ـ[حاشيتا قليوبي وعميرة]ـ
المؤلف: أحمد سلامة القليوبي وأحمد البرلسي عميرة
الناشر: دار الفكر - بيروت
عدد الأجزاء: ٤
الطبعة: بدون طبعة، ١٤١٥هـ-١٩٩٥م
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
- بأعلى الصفحة: «شرح العلامة جلال الدين المحلي على منهاج الطالبين للشيخ محيي الدين النووي»
- بعده (مفصولا بفاصل): حاشية أحمد سلامة القليوبي (١٠٦٩ هـ)
- بعده (مفصولا بفاصل): حاشية أحمد البرلسي عميرة (٩٥٧هـ.)
أحمد سلامة القليوبي ١- الاسم: أحمد بن أحمد بن سلامة أبو العباس، شهاب الدين القليوبي. ٢- مذهبه: شافعي. ٣- مولده: ٤- وفاته: ١٠٧٠ هـ - ١٦٥٩م. ٥- منزلته العلمية: فقيه شافعي، متأدب من أهل قليوب بمصر له حواش وشروح ورسائل. ٦- أبرز شيوخه: ٧- أبرز تلاميذه: ٨- أهم مصنفاته: تحفة الراغب، فضائل مكة والمدينة وبيت المقدس، أوراق لطيفة، الهداية من الضلالة في معرفة الوقت والقبلة من غير آلة، حاشية على جمع الجوامع، حاشية على شرح الجلال المحلي على منهاج النووي. (الأعلام ١/٨٨ - الكتبغانة ٥/٣٢٨) .
أحمد البرلسي عميرة ١- الاسم: شهاب الدين أحمد البرلسي المصري، الملقب بعميرة. ٢- مذهبه: شافعي. ٣- مولده: ٤- وفاته: ٩٥٧هـ. ٥- منزلته العلمية: الإمام العلامة المحقق، كان فقيها أصوليا، زاهدا ورعا، حسن الأخلاق، انتهت إليه رياسة المذهب. ٦- أبرز شيوخه: الشيخ عبد الحق السنباطي، البرهان بن أبي شريف، النور المحلي، وغيرهم. ٧- أبرز تلاميذه: ٨- أهم مصنفاته: حاشية على شرح جمع الجوامع للسبكي. (معجم المؤلفين ٨/١٣ - شذرات الذهب ٨/٣١٦) .
أحمد سلامة القليوبي ١- الاسم: أحمد بن أحمد بن سلامة أبو العباس، شهاب الدين القليوبي. ٢- مذهبه: شافعي. ٣- مولده: ٤- وفاته: ١٠٧٠ هـ - ١٦٥٩م. ٥- منزلته العلمية: فقيه شافعي، متأدب من أهل قليوب بمصر له حواش وشروح ورسائل. ٦- أبرز شيوخه: ٧- أبرز تلاميذه: ٨- أهم مصنفاته: تحفة الراغب، فضائل مكة والمدينة وبيت المقدس، أوراق لطيفة، الهداية من الضلالة في معرفة الوقت والقبلة من غير آلة، حاشية على جمع الجوامع، حاشية على شرح الجلال المحلي على منهاج النووي. (الأعلام ١/٨٨ - الكتبغانة ٥/٣٢٨) .
أحمد البرلسي عميرة ١- الاسم: شهاب الدين أحمد البرلسي المصري، الملقب بعميرة. ٢- مذهبه: شافعي. ٣- مولده: ٤- وفاته: ٩٥٧هـ. ٥- منزلته العلمية: الإمام العلامة المحقق، كان فقيها أصوليا، زاهدا ورعا، حسن الأخلاق، انتهت إليه رياسة المذهب. ٦- أبرز شيوخه: الشيخ عبد الحق السنباطي، البرهان بن أبي شريف، النور المحلي، وغيرهم. ٧- أبرز تلاميذه: ٨- أهم مصنفاته: حاشية على شرح جمع الجوامع للسبكي. (معجم المؤلفين ٨/١٣ - شذرات الذهب ٨/٣١٦) .
نامعلوم صفحہ
[المقدمة]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إنْعَامِهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ هَذَا مَا دَعَتْ إلَيْهِ حَاجَةُ الْمُتَفَهِّمِينَ لِمِنْهَاجِ
ــ
[حاشية قليوبي]
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا يُوَافِي نِعَمَهُ بِمَنِّهِ وَإِفْضَالِهِ، وَيُدَافِعُ نِقَمَهُ بِعِزِّهِ وَجَلَالِهِ، وَيُكَافِئُ مَزِيدَهُ بِحُسْنِ فِعَالِهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَتَابِعِيهِ فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ، مَا دَامَ الْمَوْلَى يَتَفَضَّلُ عَلَى عَبِيدِهِ بِنَوَالِهِ.
(أَمَّا بَعْدُ): فَهَذَا مَا تَيَسَّرَ جَمْعُهُ مِنْ الْحَوَاشِي عَلَى الْمِنْهَاجِ وَشَرْحِهِ لِلْجَلَالِ الْمَحَلِّيِّ، وَعَلَى مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْمَنْهَجِ وَشَرْحِهِ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ لَمْ يُنْسَجْ قَبْلَهُ عَلَى مِثَالِهِ، مُشْتَمِلٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ مِنْ الْخِلَافِ فِيهِمَا، وَمُبَيِّنٌ لِغَوَامِضِ مَا خَفِيَ مِنْ عِبَارَتِهِمَا، وَمُنَبِّهٌ عَلَى دَفْعِ اعْتِرَاضَاتٍ مِنْهُمَا وَمِنْ غَيْرِهِمَا، وَجَامِعٌ لِمَا تَفَرَّقَ فِي الْحَوَاشِي عَلَيْهِمَا وَغَيْرِهِمَا، مَعَ زِيَادَاتٍ يُسَرُّ بِهَا النَّاظِرُ إلَيْهَا، وَفَوَائِدَ مُهِمَّةٍ يَعْرِفُهَا الْمُطَّلِعُ عَلَيْهَا، وَمُنَاقَشَاتٍ جَمَّةٍ مُحْتَاجٍ لِلْوُقُوفِ عَلَيْهَا مِمَّنْ جَرَّدَ فَهْمَهُ عَنْ التَّعَسُّفِ وَاحْتِمَالِهِ وَخَالٍ عَنْ الْحَشْوِ وَالتَّطْوِيلِ وَعَنْ الْعَزْوِ غَالِبًا لِإِرَادَةِ التَّسْهِيلِ وَكَثْرَةِ الْإِفَادَةِ وَالتَّحْصِيلِ، وَسُرْعَةِ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْمُرَادِ مِنْ أَقْوَالِهِ، وَاَللَّهُ الْمَسْئُولُ فِي النَّفْعِ بِهِ عَلَى التَّعْمِيمِ، وَأَنْ يَجْعَلَهُ خَالِصًا لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ وَسَبَبًا لِلْفَوْزِ بِالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ فَإِنَّهُ الْقَادِرُ عَلَى ذَلِكَ بِكَرَمِهِ وَإِجَابَةِ سُؤَالِهِ وَحَسْبُ مَنْ جَعَلَهُ وَكِيلًا لَهُ فِي سَائِرِ أَحْوَالِهِ. قَوْلُهُ: (عَلَى إنْعَامِهِ) هُوَ خَبَرٌ ثَانٍ لِلْحَمْدِ وَقَدَّمَ الْأَوَّلَ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ لِلذَّاتِ وَهَذَا لِلْوَصْفِ، وَقَيَّدَ الْحَمْدَ بِالْإِنْعَامِ لِوُقُوعِهِ كَالْوَاجِبِ أَوْ وَاجِبًا لِأَنَّهُ مَعَ عَدَمِهِ مُحْتَمِلٌ لِلنَّدَبِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُنْعَمَ بِهِ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ الْخُصُوصِ وَإِفَادَةِ الْإِحَاطَةِ وَالشُّمُولِ لِكُلِّ مَا يَتَعَلَّقُ، بِهِ الْإِنْعَامُ لِلْقُصُورِ عَنْ تَعْدَادِهِ إجْمَالًا وَتَفْصِيلًا. قَوْلُهُ: (وَالصَّلَاةُ إلَخْ) سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ وَمُحَمَّدٍ، وَأَمَّا السَّيِّدُ فَيُطْلَقُ عَلَى الشَّرِيفِ فِي قَوْمِهِ أَوْ الْعَظِيمِ أَوْ الْمُقْتَدَى بِهِ أَوْ الْمَالِكِ، وَأَصْلُهُ سَيْوِدٌ بِكَسْرِ الْوَاوِ فَقُلِبَتْ يَاءً لِتَحَرُّكِهَا وَاجْتِمَاعِهَا مَعَ الْيَاءِ السَّاكِنَةِ السَّابِقَةِ عَلَيْهَا، ثُمَّ أُدْغِمَتْ فِيهَا. وَأَمَّا الْآلُ فَهُمْ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ مِنْ أَوْلَادِ هَاشِمٍ وَالْمُطَّلِبِ، وَقِيلَ: عِتْرَتُهُ الْمَنْسُوبُونَ إلَيْهِ مِنْ أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ بَنَاتِهِ مَا تَنَاسَلُوا، وَقِيلَ: أُمَّةُ الْإِجَابَةِ.
قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: وَهُوَ الْأَقْرَبُ لِلصَّوَابِ، وَاخْتَارَهُ النَّوَوِيُّ، وَأَصْلُهُ أَهْلٌ فَقُلِبَتْ الْهَاءُ هَمْزَةً، وَإِنْ كَانَتْ أَثْقَلَ مِنْهَا، لِيُتَوَصَّلَ بِهِ إلَى قَلْبِهَا أَلِفًا، وَقِيلَ: أَصْلُهُ أَوَلُ بِفَتْحِ الْوَاوِ فَقُلِبَتْ أَلِفًا لِتَحَرُّكِهَا وَانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا، وَقِيلَ: كُلٌّ مِنْهُمَا أَصْلٌ بِدَلِيلِ مَا سُمِعَ مِنْ الْعَرَبِ مِنْ تَصْغِيرِهِ عَلَى أُهَيْلٍ وَأُوَيْلٍ، وَاخْتَارَهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ، وَلَا يُضَافُ إلَّا إلَى الْعُقَلَاءِ مِنْ الْأَشْرَافِ، وَلَوْ ادِّعَاءً جَبْرًا لِمَا لَحِقَهُ مِنْ التَّغْيِيرِ، بِخِلَافِ أَهْلٍ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ تَصْغِيرَهُ لِأَنَّهُ لِبَيَانِ أَصْلِهِ وَلِإِمْكَانِ اسْتِعْمَالِهِ فِيمَنْ هُوَ دُونَ غَيْرِهِ فَلَيْسَ لِلتَّحْقِيرِ.
قَوْلُهُ: (وَأَصْحَابِهِ) جَمْعُ صَحْبٍ لَا جَمْعُ صَاحِبٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ، وَصَحْبُ اسْمُ جَمْعٍ لِصَاحِبٍ، وَقِيلَ: جَمْعٌ لَهُ، وَهُوَ بِمَعْنَى الصَّحَابِيِّ، وَهُوَ مَنْ اجْتَمَعَ مُؤْمِنًا بِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ حَالَ نُبُوَّتِهِ فِي حَيَاتِهِ وَإِنْ لَمْ تَطُلْ صُحْبَتُهُ لَهُ، أَوْ لَمْ يَرَهُ، وَالْمُرَادُ الِاجْتِمَاعُ الْعُرْفِيُّ فَيَدْخُلُ نَحْوُ الْأَعْمَى وَالْمَجْنُونِ وَالنَّائِمِ وَالصَّغِيرِ وَالْخَضِرِ وَعِيسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ -، وَيَخْرُجُ مَنْ رَآهُ فِي النَّوْمِ أَوْ اجْتَمَعَ بِهِ فِي السَّمَاءِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَدَخَلَ فِي الصَّحَابِيِّ الْآدَمِيُّ وَالْجِنِّيُّ وَالْمَلَكُ، وَخَرَجَ بِالْمُؤْمِنِ الْكَافِرُ وَلَوْ حُكْمًا كَالصَّغِيرِ وَاشْتِرَاطُ الْمَوْتِ عَلَى الْإِيمَانِ لِدَوَامِ الصُّحْبَةِ بَعْدَ مَوْتِهِ لَا لِتَسْمِيَتِهِ صَحَابِيًّا، وَعَطَفَ الصَّحْبَ عَلَى الْآلِ لِتَشْمَلَ الصَّلَاةُ بَاقِيَهُمْ مِنْ غَيْرِ الْآلِ فَهُوَ أَعَمُّ مُطْلَقًا بِالنَّظَرِ لِقَيْدِهِ السَّابِقِ وَمِنْ وَجْهٍ بِعَدَمِ النَّظَرِ لَهُ.
قَوْلُهُ: (هَذَا) هُوَ إشَارَةٌ إلَى الشَّرْحِ وَهُوَ كَبَقِيَّةِ أَسْمَاءِ الْكُتُبِ وَالتَّرَاجِمِ اسْمٌ لِلْأَلْفَاظِ بِاعْتِبَارِ دَلَالَتِهَا عَلَى الْمَعَانِي كَمَا يَأْتِي وَهُوَ الْأَصَحُّ مِنْ الِاحْتِمَالَاتِ الثَّمَانِيَةِ، وَهُوَ مِنْ حَيِّزِ عَلَمِ الْجِنْسِ، فَلَا حَاجَةَ لِمَا أَطَالُوا بِهِ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ فِي مَحَلِّهِ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (مَا دَعَتْ) لَمْ يَقُلْ مَا اشْتَدَّتْ كَمَا قَالَهُ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ لِكَثْرَةِ شُرُوحِ الْمِنْهَاجِ وَجَلَالَةِ مُؤَلِّفِيهَا السَّابِقِينَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ ﵁ وُلِدَ سَنَةَ إحْدَى وَتِسْعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ، وَمَاتَ ﵀ أَوَّلَ يَوْمٍ مِنْ سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ وَثَمَانِمِائَةٍ، وَعُمْرُهُ نَحْوَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً، وَأَخَذَ الْفِقْهَ عَنْ الشَّيْخِ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْعِرَاقِيِّ، وَهُوَ عَنْ الشَّيْخِ عَلَاءِ الدِّينِ الْعَطَّارِ، وَهُوَ عَنْ الْإِمَامِ النَّوَوِيِّ. قَوْلُهُ: (الْمُتَفَهِّمِينَ) جَمْعُ
ــ
[حاشية عميرة]
قَوْلُ الشَّارِحِ: (هَذَا مَا دَعَتْ إلَيْهِ) الْإِشَارَةُ لَمَوْجُودٍ فِي الذِّهْنِ إنْ كَانَتْ الْخُطْبَةُ مُتَقَدِّمَةً، أَوْ لَمَوْجُودٍ فِي الْخَارِجِ إنْ كَانَتْ مُتَأَخِّرَةً، وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ اشْتَدَّتْ كَمَا قَالَ فِي شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ لِكَثْرَةِ الشُّرُوحِ عَلَى الْمِنْهَاجِ وَجَلَالَةِ مُؤَلِّفِيهَا. قَوْلُ الشَّارِحِ:
1 / 3
الْفِقْهِ مِنْ شَرْحٍ يُحِلُّ أَلْفَاظَهُ وَيُبَيِّنُ مُرَادَهُ، وَيُتَمِّمُ مُفَادَهُ عَلَى وَجْهٍ لَطِيفٍ خَالٍ عَنْ الْحَشْوِ وَالتَّطْوِيلِ حَاوٍ لِلدَّلِيلِ وَالتَّعْلِيلِ، وَاَللَّهَ أَسْأَلُ أَنْ يَنْفَعَ بِهِ وَهُوَ حَسْبِي وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) أَيْ أَفْتَتِحُ (الْحَمْدُ لِلَّهِ) هِيَ مِنْ صِيَغِ الْحَمْدِ وَهُوَ الْوَصْفُ
ــ
[حاشية قليوبي]
مُتَفَهِّمٍ، وَهُوَ طَالِبُ الْفَهْمِ أَيْ الْمُتَعَلِّمُ أَوْ الْمُعَلِّمُ.
قَوْلُهُ: (لِمِنْهَاجِ الْفِقْهِ) الْمِنْهَاجُ وَالْمَنْهَجُ فِي الْأَصْلِ الطَّرِيقُ الْوَاضِحُ، وَقَدْ وَجَدْت تَسْمِيَةَ الْكِتَابِ بِذَلِكَ بِخَطِّ الْإِمَامِ النَّوَوِيِّ عَلَى ظَاهِرِ نُسْخَتِهِ، وَإِضَافَتُهُ إلَى الْفِقْهِ لِإِخْرَاجِ مِنْهَاجِ الْأُصُولِ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (مِنْ شَرْحٍ) هُوَ الْكَشْفُ وَالْإِظْهَارُ وَهُوَ وَمَا بَعْدَهُ بَيَانٌ لِمَا دَعَتْ. قَوْلُهُ: (يُحِلُّ أَلْفَاظَهُ) بِبَيَانِ تَرَاكِيبِهَا مِنْ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ وَمَرْجِعُ الضَّمِيرِ الْمُسْتَتِرِ فِي هَذَا وَمَا بَعْدَهُ لِلشَّرْحِ وَمَرْجِعُ الضَّمِيرِ الْبَارِزِ فِي ذَلِكَ لِلْمِنْهَاجِ، وَفِي جَمِيعِ ذَلِكَ اسْتِعَارَةٌ بِالْكِنَايَةِ وَتَرْشِيحٌ وَعَطْفٌ يُبَيِّنُ مُرَادَهُ عَامٌّ عَلَى خَاصٍّ. قَوْلُهُ: (مُفَادَهُ) بِضَمِّ الْمِيمِ اسْمُ مَفْعُولٍ أَوْ مَصْدَرٌ وَجَوَّزَ بَعْضُهُمْ فَتْحَ الْمِيمِ أَيْضًا، وَالْمَعْنَى مَا يُسْتَفَادُ مِنْهُ أَوْ فَائِدَتُهُ، وَمَعْنَى تَتْمِيمِهِ إلْحَاقُ نَحْوِ قَيْدٍ أَوْ الْإِشَارَةُ إلَى إسْقَاطِهِ أَوْ إلَى تَعْمِيمٍ فِيمَا ظَاهِرُهُ الْخُصُوصُ أَوْ عَكْسُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (عَلَى وَجْهٍ) حَالٌ مِنْ فَاعِلِ الْأَفْعَالِ السَّابِقَةِ فَهُوَ مُتَنَازَعٌ فِيهِ أَوْ حَالٌ مِنْ مَا فِي مَا دَعَتْ أَوْ مِنْ شَرْحٍ. قَوْلُهُ: (لَطِيفٍ) أَيْ صَغِيرِ الْحَجْمِ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِهِ مِنْ الشُّرُوحِ فَمَا بَعْدَهُ تَأْسِيسٌ، أَوْ الْمُرَادُ صِغَرُ الْحَجْمِ وَبَدَاعَةُ الصُّنْعِ فَمَا بَعْدَهُ تَأْكِيدٌ وَتَفْسِيرٌ.
