ولكن هذه الظنون كانت تصدق علي لا على إيفون.
عقدت النية أخيرا أن أنتهج أي المناهج لسلوها فرحت أستشفي من داء بداء، عثرت في تلك الأثناء على غادة من رصيفاتها تدعى المدموازيل «ميراي»، فعمدت إلى التحبب إليها فما كلفتني أن أسعى وراءها خطوتين حتى صرنا عشيقين، لم أمل إليها من قلبي في بدء الأمر؛ لأني لم أكن قد شفيت من حب إيفون بيد أني جالدت قلبي في هواها، كما يجالد العليل نفسه في تجرع الدواء، وبعد بضعة أيام أصبحت أسكن إلى عشرتها وأطمئن لمجلسها، ولكني كنت إذا تذكرت أيامي القصيرة مع إيفون شعرت أني كنت ممتعا منها بقلب حي، ومن ميراي بتمثال أصم، فأين الجماد من الحياة.
كانت ميراي تبش لي وتلاطفني وتضاحكني، وتغار إذا جاملت غيرها وتغاضبني إذا تأخرت عن ميعادي بلقائها، ولكنها كانت تجود بعديم الثمن لتنال الثمين، تتاجر بلا رأس مال.
ميراي باعتني جمالها بالمال، وقايضتني دلالها بالحلي، وأما إيفون فأهدت إلي عواطفها ووهبتني قلبها فكنت كنودا.
إيفون مستثناة بين زميلاتها؛ ولهذا أروي لك قصتي معها.
الفصل العاشر
وقد الوجد
في تلك الأثناء كنت وأحد أصحابي المسيو ريشار وعشيقتي ميراي وفتاة أخرى تدعى المدموازيل روشل في حانة، وقد أخذ منا السرور، فخطر لي خاطر مفاجئ فاصطحبتهم إلى إيفون قبيل المساء، استقبلتنا إيفون مبهوتة ولم يسعها إلا أن تفتح لنا المقصف، جلسنا حول مائدة وطلبنا أشربة مختلفة، وسألنا فانتين أن تجلس معنا، فتمنعت في بدء الأمر فأرغمتها، فخافت إيفون أن مخالفتها لي تفضي إلى شر فغمزتها كأن توعز إليها أن تطاوع، وعند ذلك أرسلت الخادم لكي يشتري لي سيجارا، واغتنمت فرصة غيابه وقلت لإيفون: كاس وسكي لفانتين.
فنهضت فانتين قائلة: «أنا آتي به» فأمسكت بيدها وأقعدتها قائلا: «بل اقعدي ليس هذا شغلك الآن»، فقعدت مكرهة وفي الحال أحضرت إيفون كأسا، فقلت لها: كأس فرموث لمدموازيل ميراي، فأتت بها، ثم قلت: كأس فرموث آخر للمدموازيل روشل، فأحضرتها ثم قلت: كأس كونياك للمسيو ريشار، فجلبتها، وحينئذ لم تتمالك دمعها فأسرعت إلى غرفتها؛ لكي تخفي حزنها الشديد الأليم، ولكني لم أمهلها دقيقة واحدة فصفقت لها فأتت، فقلت: كأس وسكي لي، فقدمتها وهي تجاهد في رد دمعها، عند ذلك أتى الخادم فخرجت إلى غرفتها، ولا ريب أنها أغرقت في البكاء هناك.
أما نحن فكنا نمزح تارة ونهزأ أخرى، وصدى لغطنا وقهقهتنا يتردد في غرف المنزل ويصدع آذان إيفون، ولما لعبت الخمور في رءوسنا صرنا نتلاثم ونتضام، وشعرت أن فانتين كانت مرتعبة حينذاك وتحاول أن تفر من بيننا، ولكني كنت قابضا على كفها.
نامعلوم صفحہ