أن الحسين إمام في قيامه ونهضته.
وكانت جمهرة المؤرخين وأرباب التراجم والسير تسرد قضية الحسن سلام الله عليه وصلحه مع معاوية على سطحها الظاهر وشكلها البسيط من غير تحليل ولا تعليل ولا تعمق وتحقيق ومن دون نظر إلى ظروف الواقعة وملابساتها ومباديها وغاياتها ولذا قد يستبق إليها نوع من الاستنكار لعدم النظر إليها بنظر التدبر والاعتبار.
ولكن بما أن الحق والحقيقة نور ، والنور إذا اشتد يشق الستور ويأبى إلا الظهور قيض الله في هذا العصر بعض الافاضل من ذوى الاقلام البارعة والافهام الفارعة والانظار السديدة والافكار الحرة فكشفوا بمؤلفاتهم عن حياة الحسن (ع) وسيرته وصلحه الغموض والتعقيد وازاحوا لثام بعض الاوهام التي زلق فيها بعض الكتبة من المعاصرين ومن الذين قبلهم.
وممن عرف فالف واجاد فيما جمع وصنف ، وترجم للحسن (ع) في حياته فاحسن ، واتقن ، وجمع فبرع العالم الفاضل النجيب الاديب الشيخ باقر القرشي ايده الله بروح العناية منه والتوفيق ، فقد رفع إلى بعض فصول الجزء الاول من مؤلفه ( حياة الحسن ) فوجدت فيه روح الطموح
صفحہ 10
وطموح الروح ووجدت فيه نفسا وثابة قد جرت في أشواط السباق ، وإذا كانت في البداية فهي على وشك الوصول إلى الغاية. واحسن شاهد على فضل كتابه نفس كتابه.
( سبوح لها منها عليها شواهد )
شكر الله مساعيه وبلغه امانيه.
بدعاء ابيه الروحي
محمد الحسين آل كاشف الغطاء
صدر من مدرستنا العلمية بالنجف الاشرف
بتأريخ 20 شهر الصيام المبارك سنة 1373 هج.
صفحہ 11
* مقدمة الطبعة الثانية
صفحہ 12
* بسم الله الرحمن الرحيم
* 1
للامام أبي محمد الحسن (ع) تأريخ مشرق ، حافل بأروع صفحات البطولة والجهاد ، وسيرة ندية تنبض بالعدل والتقوى ، وتتدفق بالقابليات الفذة ، والنزعات الخيرة ، وتلتقي بها سجاحة الخلق ، واصالة الرأي ، وعمق التفكير ، وقد اجمع المترجمون له أنه من احلم الناس ، واقدرهم على كظم الغيظ ، والصبر على الأذى والمكروه ، فما عرف من سيرته أنه قابل مسيئا باساءته ، ولا جازى مذنبا بذنبه ، وإنما كان يغدق عليهم بالاحسان ويقابلهم بالمعروف ، شأنه شأن جده الرسول (ص) الذي وسع الناس باخلاقه وحلمه.
وحسبها شهادة تدل على عظيم حلمه ادلى بها الد خصومه ، واحقد اعدائه مروان بن الحكم حينما بادر إلى حمل جثمانه الطاهر ، فاستغرب منه سيد الشهداء وقال له : « اتحمل جثمانه ، وكنت تجرعه الغصص؟! »
فقال مروان : « كنت افعل ذلك بمن كان يوازي حلمه الجبال » وكما كان من احلم الناس ، فقد كان من ابرز رجال الفكر في سداد الرأي وصواب التفكير ، وقد تجلى ذلك في صلحه مع معاوية ، وتجنبه من فتح باب الحرب ، فان البلاد كانت تضج بالحزبية ، وباع زعماء القبائل وقادة الجيش ذممهم على معاوية ، وانحازوا إلى معسكره لا
صفحہ 13
إيمانا بقضيته ، وانما طمعا بامواله ، واستجابة لرغباتهم النفسية التي تطمع بالنفوذ والسيطرة ، والثراء العريض ، مضافا إلى ذلك خبث جنوده ، وشدة خلافهم ، وايثارهم للسلم ، وغير ذلك من العوامل التي سنذكرها بالتفصيل في غضون هذا الكتاب ، فاستسلم عليه السلام للامر الواقع ، وصالح معاوية ، وقد صان بذلك الأمة ، وحفظ دماءها ، وجنبها من المضاعفات السيئة التي لا يعلم مدى خطورتها الا الله ، واجمع الرواة أنه كان أندى الناس كفا ، واوصلهم لعباد الله ، واعطفهم على الفقراء والمحرومين حتى لقب بكريم اهل البيت مع أنهم اصول الكرم ومعدن السخاء والمعروف وكانت تترى عليه وفود من الفقراء والمحتاجين فيفيض عليهم ببره ، ومعروفه وينقذهم بوافر عطاياه من ذل السؤال والحاجة إلى السعة والبسط في العيش والاستغناء عما في أيدى الناس.