قَوْلُهُ: (خَالٍ) أَيْ فَارِغٍ عَمَّا ذَكَرَ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْحَشْوَ وَهُوَ الزِّيَادَةُ الْمُتَمَيِّزَةُ لِغَيْرِ فَائِدَةٍ وَلَا تَطْوِيلٍ، وَهُوَ الزِّيَادَةُ غَيْرُ الْمُتَعَيَّنَةِ عَلَى أَصْلِ الْمُرَادِ لَا لِفَائِدَةٍ فَهُمَا بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ وَيَجُوزُ إرَادَةُ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ. قَوْلُهُ: (حَاوٍ لِلدَّلِيلِ) وَهُوَ مَا يُذْكَرُ لِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ قِيَاسٍ أَوْ اسْتِصْحَابٍ فَعَطْفُ التَّعْلِيلِ عَلَيْهِ مُغَايِرٌ لِأَنَّهُ إظْهَارٌ لِفَائِدَةِ الْحُكْمِ أَوْ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ لِمَا فِي التَّعْلِيلِ مِنْ مَعْنَى الْقِيَاسِ.
قَوْلُهُ: (وَاَللَّهَ أَسْأَلُ) قَدَّمَ الْمَفْعُولَ لِإِفَادَةِ التَّخْصِيصِ وَحَذَفَ مَفْعُولَ يَنْفَعُ إشْعَارًا بِالْعُمُومِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ حَسْبِي وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) حَسْبِي بِمَعْنَى كَافِيَّ أَوْ يَكْفِينِي، وَالْوَكِيلُ بِمَعْنَى الْحَفِيظُ أَوْ الْمُعْتَمَدُ أَوْ الْمَلْجَأُ أَوْ الْمُعِينُ أَوْ الْقَائِمُ بِمَصَالِحِ خَلْقِهِ أَوْ الْمَوْكُولُ إلَيْهِ تَدْبِيرُهُمْ، وَجُمْلَةُ نِعْمَ الْوَكِيلُ إمَّا عَطْفٌ عَلَى هُوَ حَسْبِي أَوْ عَلَى حَسْبِي بِتَأْوِيلِهِ بِالْفِعْلِ، فَفِيهِ عَطْفُ الْإِنْشَاءِ عَلَى الْخَبَرِ، وَهُوَ مَحْذُورٌ فِي الْجُمَلِ، وَيُجَابُ بِأَنَّ جُمْلَةَ هُوَ حَسْبِي إنْشَائِيَّةٌ مَعْنًى أَوْ بِأَنَّهُ يُقَدِّرُ قَبْلَ نِعْمَ مُبْتَدَأً فِي الشِّقَّيْنِ، وَيَجْعَلُ نِعْمَ مُتَعَلِّقَ خَبَرِهِ أَيْ وَهُوَ مَقُولٌ فِي حَقِّهِ نِعْمَ الْوَكِيلُ، وَلَا مَحْذُورَ فِي كَوْنِ مُتَعَلِّقِ الْخَبَرِ إنْشَاءً، وَإِنْ عَطَفَ عَلَى حَسْبِي بِلَا تَأْوِيلٍ، فَهُوَ عَطْفُ جُمْلَةٍ إنْشَائِيَّةٍ عَلَى مُفْرَدٍ، وَلَا مَحْذُورَ فِيهِ كَعَكْسِهِ أَوْ أَنَّهُ مِنْ عَطْفِ مُفْرَدٍ عَلَى مِثْلِهِ يَجْعَلُ جُمْلَةَ نِعْمَ وَاقِعَةً مَوْقِعَ الْمُفْرَدِ لِأَنَّ لَهَا مَحَلًّا مِنْ الْإِعْرَابِ، عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ مَنَعَ كَوْنَ الْوَاوِ عَاطِفَةً بَلْ هِيَ اعْتِرَاضِيَّةٌ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يُجَوِّزُهُ آخِرَ الْكَلَامِ.
قَوْلُهُ: (أَفْتَتِحُ) الْأَوْلَى أُؤَلِّفُ لِأَنَّهُ خَاصٌّ بِالْمَقَامِ عَامٌّ لِجَمِيعِ الْمُؤَلَّفِ وَقَدْرِهِ فِعْلًا وَمُؤَخَّرٌ، اُنْظُرْ الْأَصْلَ الْعَمَلَ، وَلِإِفَادَةِ الِاخْتِصَاصِ فَالْجُمْلَةُ فِعْلِيَّةٌ إنْشَائِيَّةٌ، وَيَجُوزُ كَوْنُهَا خَبَرِيَّةً بِتَقْدِيرِ فِعْلٍ مَاضٍ وَكَوْنُهَا اسْمِيَّةً بِتَقْدِيرِ مَصْدَرٍ مُبْتَدَأٍ. وَعَلَى كُلٍّ تَحْصُلُ بِهَا الْبَرَكَةُ. وَذِكْرُ جُمْلَةِ الْحَمْدِ بَعْدَهَا تَأْكِيدٌ. وَسَكَتَ الشَّارِحُ عَنْ تَفْسِيرِ أَلْفَاظِهَا طَلَبًا لِلِاخْتِصَارِ وَلِانْفِرَادِهَا بِالتَّأْلِيفِ. نَعَمْ ذَكَرَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ تَبَعًا لِغَيْرِهِ أَقْسَامًا تِسْعَةً لِلِاسْمِ فَيَنْبَغِي ذِكْرُهَا لِعِزَّتِهَا وَالِاعْتِنَاءِ بِهَا أَحَدُهَا: وُقُوعُهُ عَلَى الشَّيْءِ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ كَالْأَعْلَامِ.
ثَانِيهَا: وُقُوعُهُ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ جُزْئِهِ كَالْجَوْهَرِ لِلْجِسْمِ.
ثَالِثُهَا: بِاعْتِبَارِ صِفَةٍ حَقِيقِيَّةٍ قَائِمَةٍ بِذَاتِهِ كَالْأَسْوَدِ وَالْحَارِّ.
رَابِعُهَا: بِاعْتِبَارِ صِفَةٍ إضَافِيَّةٍ كَالْمَالِكِ وَالْمَمْلُوكِ.
خَامِسُهَا: بِاعْتِبَارِ صِفَةٍ سَلْبِيَّةٍ كَالْأَعْمَى وَالْفَقِيرِ.
سَادِسُهَا: بِاعْتِبَارِ صِفَتَيْنِ حَقِيقِيَّةٍ وَإِضَافِيَّةٍ كَالْعَالِمِ وَالْقَادِرِ لِتَعَلُّقِهِمَا بِذَاتِهِ وَبِمَعْلُومٍ وَمَقْدُورٍ.
سَابِعُهَا: بِاعْتِبَارِ صِفَتَيْنِ حَقِيقِيَّةٍ وَسَلْبِيَّةٍ كَشُجَاعٍ لِاعْتِبَارِ الْمَلَكَةِ وَعَدَمِ الْبُخْلِ.
ثَامِنُهَا: بِاعْتِبَارِ صِفَتَيْنِ إضَافِيَّةٍ وَسَلْبِيَّةٍ كَأَوَّلٍ لِأَنَّهُ سَابِقٌ لِغَيْرِهِ وَلَمْ يَسْبِقْهُ غَيْرُهُ. وَقَيُّومٍ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَى غَيْرٍ وَمُقَوِّمٍ لِغَيْرِهِ.
تَاسِعُهَا: بِاعْتِبَارِ الصِّفَاتِ الثَّلَاثِ كَالْإِلَهِ لِأَنَّهُ دَالٌّ عَلَى وُجُوبِهِ لِذَاتِهِ وَعَلَى إيجَادِهِ لِغَيْرِهِ وَعَلَى تَنْزِيهِهِ تَعَالَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ: (هِيَ مِنْ صِيَغِ
ــ
[حاشية عميرة]
الْمُتَفَهِّمِينَ) جَمْعُ مُتَفَهِّمٍ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (لِمِنْهَاجِ اللَّهِ) الْمِنْهَاجُ وَالْمَنْهَجُ الطَّرِيقُ الْوَاضِحُ وَخَرَجَ بِالْفِقْهِ مِنْهَاجُ الْأُصُولِ لَلْبَيْضَاوِيِّ.
قَوْلُ الشَّارِحِ: (مُفَادَهُ) بِضَمِّ الْمِيمِ بِمَعْنَى الَّذِي اُسْتُفِيدَ مِنْهُ، وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (عَلَى وَجْهٍ لَطِيفٍ) يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ دِقَّةَ الْحَجْمِ وَبَدَاعَةَ الصَّنِيعِ مَعًا لِيَكُونَ قَوْلُهُ: خَالٍ إلَخْ تَفْسِيرًا لَهُ وَبَيَانًا، وَالْحَشْوُ بِمَعْنَى الْمَحْشُوِّ، وَكَذَا التَّطْوِيلُ وَالتَّعْلِيلُ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (عَنْ الْحَشْوِ) هُوَ الزِّيَادَةُ الْمُسْتَغْنَى عَنْهَا وَالتَّطْوِيلُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْمُرَادِ.
