مصر. شبرا، صيف 1929
غرض هذه الرواية
في حين أن المدنية الحاضرة تتباهى بتأييد الحرية والإخاء، والمساواة نرى هيئتنا الاجتماعية تئن تحت جور ثقيل؛ ذلك لأن ناموسا أدبيا يتساهل مع أحد شطريها - «الرجل» ويظلم الشطر الآخر - «المرأة» يجر الرجل المرأة إلى الدنس، والمرأة وحدها تشقى به، فأين ما تدعيه المدنية من المساواة إذا كان التمدن قد بلغ إلى القمة الآن، فلم يزل هذا الظلم الفاضح الباقي من آثار الهمجية ندبة تشوه وجهه.
لا أقصد أن أبرئ المرأة من الإثم الذي تشارك فيه الرجل، وإنما أشكو من اغتفار هذا الإثم للرجل الذي يجرها إليه وآسف لشقائها فيه وحدها، ومن سوء الحظ أن الأمم الغربية السابقة في مضمار التمدن الحديث أخذت تتسامح به مع المرأة، كما تسامحت مع الرجل كأنها تقول: إذا لم يكن بد من اغتفاره للرجل فلماذا لا يغتفر للمرأة؟ لماذا تسام المرأة وحدها العذاب به، وهي الضلع الثاني فيه؟
كان هذا الموضوع الاجتماعي يغلي في ضميري، وأنا لا أدري كيف أبث أفكاري فيه إلى أن حضرت ذات يوم تمثيل رواية مترجمة كان من جملة حوادثها العرضية أن سيد المنزل أغوى فتاة كانت وصيفة زوجته، ولما فضحت الطبيعة عارها نبذها نبذ النواة، وبقي سيدا في بيته عزيزا في قومه، وأما الفتاة فانقذفت في العالم ملطخة بعارها.
ولم يكن لهذا الحادث شأن خطير في سياق تلك الرواية، ولا كان بيت القصيد فيها بل كان كما قلته آنفا حادثا عرضيا فيها، ولم يعلق واضع الرواية أهمية عليه البتة كأنما هذا الحادث عندهم أمر عادي، ولعل السبب أنهم أصبحوا يغتفرون هذه الزلة للمرأة كما يغتفرونها للرجل.
فخرجت من دار التمثيل متأثرا من حادثة الفتاة، ومن إغفال مؤلف الرواية أهميتها، وعقدت النية على أن أضع رواية تحوم حول هذا المغزى، وقد أطمعني بالنجاح ما رد إلي من صدى الاستحسان لرواياتي الصغيرة، وما نمت تلك الليلة حتى تكون في مخيلتي هيكل «حواء الجديدة»، وفي الصباح التالي شرعت في إنشائها فنجز في أسبوعين، ثم عرضتها على من أثق بحكمهم؛ لكي يصدقوني رأيهم فيها خشية أن يخدعني الغرور، فأجازوا أنها مما يقرأ، ولولا ذلك ما أقدمت على طبعها.
ولما كانت مباحثها تمس حياتنا الأدبية اليومية كل المساس وضعتها في أفواه أشخاصها، وجعلتها من ضروريات محاوراتهم؛ لكيلا يملها القارئ بل يتلقنها من غير إعمال ذهن ويتفهمها بقليل روية، فقارئ «حواء الجديدة» يقرأ تشريحا لعضو جوهري في جسم الشريعة الأدبية؛ ولذلك يتعين عليه أن يقرأها متئدا، ويحسن أن يقف عند كل عبرة متأملا عسى أن يكون له رأي آخر، ولعله يخطئ إن عجل في قراءتها ليعلم ماذا يكون من أمر أشخاصها، إذ يفوته الغرض الجوهري المقصود منها.
يونيو سنة 1906
نقولا الحداد
نامعلوم صفحہ