واتفقت كلمة المؤرخين أنه كان اعبد أهل زمانه ، وأتقاهم واكثرهم عبادة ، وخوفا من الله ، وقد حج بيت الله الحرام خمسا وعشرين حجة وان النجائب تقاد بين يديه ، وقد عمل جميع الوسائل التي يتقرب بها إلى الله ، وتجرد عن لهو الحياة ، ونبذ جميع زخارفها ، وسنذكر ذلك بالتفصيل عند التحدث عن مثله ، ومظاهر شخصيته العظيمة.
ان سيرة الامام (ع) في جميع صورها من اروع سير العظماء والمصلحين الذين تعتز بهم الامة في جميع مجالاتها ، ويكفيها خلودا أنها شابهت سيرة النبي (ص) وحكت كريم طباعه وسجاياه.
* 2
ومشكلة تواجهنا في تأريخ الامام أبي محمد هي الاخبار الموضوعة التي ألصقت بتأريخه النير ، فقد دسها في التأريخ الاسلامي بعض الرواة من
صفحہ 14
اجراء السلطة الحاكمة فنسبوا له ما هو بعيد عنه ، اتهموا الامام انه كان عثماني الهوى ، وانه كان يندد بموقف أبيه يوم الدار ، لأنه لم يقم بعمليات النجدة ، ولم ينقذ عثمان ، وينجيه من أيدى الثوار ، كما أنه لم يكن من رأيه كما رووا أن يستجيب أبوه إلى رغبة الجماهير الذين هتفوا باسمه واصروا على ترشيحه لمنصب الخلافة ، وان امير المؤمنين عصاه على حد تعبيرهم واستجاب لدعوة الثوار.
والصقوا بسيرته الوضاءة انه كان كثير الزواج ، والطلاق ، وقد بالغوا في ذلك إلى حد بعيد فرووا أنه كان في اكثر أيامه يعقد على امرأة ويطلق أخرى ، والسبب في ذلك كله هو الحط من شأنه ، والتقليل من أهميته وقد دون تلك الروايات المؤرخون ، واستند إليها كتاب العصر وفي طليعتهم الدكتور طه حسين (1) فقد مال إليها ، وارسلها إلى القراء ارسال المسلمات ، ولم يتثبت في سندها ليتضح له أن رواتها قد وصموا بالوضع والانحراف عن أهل البيت ، وقد فندنا القسم الكثير منها في بحوثنا ودللنا على مواضع الضعف الذي فيها سواء أكان من ناحية السند أو من غيره.
إن اهم شيء تستدعيه ضرورة البحث هي غربلة الاخبار ، ومعرفة رواتها والتوثق منهم فمن كان صحيحا في نقله بعيدا عن الكذب غير متهم في دينه فيؤخذ بروايته ، ويعول عليها في بناء التأريخ الاسلامي ، ومن كان من الرواة منزلقا في احضان السلطة ويكتب لأغراضها ، ويدون لتدعيم سلطانها وهو في نفس الوقت غير متحرج ولا متأثم من الكذب والوضع فان الواجب أن ترد روايته ولا يعتمد على نقله ، والإسلام قد
صفحہ 15
أمرنا بصراحة بالتثبت في اخبار المتهمين في دينهم ، قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ) (1) والآية صريحة الدلالة في وجوب التثبت في اخبار الفساق ، واي أثم اعظم من ارتكاب الوضع وتعمد الكذب ، وهي في عمومها شاملة للاخبار عن الموضوعات الخارجية ، ومنها الاخبار عن الحوادث التأريخية وغيرها.
وعجيب وان كان خارجا عن الصدد أن تؤخذ بعين الرضا والقبول روايات شيخ المضيرة أبو هريرة الدوسي (2) والجلاد سمرة بن جندب ، ويعول عليها في بناء العقيدة الاسلامية مع أن في الكثير منها خروجا على سلطان العقل وحكمه ، وخروجا على حكم الاسلام الذي ما آمن والحمد لله بالخرافات والاوهام.
ان تنقية الاخبار ضرورة ملحة لكل باحث سواء أكانت متصلة بشئون الدين أو في غيره ولزوم طرح ما رواه المنحرفون واجراء السلطة فيما انفردوا بروايته.