قَوْلُ الشَّارِحِ: (أَيْ أَفْتَتِحُ)
1 / 4
بِالْجَمِيلِ إذْ الْقَصْدُ بِهَا الثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ بِمَضْمُونِهَا مِنْ أَنَّهُ مَالِكٌ لِجَمِيعِ الْحَمْدِ مِنْ الْخَلْقِ أَوْ مُسْتَحِقٌّ لَأَنْ يَحْمَدُوهُ لَا الْإِخْبَارُ بِذَلِكَ (الْبَرِّ) بِالْفَتْحِ أَيْ الْمُحْسِنِ (الْجَوَادِ) بِالتَّخْفِيفِ أَيْ الْكَثِيرِ الْجُودِ أَيْ الْعَطَاءِ (الَّذِي جَلَّتْ) أَيْ عَظُمَتْ (نِعَمُهُ) جَمْعُ نِعْمَةٍ بِمَعْنَى إنْعَامٍ (عَنْ الْإِحْصَاءِ) أَيْ الضَّبْطِ (بِالْأَعْدَادِ) أَيْ بِجَمِيعِهَا ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا﴾ [النحل: ١٨]
ــ
[حاشية قليوبي]
الْحَمْدِ) أَيْ مِنْ جُمْلَةِ الْأَلْفَاظِ الَّتِي يُؤَدَّى بِهَا الْحَمْدُ لِأَنَّهُ يُؤَدَّى بِغَيْرِهَا أَيْضًا، كَالْجُمْلَةِ الْآتِيَةِ. بَعْدَهَا وَكَالْجَنَانِ وَالْأَرْكَانِ إذْ هُوَ عُرْفًا مَا يُنْبِئُ عَنْ تَعْظِيمِ الْمُنْعِمِ.
قَوْلُهُ: (الْوَصْفُ) أَيْ الثَّنَاءُ بِاللِّسَانِ بِدَلِيلِ جَعْلِهِ مِنْ الْمَخْلُوقِينَ بِقَوْلِهِ مِنْ الْخَلْقِ. وَهَذَا مَعْنَى الْحَمْدِ لُغَةً، وَلَوْ لَمْ يُقَيَّدْ بِاللِّسَانِ لَشَمِلَ حَمْدَ اللَّهِ تَعَالَى لِنَفْسِهِ وَفِيهِ مَا قُرِّرَ فِي مَحَلِّهِ، وَمِنْهُ. مَا قِيلَ عَنْ بَعْضِهِمْ: هَلْ الْمُرَادُ بِهِ إعْلَامُ عِبَادِهِ بِهِ لِلْإِيمَانِ بِهِ أَوْ الثَّنَاءُ عَلَى نَفْسِهِ بِهِ أَوْ هُمَا أَقْوَالٌ:
ثَالِثُهَا: أَوْلَى لِعُمُومِ فَائِدَتِهِ. قَوْلُهُ: (بِالْجَمِيلِ) فَهُوَ الْمَحْمُودُ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ اخْتِيَارِيًّا أَوْ لَا، وَحَذَفَ الْمَحْمُودَ عَلَيْهِ وَهُوَ الْفِعْلُ الْجَمِيلُ الِاخْتِيَارِيُّ لِلْعِلْمِ بِهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْبَاءَ بِمَعْنَى عَلَى فَهُوَ الْمَحْمُودُ عَلَيْهِ فَيُقَيَّدُ الْجَمِيلُ بِالِاخْتِيَارِيِّ. وَحَذَفَ الْمَحْمُودَ بِهِ لِعُمُومِهِ وَعِلْمِهِ مِنْ الثَّنَاءِ.
قَوْلُهُ: (إذْ الْقَصْدُ إلَخْ) عِلَّةٌ لِكَوْنِهَا مِنْ صِيَغِ الْحَمْدِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهَا قَصْدُ الثَّنَاءِ لِأَنَّهَا خَبَرِيَّةٌ لَفْظًا وَمَعْنًى، وَفِيهِ مَا يَأْتِي وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يَقَعُ بِهَا الثَّنَاءُ فَلَا حَاجَةَ إلَى قَصْدٍ وَهُوَ الْمُتَعَيَّنُ لِحُصُولِ الْحَمْدِ بِهَا مِمَّنْ لَا يَعْرِفُ مَعْنَى الْإِنْشَاءِ وَالْخَبَرِ.
قَوْلُهُ: (عَلَى اللَّهِ بِمَضْمُونِهَا) مُتَعَلِّقَانِ بِالثَّنَاءِ وَمِنْ أَنَّهُ إلَخْ بَيَانٌ لِمَضْمُونِهَا وَمَالِكٌ وَمُسْتَحِقٌّ إشَارَةٌ لِمَعْنَى اللَّامِ فِي لِلَّهِ وَلِجَمِيعِ إشَارَةٌ لِمَعْنَى اللَّامِ فِي الْحَمْدِ سَوَاءٌ جُعِلَتْ لِلِاسْتِغْرَاقِ أَوْ لِلْعَهْدِ أَوْ لِلْجِنْسِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ مَحَلِّهِ.
قَوْلُهُ: (لَأَنْ يَحْمَدُوهُ) قَالَ شَيْخُ شَيْخِنَا عَمِيرَةَ لَوْ قَالَ لَهُ بَدَلَ ذَلِكَ لَكَانَ أَخَصْرَ وَأَشْمَلَ أَيْ لِعُمُومِهِ لِمَا وَقَعَ وَلِمَا سَيَقَعُ وَفِيهِ نَظَرٌ، إذْ هَذَا الْوَصْفُ ثَابِتٌ لَهُ فِي الْأَزَلِ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ سَبْقُ حَمْدٍ مِنْ الْخَلْقِ عَلَيْهِ فَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ كُلَّ حَمْدٍ وُجِدَ فَهُوَ مُسْتَقْبَلٌ بِالنِّسْبَةِ لِوَصْفِهِ تَعَالَى بِهِ فَتَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (لَا الْإِخْبَارُ بِذَلِكَ) اسْمُ الْإِشَارَةِ لِمَضْمُونِهَا الْمُتَقَدِّمِ، وَهَذَا زِيَادَةُ تَصْرِيحٍ بِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهَا الْحَمْدُ إذَا أُرِيدَ بِهَا الْإِخْبَارُ. وَكَلَامُهُ مُتَدَافِعٌ فِي حَالَةِ الْإِطْلَاقِ وَاَلَّذِي حَقَّقَهُ السَّيِّدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - حُصُولُ الْحَمْدِ بِهَا مَعَ قَصْدِ الْإِخْبَارِ لِلْإِذْعَانِ بِمَدْلُولِهَا الَّذِي هُوَ الِاتِّصَافُ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ.
قَوْلُهُ: (أَيْ الْمُحْسِنُ) أَشَارَ بِهَذَا التَّفْسِيرِ إلَى أَنَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَنَّهُ كَالتَّوْطِئَةِ لِمَا بَعْدَهُ فَهُوَ مِنْ التَّرَقِّي وَلِعُمُومِ بَرِّهِ بِخَلْقِهِ فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِمْ هُوَ الصَّادِقُ فِيمَا وَعَدَ أَوْلِيَاءَهُ أَوْ الَّذِي إذَا عُبِدَ أَثَابَ، وَإِذَا دُعِيَ أَجَابَ قَوْلُهُ: (الْجَوَادِ) ذَكَرَهُ لِأَنَّهُ وَرَدَ فِي رِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ أَنَّهُ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى أَوْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَسْمَاءَهُ تَعَالَى غَيْرُ تَوْقِيفِيَّةٍ مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ. وَحَقِيقَةُ الْجُودِ فِعْلُ مَا يَنْبَغِي لِمَنْ يَنْبَغِي لَا لِغَرَضٍ وَلَا لِعِلَّةٍ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ مُخْتَصًّا بِاَللَّهِ وَتَفْسِيرُ الشَّارِحِ لَهُ بِالْكَثِيرِ الْجُودِ لَعَلَّهُ أَخَذَهُ مِنْ اللَّامِ أَوْ مِنْ رِعَايَةِ الْمَقَامِ. وَالسَّخَاءُ مُرَادِفٌ لَهُ أَوْ هُوَ سِعَةُ الْعَطَاءِ فَهُوَ أَخَصُّ. وَإِنْ قِيلَ بِمَنْعِ إطْلَاقِهِ عَلَى اللَّهِ عَلَى مَا مَرَّ وَالْكَرَمُ أَعَمُّ مِنْهُمَا مَعًا.
قَوْلُهُ: (جَمْعُ نِعْمَةٍ) بِكَسْرِ النُّونِ وَبِالْفَتْحِ التَّنَعُّمُ وَبِالضَّمِّ الْمَسَرَّةُ. قَوْلُهُ: (بِمَعْنَى إنْعَامٍ) أَيْ لِيُنَاسِبَ مَا قَبْلَهُ مِنْ كَوْنِ الْحَمْدِ عَلَى الْوَصْفِ وَلِأَنَّهُ أَمْكَنُ مِنْ الْحَمْدِ عَلَى الْمُنْعَمِ بِهِ، وَلِأَنَّ عَدَمَ نِسْبَةِ الضَّبْطِ إلَيْهِ بِاعْتِبَارِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَبْلَغُ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ وَالنِّعْمَةُ بِمَعْنَى مُنْعَمٌ بِهِ مُرَادِفَةٌ لِلرِّزْقِ عَلَى الْأَوْجَهِ. وَقِيلَ: مُلَائِمٌ لِلنَّفْسِ تُحْمَدُ عَاقِبَتُهُ بِدُخُولِ الْجَنَّةِ وَرَتَّبُوا عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا نِعْمَةَ لِلَّهِ عَلَى كَافِرٍ بَلْ هُوَ مَرْزُوقٌ.
