وتقدم الخليفة، باحضار الأمير شمس الدين باتكين أمير البصرة فكوتب بالحضور فوصل من البصرة إلى رابع ذي القعدة، وحضر نصيرالدين أبن الناقد نائب الوزارة فشافهه بولاية أربل وتقدم إليه بالتوجه إليها على فوره، فتوجه من وقته فوصلها في تاسع عشر الشهر وحضر عند شرف الدين أقبال الشراب في المخيم يظاهر أربل، فخلع عليه وقلده سيفا وأمطاه فرسا وأعطاه كوسات واعلاما، فركب في جمع كثير من الأمراء والأجناد ودخل الجامع فقرىء عهده به بمحضر من أهل البلد وغيرهم، تولى قرأته ظهير الدين الحسن بن عبد الله، وكان قد عين عليه لوزارته، وركب إلى القلعة ونزل في دار الإمارة التي كان يسكنها مظفر الدين، ثم خلع الشرابي على ظهير الدين الحسن بن عبد الله ثم على ظهير الدين الحسن بن المصطنع وجعله مشرفا عليه، ورتب معها كاتبا الاجل ابن عبدان النصراني ثم رتب جمال الدين أبن عسكر الانباري عارضا للجيش هناك، وجعل عليه مشرفا عز الدين محمد بن صدقة وخلع عليهما فلما قرر القواعد وفرغ مما يريده، رحل عائدا إلى بغداد والأمراء والعساكر في خدمته، فوصل ظاهر إلى الخالص في عاشر ذي الحجة فنزل بقرية تعرف - بقرية أبي النجم - فخرج الخلق الكثير إلى تلقيه فصلى هناك ونحر وضحى ومد سماطا عظيما، ثم رحل في حادي عشر ذي الحجة متوجها إلى بغداد فلما وصل ظاهر سوق السلطان خلع على جميع أصحابه ومن كان في خدمته من النواب والاتباع والحاشية، وخرج إليه جميع الولاة وأرباب المناصب والاماثل والاعيان فلقوه بظاهر السور ولم يخلف أحد من الخروج سوى الوزير، ثم سار حتى وصل دجلة ونزل عند المسناة في شبارة الخليفة وقبلها وتضرع بالدعاء وبكى فخشع الحاضرون لبكائه ثم نزل فيها وانحدر إلى دار الخلافة فتلقي بالاكرام ثم خلع عليه وقلد سيفين وقدم له فرس فركبه من باب البستان ورفع وراءه سنجقان، وأما الأمراء جميعهم فأنهم دخلوا البلد وقصدوا دار الخليفة، ودخلوا من باب الحرم بموجب ما رسم لهم وجلسوا في باب الأتراك إلى أن خرج راكبا فقبلوا يده ومشوا بين يده إلى باب الباتني ثم ركبوا وساروا في خدمته إلى داره بالبدرية فلما نزل عن مركوبه خدموا وعادوا قاصدين دار نصير الدين نائب الوزارة فلقوه فخلع عليهم اجمعين، وأعطى كل واحد فرسا بمركب وخمسة آلاف دينار وأنعم على من دونهم على قدر مرتبته من الالفين إلى الخمسمائة، ثم خلع على جميع المماليك الناصرية والظاهرية والمستنصرية وأعطى كل واحد خمسين دينارا، ثم أنعم على جميع الجند ومماليك الأمراء والعرب من ثلاثين إلى خمسة عشر، ثم أحضر علاء الدين أبو طالب هاشم بن الأمير السيد العلوي وولي عارض الجيش، وخلع عليه بدار الوزارة عوضا عن ظهير الدين بن عبد الله، وولي الأمير أرغش الرومي الناصري إمارة البصرة وخلع عليه وتوجه إليها.
ذكر عدة حوادث
وفي هذه السنة، دخل قوم على رجل يعرف بابن اللؤلؤي داره بالعنوتين وقتلوه، ظنا أنه معه ذهبا فلم يروا معه شيئا ولم يعرف لهم خبر.
وفيها. خنق إنسان يعرف بمحمد الخياط نسيب لبني ياسين نفسه بحبل في داره باللوزية قيل أنه كان شديد الضائقه وعنده تعفف وعزوف نفس عن الطلب.
وفيها، توفي أبو محمد عبد الله بن الشيخ أبي النجيب السهروردي، من بيت التصوف وأولاد المشائخ، ذكر أنه خرج عن جميع ماله ووقفه، فلما قدم الشيخ شهاب الدين عمر السهروردي قدم على غاية الفقر مجردا من الدنيا فضاق صدر الشيخ أبي النجيب كيف لم يرضخ في الوقف بنصيب، فسأل ولده أن يعطيه شيئا من نصيبه فلم يوافق فقال له الشيخ أبو النجيب وقد احتد: والله لتحتاجن إليه، ومضى على ذلك برهة فتقدم الشيخ شهاب الدين وأثرت حاله وفتحت عليها الدينا فأحتاج عبد الله هذا إليه واسترفده وما زال يواصله إلى أن مات.
وفيها، توفي أبو المحاسن محمد بن نصر الأنصاري المعروف بابن عنين الكوفي أصلا، ولد بدمشق ونشأ بها، وهو شاعر مشهور سافر إلى الآفاق في التجارة ومدح الأكابر في كل البلاد، وكان ظريفا حسن الأخلاق جميل المعاشرة ذا ثروة، وكانت وفاته بدمشق، وحج بالناس في هذه السنة، الأمير شمس الدين أصلان تكين.
سنة أحدى وثلاثين وستمائة
في المحرم، أعيدت الحلة السيفية إلى الأمير جمال الدين قشتمر الناصري وتوجه إليها.
صفحہ 13