* 3
والشيء البارز في العصر الذي عاش فيه الامام الحسن (ع) انتشار الحزبية ، وتفاعل تياراتها الهائلة ، فقد صمم الحزب القرشى الذي شكل قبل وفاة النبي (ص) على صرف الخلافة الاسلامية عن أهل البيت (ع)
صفحہ 16
لاسباب أهمها التهالك على الامرة والسلطان ، والحسد لعترة النبي (ص) على ما منحها الله من الفضائل والمواهب ، وقد أثر عنهم « ان النبوة والخلافة لا يجتمعان في بيت واحد » وهو كلام لا يعضده الدليل في جميع مناحيه ، وقد تعرض ابن عباس الى تزييفه بمنطقه الرصين فى محاورته مع عمر بن الخطاب ، فقد قال له عمر « بعد حديث طويل دار بينهما » :
« يا ابن عباس ، أتدري ما منع قومكم منكم بعد محمد (ص)؟ ». قال ابن عباس : فكرهت أن اجيبه ، فقلت له : إن لم أكن ادرى فان امير المؤمنين يدرى :
فقال عمر : « كرهوا أن يجمعوا لكم النبوة والخلافة فتجحفوا على قومكم بجحا ، بجحا ، فاختارت قريش لا نفسها فاصابت ، ووفقت. » وخاف ابن عباس من شدة عمر وغلظته أن يجابهه بتزييف كلامه فطلب منه الاذن ليصارحه بالواقع قائلا : « يا أمير المؤمنين ، إن تأذن لي في الكلام ، وتمط عني الغضب تكلمت .. ».
« تكلم يا ابن عباس ».
« أما قولك يا أمير المؤمنين : اختارت قريش لأنفسها فاصابت ووفقت ، فلو ان قريشا اختارت لانفسها من حين اختار الله لها لكان الصواب بيدها غير مردود ولا محسود ، واما قولك : انهم ابوا أن تكون لنا النبوة والخلافة ، فان الله عز وجل ، وصف قوما بالكراهة ، فقال : « ذلك بأنهم كرهوا ما انزل الله فأحبط اعمالهم ».
فثار عمر وقد لسعه قول ابن عباس : فقال له :
« هيهات يا بن عباس .. قد كانت تبلغني عنك أشياء أكره أن أقرك عليها فتزيل منزلتك منى .. » وخاف ابن عباس من سطوته فاجابه بناعم القول :
صفحہ 17
« ما هي يا أمير المؤمنين؟ فان كانت حقا فما ينبغي أن تزيل منزلتي منك ، وإن كانت باطلا فمثلي أماط الباطل عن نفسه ،. »
وهدأت ثورة عمر فقال له :
« بلغني أنك تقول : إنما صرفوها اي الخلافة عنا حسدا وبغيا وظلما! »
فاجابه ابن عباس بمنطقه الفياض :
« أما قولك يا أمير المؤمنين : ظلما فقد تبين للجاهل والحليم ، واما قولك حسدا فان آدم حسد ، ونحن ولده المحسودون!! »
فثار عمر ، وصاح به
« هيهات هيهات!! أبت والله قلوبكم يا بني هاشم إلا حسدا لا يزول .. »
وانبرى ابن عباس فرد عليه مقالته :
« مهلا يا أمير المؤمنين!! لا تصف بهذا قلوب قوم أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا .. » (1)
وكشفت هذه المحاورة عما تكنه قريش في نفوسها من الموجدة والكراهية لآل البيت فاختارت صرف الخلافة عنهم ، ويرى عمر أنها وفقت في ذلك ، ولكنها في الحقيقة لم توفق ، ولم تصب الرأي والرشد ، فقد انتج اختيارها أن يفوز الأمويون بالحكم ، وهم أعداء الاسلام وخصومه ، ومجزرة كربلا الرهيبة احدى مظاهر عدائهم ونقمتهم من الاسلام ، فقد صدرت الأوامر المشددة من القيادة العسكرية العليا إلى الجيش بإبادة اهل البيت واستئصال شأفتهم ، وأن لا يبقى على مسرح الحياة أحد من نسل آل محمد (ص) فابيدت تلك الصفوة الطاهرة من عترة الرسول (ص)