قَوْلُهُ: (أَيْ بِجَمِيعِهَا) هُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ اللَّامِ الدَّاخِلَةِ عَلَى جَمْعِ الْقِلَّةِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ) هُوَ مُفْرَدٌ مُضَافٌ أَيْ جَمِيعِ نِعَمِهِ أَوْ عَلَى حَقِيقَتِهِ إذْ كُلُّ نِعْمَةٍ فِيهَا نِعَمٌ لَا تُحْصَى فَنَحْوُ اللُّقْمَةِ فِيهَا الْإِقْدَارُ عَلَى تَحْصِيلِهَا وَتَنَاوُلِهَا وَمَضْغِهَا وَإِسَاغَتِهَا وَهَضْمِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَفِي الْخَبَرِ لَا يَسْتَدِيرُ الرَّغِيفُ وَيُوضَعُ بَيْنَ يَدَيْك حَتَّى يَعْمَلَ فِيهِ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ صَانِعًا أَوَّلُهُمْ مِيكَائِيلُ وَمَلَائِكَةُ السَّحَابِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالْأَفْلَاكُ وَمُلُوكُ الْهَوَاءِ وَدَوَابُّ الْأَرْضِ وَآخِرُ ذَلِكَ الْخَبَّازُ وَالْمُرَادُ أَفْرَادُهَا وَإِلَّا فَهِيَ مُنْحَصِرَةٌ فِي جِنْسَيْنِ أُخْرَوِيٍّ وَهُوَ بِالْعَفْوِ
ــ
[حاشية عميرة]
قِيلَ الْأَحْسَنُ أُؤَلِّفُ لِيُفِيدَ تَلَبُّسَ الْفِعْلِ كُلِّهِ بِاسْمِ اللَّهِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (الْوَصْفُ) شَامِلٌ لِثَنَاءِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى نَفْسِهِ خِلَافَ تَفْسِيرِ بَعْضِهِمْ بِالثَّنَاءِ بِاللِّسَانِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (إذْ الْقَصْدُ بِهَا إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ: هِيَ مِنْ صِيَغِ الْحَمْدِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (مِنْ الْخَلْقِ) قَيْدٌ يَعُمُّ بِقَرِينَةِ الْمِلْكِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (لَأَنْ يَحْمَدُوهُ) الْأَخْصَرُ لَهُ أَوْ لِحَمْدِهِمْ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (بِذَلِكَ) رَاجِعٌ لِلْمَضْمُونِ. قَوْلُ: (الْمَتْنِ الْبَرُّ) يُقَالُ بَرَرْت فُلَانًا أَبَرُّهُ بِرًّا فَأَنَا بَرٌّ بِهِ وَبَارٌّ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (أَيْ الْكَثِيرُ الْجُودِ) قَضِيَّتُهُ أَنْ يُقَالَ هُوَ مِنْ صِيَغِ الْمُبَالَغَةِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (جَمْعُ نِعْمَةٍ إلَخْ) لَا يُقَالُ: تَنْزِيهُ الْأَثَرِ عَنْ الْإِحْصَاءِ بِالْعَدِّ أَبْلَغُ فِي التَّعْظِيمِ مِنْ تَنْزِيهِ صِفَةِ الْفِعْلِ عَنْ ذَلِكَ، لِأَنَّا نَقُولُ: إجْرَاءُ هَذِهِ الصِّفَاتِ عَلَى الْبَارِي ﷾ عَقِبَ حَمْدِهِ يُشْعِرُ بِأَنَّ الْمُصَنِّفَ حَمِدَ عَلَى الْإِنْعَامِ قَالَ الشَّيْخُ سَعْدُ الدِّينِ: وَالْحَمْدُ عَلَى الْإِنْعَامِ الَّذِي هُوَ مِنْ صِفَاتِ فِعْلِ الْبَارِي، أَمْكَنُ فِي التَّعْظِيمِ مِنْ الْحَمْدِ عَلَى الْأَثَرِ.
قَوْلُ الشَّارِحِ: (أَيْ بِجَمِيعِهَا) هُوَ
1 / 5
(الْمَانِّ) أَيْ الْمُنْعِمِ (بِاللُّطْفِ) أَيْ بِالْإِقْدَارِ عَلَى الطَّاعَةِ (وَالْإِرْشَادِ) أَيْ الْهِدَايَةِ لَهَا (الْهَادِي إلَى سَبِيلِ الرَّشَادِ) أَيْ الدَّالِ عَلَى طَرِيقِهِ وَهُوَ ضِدُّ الْغَيِّ (الْمُوَفِّقِ لِلتَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ) أَيْ الْمُقْدِرِ عَلَى التَّفَهُّمِ فِي الشَّرِيعَةِ (مَنْ لَطَفَ بِهِ) أَيْ أَرَادَ بِهِ الْخَيْرَ (وَاخْتَارَهُ) لَهُ (مِنْ الْعِبَادِ) هَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» (أَحْمَدُهُ أَبْلَغَ حَمْدٍ) أَيْ أَنْهَاهُ (وَأَكْمَلَهُ وَأَزْكَاهُ) أَيْ أَنْمَاهُ (وَأَشْمَلَهُ) أَيْ أَعَمَّهُ الْمَعْنَى أَصِفُهُ بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ إذْ كُلٌّ مِنْهَا جَمِيلٌ وَالْقَصْدُ بِذَلِكَ إيجَادُ
ــ
[حاشية قليوبي]
وَالرِّضَا وَعُلُوِّ الْمَرَاتِبِ، وَدُنْيَوِيٍّ وَهُوَ إمَّا كَسْبِيٌّ بِتَرْكِ الرَّذَائِلِ وَالتَّحَلِّي بِالْفَضَائِلِ وَالْهَيْئَاتِ الْمَقْبُولَةِ وَالْجَاهِ وَالْمَالِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَإِمَّا وَهْبِيٌّ، وَهُوَ إمَّا رُوحَانِيٌّ كَنَفْخِ الرُّوحِ وَالنُّطْقِ وَالْفَهْمِ وَالْفِكْرِ وَإِمَّا جُسْمَانِيٌّ نَحْوُ كَمَالِ الْأَعْضَاءِ وَصِحَّتِهَا وَاعْتِدَالِهَا.
قَوْلُهُ: (الْمَانِّ) أَيْ الْمُعْطِي هُوَ فَضْلًا أَوْ الْمُعَدِّدُ نِعَمَهُ عَلَى عِبَادِهِ لِأَنَّهُ مِنْهُ مَحْمُودٌ وَمِنْ الْعِبَادِ عَلَى بَعْضِهِمْ مَذْمُومٌ إلَّا لَمُصْلِحَةٍ تَدْفَعُ مَفْسَدَةً. قَوْلُهُ: (بِاللُّطْفِ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ ثَانِيهِ وَبِفَتْحِهِمَا وَيُطْلَقُ الْأَوَّلُ عَلَى الرِّفْقِ وَالرَّحْمَةِ وَالثَّانِي عَلَى الْمَبْرُورِ بِهِ وَمِنْهُ مَا سَيَذْكُرُهُ.
قَوْلُهُ: (بِالْإِقْدَارِ) إنْ أُرِيدَ بِهِ الْوَصْفُ الْقَائِمُ بِهِ تَعَالَى فَالْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ أَوْ أُرِيدَ بِهِ مَا يَنْشَأُ عَنْهُ فَالْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ. وَصِفَةُ الْعَبْدِ هِيَ الْقُدْرَةُ فَإِنْ أُرِيدَ بِهَا سَلَامَةُ الْآلَاتِ لَمْ تَخْتَصَّ بِالْمُؤْمِنِ وَإِنْ أُرِيدَ بِهَا الْعَرَضُ الْمُقَارِنُ لِلْمَقْدُورِ اخْتَصَّتْ بِهِ وَعَلَى هَذَا فَاللُّطْفُ مُرَادِفٌ لِلتَّوْفِيقِ وَالطَّاعَةُ فِعْلُ الْمَأْمُورَاتِ. وَلَوْ نَدْبًا وَتَرْكُ الْمَنْهِيَّاتِ وَلَوْ كَرَاهَةً، وَأَخُصُّ مِنْهَا الْقُرْبَةَ لِاعْتِبَارِ مَعْرِفَةِ الْمُتَقَرَّبِ إلَيْهِ فِيهَا. وَالْعِبَادَةُ أَخَصُّ مِنْهُمَا مَعًا لِأَنَّهَا يُعْتَبَرُ فِيهَا النِّيَّةُ.
قَوْلُهُ: (أَيْ الْهِدَايَةِ) فَسَّرَ الْإِرْشَادَ بِهَا لِدُخُولِهِ فِي حَيِّزِ الْمَنِّ لِأَنَّهُ عَطْفٌ عَلَى اللُّطْفِ فَهِيَ الدَّلَالَةُ الْمُوَصِّلَةُ. قَوْلُهُ: (الدَّالُّ عَلَى طَرِيقِهِ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْهِدَايَةِ مُطْلَقُ الدَّلَالَةِ وَلِذَلِكَ عَدَّاهَا بِعَلَى. قَوْلُهُ: (وَهُوَ) أَيْ الرَّشَادُ، وَكَذَا الْإِرْشَادُ وَالرُّشْدُ لِأَنَّهَا مُتَرَادِفَةٌ مَعْنَاهَا الِاسْتِقَامَةُ وَالْفَلَاحُ وَفِعْلُهَا رَشِدَ كَعَجِبَ أَوْ رَشُدَ كَحَسُنَ وَمُخَالَفَةُ تَفْسِيرِهَا الَّذِي سَلَكَهُ الشَّارِحُ لِمُنَاسِبَتِهِ لِحَالِهَا وَالْغَيُّ ضِدُّ كُلٍّ مِنْهَا. وَأَنْوَاعُ الْهِدَايَةِ لَا تَنْحَصِرُ وَأَجْنَاسُهَا أَرْبَعَةٌ مُتَرَتِّبَةٌ أَوَّلُهَا إفَاضَةُ الْقُوَى عَلَى الْعَقْلِ وَالْحَوَاسِّ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ.
ثَانِيهَا: نَصِيبُ الدَّلَائِلِ الْفَارِقَةِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَالصَّلَاحِ وَالْفَسَادِ.
ثَالِثُهَا: إرْسَالُ الرُّسُلِ وَإِنْزَالُ الْكُتُبِ.