صفحہ 18
وتقطعت أوصالها على صعيد كربلا ، وحملت ودائع النبوة وكرائم الوحي سبايا تطوف بها ارذال العرب واجلافهم من بلد إلى بلد ، ولما انتهيت سبايا آل النبي (ص) الى يثرب يلتفت عمرو بن سعيد عامل يزيد عليها وهو جذلان مسرور الى قبر رسول الله (ص) فيخاطب جدثه الطاهر ويقول له :
« يوم بيوم بدر يا رسول الله. » (1)
ثم رقى منبر النبي ، وخاطب المسلمين فقال : ويا لهول ما قال « أيها الناس. إنها لدمة بلدمة ، وصدمة بصدمة ، كم خطبة بعد خطبة ، حكمة بالغة فما تغني النذر. »
وقبله قال يزيد :
لست من خندف إن لم انتقم
من بني أحمد ما كان فعل
هذا هو اختيار قريش الذي وفقت فيه كما يقولون قد اوجب هضم العترة الطاهرة التي هي عديلة القرآن الكريم في لزوم مراعاتها والاحتفاء بها ، فانا لله وإنا إليه راجعون
* 4
وقد نظرنا الى الحوادث التي جرت في عصر الامام أبي محمد (ع) نظرة امعان وتدبر ، فان التاريخ كما ذكرنا قد خلط بالموضوعات حتى اصبح من العسير أن يخلص المؤرخ إلى الحق في أيسر الأمور ، وقد استلخصنا من تلكم الحوادث كثيرا من الجوانب التي لها صلة في الكشف عن حياة الامام (ع) وبتصوير العصر الذي نشأ فيه.
وقد نشر هذا الكتاب قبل احدى عشرة سنة ، ونفذت نسخه ، ولم
صفحہ 19
يعد لها أي وجود في الأسواق ، وقد ترجمه إلى اللغة الاوردية فضيلة العلامة الجليل السيد محمد باقر النقوي حفظه الله ، وقد طبع في الهند بمطبعة ( اصلاح كجهو ابهار ) وإن كثيرا ممن تهمهم امثال هذه البحوث قد رغبوا في اعادة طبع الكتاب بعد نفاذ نسخه ، وكنت أرجئ ذلك إلى وقت آخر أملا في اعادة النظر فيه لأني اعتقد أن فيه بعض الفصول تحتاج إلى مزيد من البسط والتفصيل وقد تفضل علي أخي العلامة التقي الشيخ هادي القرشي فابدى رغبته الملحة في مراجعة الكتاب ومعاودة النظر فيه فلم أر بدا من اجابته فراجعت الجزء الاول منه ، واضفت إليه كثيرا من البحوث ، ولعل القارئ يجد أن هذه الطبعة غير الطبعة الأولى لما فيها من الاضافات ، واناقه الطبع ، وروعة التنسيق ودقة الاخراج التي اشتهرت بها مطابع الآداب.
وقبل أن انهى هذا التقديم ارفع اعمق الامتنان ، وجزيل الشكر إلى حضرة المحسن الوجيه الحاج محمد رشاد عجينة لتبرعه بطبعه سائلا من الله أن يوفقه لكل مسعى نبيل وأن يتولى جزاءه عن ذلك انه ولي التوفيق.
صفحہ 20
* بسم الله الرحمن الرحيم
* (1)
لريحانة الرسول (ص) وسبطه الأول الإمام الزكي الحسن بن المؤمنين علي (ع) حياة مثالية وسيرة فواحة عطرة تتدفق بها طاقات الاسلام الثرة الندية ، وتتمثل فيها سيرة النبي (ص) واخلاقه واتجاهاته ، وتتجسد فيها جميع عناصر التربية الاسلامية الرفيعة فهي بحق من اروع الشخصيات الفذة التي لمعت في سماء الأمة الإسلامية ، وفي طليعة الذوات الخيرة التي تحلى بها قاموس الإنسانية ، وذلك لما اتصفت به من الحلم والعلم والخلق والسجاحة والسخاء وغير ذلك من الصفات الرفيعة التي شابهت صفات الرسول وحكت اخلاقه.