رَابِعُهَا: كَشْفُ حِجَابِ الْقَلْبِ مُطْلَقًا أَوْ لِيَرَى الْأَشْيَاءَ كَمَا هِيَ وَهَذَا خَاصٌّ بِالْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ. قَوْلُهُ: (الْمُقَدِّرُ) هُوَ تَفْسِيرٌ لِلْمُوَفِّقِ الْمَأْخُوذِ مِنْ التَّوْفِيقِ الَّذِي هُوَ خَلْقُ الطَّاعَةِ فِي الْعَبْدِ الْمُرَادِفِ لِلُّطْفِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَضِدُّهُ الْخِذْلَانُ وَهُوَ خَلْقُ الْمَعْصِيَةِ فِي الْعَبْدِ.
قَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ: وَالْمُخْتَصُّ بِالْمُتَعَلِّمِ مِنْ التَّوْفِيقِ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ: ذَكَاءُ الْقَرِيحَةِ وَطَبِيعَةٌ صَحِيحَةٌ، وَعِنَايَةٌ مَلِيحَةٌ، وَمُعَلِّمٌ ذُو نَصِيحَةٍ. وَإِذَا جَمَعَ الْمُعَلِّمُ ثَلَاثَ خِصَالٍ فَقَدْ تَمَّتْ النِّعْمَةُ عَلَى الْمُتَعَلِّمِ الصَّبْرَ وَالتَّوَاضُعَ وَحُسْنَ الْخُلُقِ. وَإِذَا جَمَعَ الْمُتَعَلِّمُ ثَلَاثَ خِصَالٍ فَقَدْ تَمَّتْ النِّعْمَةُ عَلَى الْمُعَلِّمِ الْعَقْلَ وَالْأَدَبَ وَحُسْنَ الْفَهْمِ. قَوْلُهُ: (عَلَى التَّفَهُّمِ) هُوَ تَفْسِيرٌ لِلتَّفَقُّهِ وَهُوَ أَخْذُ الْفِقْهِ شَيْئًا فَشَيْئًا. يُقَالُ: فَقِهَ إذَا فَهِمَ وَزْنًا وَمَعْنًى. وَفَقَهَ إذَا سَبَقَ إلَى الْفَهْمِ وَزْنًا وَمَعْنًى أَيْضًا وَفَقُهَ بِالضَّمِّ صَارَ الْفِقْهُ سَجِيَّةً لَهُ، وَهَذَا مَعْنَى الْفِقْهِ لُغَةً، وَأَمَّا اصْطِلَاحًا فَهُوَ الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْعَمَلِيَّةِ الْمُكْتَسَبُ مِنْ أَدِلَّتِهَا التَّفْصِيلِيَّةِ، وَمَوْضُوعُهُ أَفْعَالُ الْمُكَلَّفِينَ، وَاسْتِمْدَادُهُ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَغَايَتُهُ تَكْمِيلُ الْقُوَى النُّطْقِيَّةِ وَالشَّهَوِيَّةِ وَالْغَضَبِيَّةِ الْمُرَتَّبِ عَلَيْهَا أَبْوَابُ الْفِقْهِ وَالْفَوْزُ بِالسَّعَادَةِ الْأَبَدِيَّةِ.
قَوْلُهُ: (فِي الشَّرِيعَةِ) تَفْسِيرٌ لِلدِّينِ سُمِّيَ شَرِيعَةً لِإِمْلَاءِ الشَّارِعِ لَهُ عَلَيْنَا وَدِينًا لِلتَّدَيُّنِ بِهِ بِمَعْنَى الِانْقِيَادِ لِلْعَمَلِ بِهِ، وَيُسَمَّى مِلَّةً أَيْضًا لِلْإِمْلَاءِ الْمَذْكُورِ. قَوْلُهُ: (أَرَادَ بِهِ الْخَيْرَ) لَمْ يُفَسِّرْ اللُّطْفَ بِمَا سَبَقَ فِرَارًا مِنْ التَّكْرَارِ، وَلِعَدَمِ صِحَّةِ ذَلِكَ الْمَعْنَى هُنَا، وَلِمُنَاسَبَةِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ. وَاللَّامُ فِي الْخَيْرِ لِلْعُمُومِ وَالْكَمَالِ أَخْذًا مِمَّا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (لَهُ) ضَمِيرُهُ عَائِدٌ عَلَى الْخَيْرِ لِقُرْبِهِ وَرُجُوعُهُ لِلتَّفَقُّهِ بَعِيدٌ، وَأَبْعَدُ مِنْهُ رُجُوعُهُ لِلَّهِ. قَوْلُهُ: (خَيْرًا) هُوَ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ فَيَعُمُّ كُلَّ خَيْرٍ وَتَنْوِينُهُ لِلتَّعْظِيمِ، فَهُوَ الْخَيْرُ الْكَامِلُ، فَلَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْخَيْرِ لِغَيْرِهِ.
قَالَ بَعْضُهُمْ: وَفِيهِ بُشْرَى عَظِيمَةٌ لِلْمُتَفَقِّهِ لِأَنَّ إرَادَةَ الْخَيْرِ مِنْ اللَّهِ لِلْعَبْدِ مُغَيَّبَةٌ، وَيُسْتَدَلُّ عَلَيْهَا بِالْعَلَامَاتِ، وَهَذِهِ أَقْوَاهَا لِصُدُورِهَا عَنْ الرَّسُولِ ﷺ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ ﵄ أَنَّهُ ﷺ قَالَ: «مَجْلِسُ فِقْهٍ خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ سِتِّينَ سَنَةً»، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: الْفَقِيهُ هُوَ الزَّاهِدُ فِي الدُّنْيَا الرَّاغِبُ فِي الْآخِرَةِ الْبَصِيرُ بِأَمْرِ دِينِهِ الْمُدَاوِمُ عَلَى عِبَادَةِ رَبِّهِ.
قَوْلُهُ: (وَأَكْمَلَهُ) أَيْ أَتَمَّهُ. قَوْلُهُ: (الْمَعْنَى) لَيْسَ ذَلِكَ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ وَافِيًا بِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّ الْأَبْلَغِيَّةَ وُصُولُهُ إلَى مُنْتَهَاهُ، وَلَا
ــ
[حاشية عميرة]
مِنْ دَلَالَةِ اللَّامِ لِأَنَّهَا تُفِيدُ الْعُمُومَ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (بِاللُّطْفِ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْبَاءَ سَبَبِيَّةٌ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَعَلُّقُ الْإِنْعَامِ بِالْإِقْدَارِ عَلَى الطَّاعَةِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (الْغَيِّ) هُوَ الضَّلَالُ وَالْخَيْبَةُ كَمَا قَالَهُ فِي الصَّحَاحِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (أَيْ الْمُقَدِّرُ) يَقْتَضِي مُرَادَفَتَهُ لِلُّطْفِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (أَيْ أَرَادَ بِهِ الْخَيْرَ) لَمْ يُفَسِّرْهُ بِمَا سَبَقَ وَفَاءً بِمَا فِي الْحَدِيثِ الْآتِي. قَوْلُ الشَّارِحِ: (لَهُ) الضَّمِيرُ فِيهِ رَاجِعٌ لِلْخَيْرِ مِنْ قَوْلِهِ أَيْ أَرَادَ بِهِ الْخَيْرَ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا إلَخْ) لَا يُقَالُ فِيهِ تَرْتِيبُ التَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ عَلَى إرَادَةِ اللَّهِ بِهِ خَيْرًا مَا لِأَنَّا نَقُولُ بَلْ عَلَى
1 / 6
الْحَمْدِ الْمَذْكُورِ، وَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ حَمْدِهِ الْأَوَّلِ، وَذَلِكَ أَوْقَعُ فِي النَّفْسِ مِنْ حَيْثُ تَفْصِيلُهُ وَفِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ «إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ» أَيْ نَحْمَدُهُ، لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِلْحَمْدِ (وَأَشْهَدُ) أَيْ أَعْلَمُ (أَنْ لَا إلَهَ) لَا مَعْبُودَ بِحَقٍّ فِي الْوُجُودِ (إلَّا اللَّهُ) الْوَاجِبُ الْوُجُودِ (الْوَاحِدُ) أَيْ الَّذِي لَا تَعَدُّدَ لَهُ فَلَا يَنْقَسِمُ بِوَجْهٍ، وَلَا نَظِيرَ لَهُ، فَلَا مُشَابَهَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ بِوَجْهٍ (الْغَفَّارُ) أَيْ السَّتَّارُ لِذُنُوبِ مَنْ أَرَادَ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ فَلَا يُظْهِرُهَا بِالْعِقَابِ عَلَيْهَا، وَلَمْ يَقُلْ الْقَهَّارُ بَدَلَ الْغَفَّارِ لِأَنَّ مَعْنَى الْقَهْرِ مَأْخُوذٌ مِمَّا قَبْلَهُ إذْ مِنْ شَأْنِ الْوَاحِدِ فِي مُلْكِهِ الْقَهْرُ. (وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْمُصْطَفَى الْمُخْتَارُ) أَيْ مِنْ النَّاسِ
ــ
[حاشية قليوبي]
يَلْزَمُ مِنْهَا تَمَامُهُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَمَامِهِ نُمُوُّهُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ نُمُوِّهِ عُمُومُهُ، فَإِذَا جَمَعْت هَذِهِ الْكِمَالَاتِ رَأَيْت مَا ذَكَرَهُ قَاصِرًا عَنْهَا فَتَأَمَّلْ، وَمَعْنَى أَصِفُهُ أَعْتَرِفُ بِاتِّصَافِهِ بِجَمِيعِ صِفَاتِ الْكَمَالِ لَا بِمَعْنَى أَنَّهُ يَأْتِي بِهَا لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ، وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ اتِّحَادُ مَعْنَى الْكَمَالِ وَالتَّمَامِ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي غَيْرِ الْمَحْسُوسِ وَإِلَّا فَالتَّمَامُ لِنَقْصِ الذَّاتِ وَالْكَمَالُ لِنَقْصِ صِفَتِهَا فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَالْقَصْدُ إلَخْ) تَقَدَّمَ مَا فِيهِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ أَبْلَغُ إلَخْ) أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّ فِيهِ التَّجَدُّدَ إلَى غَيْرِ النِّهَايَةِ مَعَ وَصْفِهِ بِأَوْصَافِ الْكَمَالِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَالْأَوَّلُ أَوْقَعُ أَيْ أَكْثَرُ تَمَكُّنًا مِنْ حَيْثُ تَفْصِيلُهُ أَيْ تَعْيِينُهُ بِالْمَالِكِيَّةِ أَوْ الِاسْتِحْقَاقِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الْآخَرِ أَيْضًا لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ عُمُومِ وَصْفِهِ الْمُفِيدِ لَهَا. قَوْلُهُ: (وَفِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ مَا صَنَعَهُ الْمُصَنِّفُ، مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْحَدِيثِ، وَأَشَارَ بِتَفْسِيرِهِ إلَى أَنَّ الْحَمْدَ الْأَوَّلَ عِلَّةٌ فِي صُدُورِ الْحَمْدِ الثَّانِي. قَوْلُهُ: (أَعْلَمُ) بِمَعْنَى أَتَيَقَّنُ وَأُذْعِنُ، فَلَا يَكْفِي الْعِلْمُ وَحْدَهُ وَلَا الْعِلْمُ وَالتَّيَقُّنُ مِنْ غَيْرِ إذْعَانٍ كَمَا وَقَعَ لِبَعْضِ الْمُنَافِقِينَ، وَضَبْطُ الْمُصَنِّفِ لَهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ لَعَلَّهُ يُنَاسِبُ مَعْنَى أَشْهَدُ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ إعْلَامُ الْغَيْرِ لَا أَنَّهُ الْمُرَادُ مِنْهَا. قَوْلُهُ (بِحَقٍّ فِي الْوُجُودِ) ذَكَرَهُمَا لِأَنَّهُمَا مَحَلُّ النِّزَاعِ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَغَيْرِهِمْ.