وحفلت حياة الامام (ع) بالمصاعب والكوارث ، وامتحن امتحانا عسيرا بالامويين الذين جرعوه اقسى الوان الخطوب والآلام فقد ابتلى بهم الامام كما ابتلى بهم جده وأبوه من قبل ، فقد كان الامويون يكنون في دخائل نفوسهم واعماق قلوبهم بغضا عارما للهاشميين ، ومصدر ذلك العداء يرجع الى التنافر الذاتي بين الاسرتين واختلاف طباعهما وتباين اتجاههما ، فقد كان الهاشميون يمثلون الاريحية والشمم والإباء والوفاء وحماية الضعيف وقرى الضيف ، وكانت أندية العرب ومجالسهم تتحدث عن مكارمهم ولين طباعهم ، وعما تركوه فى ربوع مكة من أنظمة للعدل واسباب للنعيم والتجارة ، وأما ( الامويون )
صفحہ 21
فقد عرفوا باللؤم والجفاء والغلظة والغدر والخيانة ، وعدم الاستجابة أو المساهمة فى أي عمل من اعمال الخير ، وهم فى جاهليتهم واسلامهم سواء لم تصدر منهم بادرة من بوادر الكرم أو ظاهرة من ظواهر الاصلاح والنفع العام يقول فيهم الجاحظ :
« ليس لهم قدم مذكور ولا يوم مشهود فلا سابقة ولا جهاد ، وإذا كان شيء من هذا فانما يكون فيما يضر الناس ».
ولما أسس الهاشميون فى الجاهلية حلف الفضول الذي كان شعاره مناصرة المظلوم حتى يدفعوا عنه ظلامته ، ومنع القوي من ظلم الضعيف ، والقاطن من الاعتداء على الغريب كان الامويون وحدهم قد تخلفوا عن مناصرة هذا الحلف والانتماء إليه لدوافع أهمها ان هذا الحلف يتنافى مع ميولهم التي طبعت على الظلم والاعتداء ، والغرور والحسد للهاشميين.
* (2)
ولما صدع الرسول الاعظم (ص) برسالته الخالدة الداعية الى يقظة الضمير وتحرير العقول ثقل على الامويين هذا المجد الذي اختص بالهاشميين ، وعظم عليهم الأمر فألهبت قلوبهم بالحقد والكراهية ، وقد تحدث الحكم ابن هشام مع قرينه فى الشرك أبي جهل فاعرب له عما يكنه فى قرارة نفسه من البغض العارم للهاشميين وعدم الاستجابة لدعوة الاسلام قائلا :
« تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف أطعموا فاطعمنا ، وحملوا فحملنا حتى إذا تحاذينا على الركب وكنا كفرسي رهان ، قالوا : منا نبي يأتيه الوحي من السماء فمتى ندرك مثل هذا ، واللات لا نؤمن به ولا نصدقه ». وقد اجمعت كلمتهم على مكافحة الدعوة الاسلامية فألبوا على الرسول (ص) القبائل وقادوا الجيوش لمناجزته ، ولكن الله رد كيدهم فى نحرهم
صفحہ 22
ونصر الاسلام وأعز رسوله فقد تحطمت قوى الامويين ومن تابعهم من شذاذ الآفاق وأعداء الاسلام ، واتجهت الجيوش الاسلامية الظافرة الى احتلال مكة المكرمة ، وقد وقع أبو سفيان أسيرا هو والعباس بيد القوات الاسلامية الزاحفة فأمر الرسول (ص) بحبسهما في المضيق ليشاهد أبو سفيان قوة المسلمين وضخامة جيشهم ، واجتازت عليه القوات العسكرية الهائلة فوقف مذهولا مبهوتا قد انهارت قواه وانطلق يقول للعباس :
« لقد اصبح ملك ابن اخيك اليوم عظيما!! »
فأجابه العباس : انها النبوة
فقال أبو سفيان بصوت خافض متحجر : نعم اذن
إنها لكلمة يسمعها بأذنه فلا يفقهها قلبه فما كان مثل هذا القلب ليفقه الا معنى الملك والسلطان ، كما يقول السيد قطب : (1)
واطلق رسول الله (ص) سراح أبي سفيان ، ومنحه العفو كما منح أهل مكة فانطلق يهرول قد غمرته عظمة المسلمين وقوتهم وهو يهتف بين قومه. « من دخل داره فهو آمن ، ومن ألقى سلاحه فهو آمن ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن »
ولما سمعت هند زوجته ذلك وشعرت بخوفه وايثاره العافية وطلبه للسلم جعلت تصيح وهي حانقة مغيضة « اقتلوا الخبيث الدنس الذي لا خير فيه ، قبح من طليعة قوم ، هلا قاتلتم ، ودفعتم عن انفسكم وبلادكم!! » تحرض بذلك قريشا على الحرب ، وتلهب فى نفوسهم نار الثورة ، وروح العصبية ، ودخل رسول الله (ص) مكة فاتحا ، وقام بتطهير البيت الحرام من الاوثان والاصنام ، وقد حطمها امير المؤمنين (ع) فكسر لاتهم وهبلهم ، وصعد بلال فوق ظهر الكعبة يؤذن للصلاة فلما سمعه
صفحہ 23