قَوْلُهُ: (الْوَاجِبُ الْوُجُودِ) هُوَ الَّذِي لَا يَحْتَاجُ فِي وُجُودِهِ إلَى شَيْءٍ أَصْلًا مَعَ اسْتِحَالَةِ عَدَمِهِ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَنْقَسِمُ بِوَجْهٍ) أَيْ لَا فِعْلًا وَلَا وَهْمًا وَلَا فَرْضًا. قَوْلُهُ: (فَلَا مُشَابَهَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ بِوَجْهٍ) أَيْ لَا فِي ذَاتِهِ وَلَا فِي صِفَاتِهِ وَلَا فِي أَفْعَالِهِ. قَوْلُهُ: (الْغَفَّارُ) .
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ هُوَ مَعَ التَّعْرِيفِ بِأَلْ خَاصٌّ بِاَللَّهِ فَيَجُوزُ أَنْ يُطْلَقَ الْفِعْلُ مِنْهُ وَالِاسْمُ مُنَكَّرًا أَوْ مُضَافًا. عَلَى غَيْرِهِ تَعَالَى. قَوْلُهُ: (الْمُؤْمِنِينَ) سِرُّ تَقْيِيدِهِ بِهِمْ أَنَّهُ لَمَّا أَضَافَ الذُّنُوبَ الْمَسْتُورَةَ إلَى مَنْ أَرَادَ شَمِلَ سَتْرَ جَمِيعِهَا وَهُوَ لَا يَأْتِي فِي الْكَافِرِ لِأَنَّ ذَنْبَ الشِّرْكِ لَا يُغْفَرُ، فَلَا يَجُوزُ الدُّعَاءُ لَهُ بِمَغْفِرَتِهِ وَيَجُوزُ بِمَغْفِرَةِ مَا عَدَاهُ خِلَافًا لِلنَّوَوِيِّ بِالرَّحْمَةِ وَبِصِحَّةِ الْبَدَنِ وَكَثْرَةِ الْمَالِ وَالْوَلَدِ وَبِالْهِدَايَةِ وَيَجُوزُ التَّأْمِينُ عَلَى دُعَائِهِ وَيَجُوزُ طَلَبُ الدُّعَاءِ مِنْهُ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ مَعْنَى الْقَهْرِ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ إنَّهُ لِمُلَاحَظَةِ أَنَّ الْمَقَامَ مَطْلُوبٌ فِيهِ الذِّلَّةُ وَالْخُضُوعُ فَلَا يُنَافِي مَا فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ. قَوْلُهُ: (مُحَمَّدًا) هُوَ عَلَمٌ مَنْقُولٌ مِنْ صِفَةٍ هِيَ اسْمُ مَفْعُولٍ مُضَعَّفٌ بِتَكْرِيرِ عَيْنِهِ سَمَّاهُ بِهِ جَدُّهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بِإِلْهَامٍ مِنْ اللَّهِ رَجَاءَ أَنْ تَكْثُرَ خِصَالُهُ الْحَمِيدَةُ فَيَحْمَدَهُ النَّاسُ كَثِيرًا، وَقَدْ حَقَّقَ اللَّهُ تَعَالَى رَجَاءَهُ كَمَا سَبَقَ فِي عِلْمِهِ، كَذَا قَالُوا، وَفِيهِ نَظَرٌ بِمَا قِيلَ إنَّ تَسْمِيَتَهُ بِذَلِكَ بِأَمْرِ الْمَلَائِكَةِ لِأُمِّهِ بِهِ، وَفِيهِ بَحْثٌ، تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (عَبْدُهُ) الْعَبْدُ فِي الْأَصْلِ صِفَةٌ، ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ اسْتِعْمَالَ الْأَسْمَاءِ، وَالتَّعَبُّدُ التَّذَلُّلُ وَالْخُضُوعُ. وَالْعُبُودِيَّةُ أَشْرَفُ مِنْ الْعِبَادَةِ، بَلْ هِيَ أَشْرَفُ صِفَاتِ الْإِنْسَانِ، وَلِذَلِكَ وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا نَبِيَّهُ ﷺ فِي أَشْرَفِ الْمَوَاضِعِ، وَمِنْ نَظْمِ الْقَاضِي عِيَاضٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -:
وَمِمَّا زَادَنِي شَرَفًا وَتِيهًا ... وَكِدْت بِأَخْمُصِي أَطَأُ الثُّرَيَّا
دُخُولِي تَحْتَ قَوْلِك يَا عِبَادِي ... وَأَنْ صَيَّرْت أَحْمَدَ لِي نَبِيَّا
قَوْلُهُ: (وَرَسُولُهُ) وَصَفَهُ بِالْمُبَالَغَةِ لِأَنَّهُ تَتَبَّعَ أَخْبَارَ مُرْسِلِهِ، وَلَمْ يَقُلْ نَبِيُّهُ لِأَنَّهُ أَخَصُّ إذْ النَّبِيُّ إنْسَانٌ ذَكَرٌ حُرٌّ مِنْ بَنِي آدَمَ سَلِيمٌ عَنْ مُنَفِّرٍ طَبْعًا أُوحِيَ إلَيْهِ بِشَرْعٍ يَعْمَلُ بِهِ، فَإِنْ أُمِرَ بِتَبْلِيغِهِ فَرَسُولٌ، فَكُلُّ رَسُولٍ نَبِيٌّ وَلَا عَكْسَ. قَوْلُهُ: (الْمُصْطَفَى) مِنْ الصَّفْوَةِ فَأَصْلُ طَائِهِ تَاءٌ، وَالْمُخْتَارُ تَفْسِيرٌ لَهُ. قَوْلُهُ: (مِنْ النَّاسِ) هُمْ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ لَا الْمَلَائِكَةُ قَالَهُ شَيْخُنَا م ر: وَالرَّاجِحُ خِلَافُهُ، وَإِنَّمَا
ــ
[حاشية عميرة]
إرَادَةِ كُلِّ خَيْرٍ أَخْذًا مِنْ عُمُومِ النَّكِرَةِ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ، وَلَئِنْ سَلِمَ عَدَمُ الْعُمُومِ فَالتَّنْكِيرُ لِلتَّعْظِيمِ.
قَوْلُ الشَّارِحِ: (إذْ كُلٌّ مِنْهَا جَمِيلٌ) أَيْ وَالْحَمْدُ هُوَ الْوَصْفُ بِالْجَمِيلِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (مِنْ حَيْثُ تَفْصِيلُهُ) أَيْ تَعْيِينُهُ وَهُوَ صِفَةُ الْمَالِكِيَّةِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (أَيْ نَحْمَدُهُ إلَخْ) أَيْ فَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ أَيْضًا أَحْمَدُهُ أَبْلَغَ حَمْدٍ إلَخْ لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِلْحَمْدِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (أَيْ أَعْلَمُ) أَيْ وَأُذْعِنُ أَيْضًا. قَوْلُ الشَّارِحِ: (لَا يَنْقَسِمُ بِوَجْهٍ) أَيْ لَا فِعْلًا وَلَا فَرْضًا. قَوْلُ الشَّارِحِ: (مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ) يَقْتَضِي أَنَّ الْكَافِرَ لَا يُغْفَرُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْمَعَاصِي الزَّائِدَةِ عَلَى كُفْرِهِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (الْقَهَّارُ بَدَلَ الْغَفَّارِ) أَيْ كَمَا فِي التَّنْزِيلِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (لِأَنَّ مَعْنَى الْقَهْرِ إلَخْ) لَا يُقَالُ هُوَ مُعَارَضٌ بِمَا فِي التَّنْزِيلِ وَلِأَنَّا نَقُولُ: الْمَقَامُ هُنَا مَقَامُ الْوَصْفِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرَّحْمَةِ وَالْإِنْعَامِ فَكَانَ ذِكْرُ الْغَفَّارِ هُنَا أَنْسَبَ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (الْمُخْتَارُ) صِفَةٌ كَاشِفَةٌ.
قَوْلُ الشَّارِحِ: (مِنْ النَّاسِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: مِنْ الْخَلْقِ، لِيَدْعُوَهُمْ لِأَنَّ دَعْوَتَهُ تَعُمُّ غَيْرَ
1 / 7
لِيَدْعُوَهُمْ إلَى دِينِ الْإِسْلَامِ (صَلَّى اللَّه وَسَلَم عَلَيْهِ وَزَادَهُ فَضْلًا وَشَرَفًا لَدَيْهِ) أَيْ عِنْدَهُ وَالْقَصْدُ بِذَلِكَ الدُّعَاءُ أَيْ اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَيْهِ وَزِدْهُ. وَذَكَرَ التَّشَهُّدَ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ «كُلُّ خُطْبَةٍ لَيْسَ فِيهَا تَشَهُّدٌ فَهِيَ كَالْيَدِ الْجَذْمَاءِ» أَيْ الْقَلِيلَةِ الْبَرَكَةِ.
(أَمَّا بَعْدُ) أَيْ بَعْدَمَا تَقَدَّمَ (فَإِنَّ الِاشْتِغَالَ بِالْعِلْمِ) الْمَعْهُودِ شَرْعًا الصَّادِقِ بِالْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وَالتَّفْسِيرِ (مِنْ أَفْضَلِ
ــ
[حاشية قليوبي]
تَخْصِيصُ الشَّارِحِ بِقَوْلِهِ لِيَدْعُوَهُمْ إلَخْ فَإِنْ أَرَادَ شَيْخُنَا هَذَا فَوَاضِحٌ، وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ اخْتِيَارُهُ عَلَى سَائِرِ الْخَلْقِ لِأَنَّهُمْ أَفْضَلُ أَنْوَاعِ الْخَلْقِ وَخَصَّهُمْ بِالذِّكْرِ لِأَجْلِ مَا بَعْدَهُ وَإِلَّا فَهُوَ مُرْسَلٌ لِسَائِرِ الْخَلْقِ حَتَّى الْمَلَائِكَةِ وَالْجَمَادِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ خَوَاصَّ الْبَشَرِ وَهُمْ الْأَنْبِيَاءُ وَعِدَّتُهُمْ مِائَةُ أَلْفٍ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا مِنْهُمْ الرُّسُلُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ أَوْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ أَفْضَلُ مِنْ خَوَاصِّ الْمَلَائِكَةِ وَهُمْ رُسُلُهُمْ كَجِبْرِيلَ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ، وَأَنَّهُمْ أَفْضَلُ مِنْ عَوَامِّ الْبَشَرِ وَهُمْ الْأَتْقِيَاءُ، وَهُمْ أَفْضَلُ مِنْ عَوَامِّ الْمَلَائِكَةِ، وَبَنَاتُ آدَمَ أَفْضَلُ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ اللَّوَاتِي خُلِقْنَ مِنْ الزَّعْفَرَانِ أَوْ مِنْ تَسْبِيحِ الْمَلَائِكَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (ﷺ) الصَّلَاةُ مِنْ اللَّهِ رَحْمَةٌ، وَمِنْ الْمَلَائِكَةِ اسْتِغْفَارٌ، وَمِنْ غَيْرِهِمَا دُعَاءٌ، وَالْمُرَادُ مِنْ الصَّلَاةِ مِنْهُمْ كُلُّ لَفْظٍ فِيهِ دُعَاءٌ كَالرَّحْمَةِ وَالْعَفْوِ وَالرِّضَا، وَمَعْنَى صَلَاتِنَا عَلَيْهِ ﷺ طَلَبُ الصَّلَاةِ مِنْ اللَّهِ عَلَيْهِ إمَّا لِزِيَادَةِ الْمَرَاتِبِ لَهُ ﷺ فَإِنَّهَا لَا نِهَايَةَ لَهَا، وَإِمَّا لِحُصُولِ الثَّوَابِ لَنَا بِهَا، وَإِمَّا لِكَمَالِ الطَّالِبِ وَتَعْظِيمِ الْمَطْلُوبِ لَهُ فَهِيَ لَيْسَ مِنَّا، وَلِذَلِكَ لَا يَدْخُلُهَا الرِّيَاءُ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَعْمَالِ وَالسَّلَامُ بِمَعْنَى السَّلَامَةِ مِنْ النَّقَائِصِ، وَعَدَّى الصَّلَاةَ بِعَلَى لِتَضَمُّنِهَا مَعْنَى الرَّحْمَةِ وَإِنْ امْتَنَعَ الدُّعَاءُ لَهُ بِهَا لِبَشَاعَةِ اللَّفْظِ بِإِيهَامِ الذَّنْبِ، وَأَتَى بِالسَّلَامِ لِمُشَارَكَتِهِ لِلصَّلَاةِ فِي الطَّلَبِ، وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا خُرُوجًا مِنْ كَرَاهَةِ إفْرَادِ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ لَفْظًا وَخَطًّا مَعًا، وَقِيلَ: لَفْظًا وَنِيَّةً، وَقِيلَ: لَفْظًا فَقَطْ.
قَوْلُهُ: (فَضْلًا وَشَرَفًا) عَطْفُهُ مُرَادِفٌ أَوْ الْأَوَّلُ لِلْمَعَارِفِ الْبَاطِنَةِ وَالثَّانِي لِلْأَخْلَاقِ الظَّاهِرَةِ، وَهُمَا وَلَدَيْهِ مَعْمُولَاتٌ لِزَادَ. قَوْلُهُ: (وَالْقَصْدُ إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْجُمْلَةَ إنْشَائِيَّةٌ مَعْنًى لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ مَضْمُونُهَا بِبَقَائِهَا عَلَى الْخَبَرِيَّةِ، وَقِيَاسُهَا عَلَى جُمْلَةِ الْحَمْدِ فَاسِدٌ، إذْ لَيْسَ الْإِخْبَارُ بِهَا طَلَبًا لِلصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ، فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (الْقَلِيلَةِ الْبَرَكَةِ) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَإِنْ تَمَّتْ فِي الْحِسِّ كَعَكْسِهِ.
(تَنْبِيهَانِ: أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْمُصَنِّفَ سَكَتَ عَنْ الصَّلَاةِ عَلَى الْآلِ وَالصَّحْبِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَمَّا كَانَتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِمْ مُفَادَهَا حُصُولُ الْمَغْفِرَةِ وَقَدْ حَصَلَتْ لَهُمْ بِذِكْرِ الْغَفَّارِ، فَاسْتَغْنَى بِهِ فَتَأَمَّلْهُ. ثَانِيهِمَا: أَنَّهُ قَدْ اخْتَارَ فِي جُمْلَةِ الْحَمْدِ الْفَصْلَ، وَهُوَ عَدَمُ الْعَطْفِ لِلْإِشَارَةِ إلَى اسْتِقْلَالِهَا، وَقَدَّمَ الْبَسْمَلَةَ عَلَيْهَا لِتَعَلُّقِهَا بِالذَّاتِ وَعَمَلًا بِالْكِتَابِ وَالْإِجْمَاعِ، وَاخْتَارَ فِي جُمْلَةِ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ الْوَصْلَ، وَهُوَ الْعَطْفُ بِدُخُولِهِمَا فِي جُمْلَةِ التَّشَهُّدِ إيذَانًا بِالتَّبَعِيَّةِ لِتَمَيُّزِ رُتْبَةِ التَّابِعِ عَنْ رُتْبَةِ الْمَتْبُوعِ.
قَوْلُهُ: (أَمَّا بَعْدُ) ذِكْرُهَا مَنْدُوبٌ تَبَعًا لَهُ ﷺ فِي خُطَبِهِ وَكُتُبِهِ. وَلَا يُؤْتَى بِهَا إلَّا بَيْنَ أُسْلُوبَيْنِ مِنْ الْكَلَامِ، وَأَوَّلُ مَنْ نَطَقَ بِهَا دَاوُد ﷺ وَهِيَ فَصْلُ الْخِطَابِ الَّذِي أُوتِيَهُ لِأَنَّ جَمِيعَ الْكُتُبِ نَزَلَتْ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِالْعَرَبِيَّةِ ابْتِدَاءً كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مُوَضَّحًا، وَقِيلَ قُسُّ بْنُ سَاعِدَةَ، وَقِيلَ كَعْبُ بْنُ لُؤَيٍّ، وَقِيلَ يَعْرُبُ بْنُ قَحْطَانَ، وَأَصْلُهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ مَهْمَا يَكُنْ مِنْ شَيْءٍ بَعْدَمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ وَمَا بَعْدَهُمَا، فَكَذَا فَهُمَا مُبْتَدَأٌ وَضُمِّنَ مَعْنَى الشَّرْطِ، وَيَكُنْ فِعْلُهُ، وَجُمْلَتُهُ هِيَ الْخَبَرُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَهِيَ تَامَّةٌ، وَفَاعِلُهَا ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى مَهْمَا، وَمِنْ شَيْءٍ بَيَانٌ لِمَا، وَلَا يَصِحُّ كَوْنُ شَيْءٍ هُوَ الْفَاعِلُ وَمِنْ زَائِدَةٌ لِخُلُوِّ الْخَبَرِ عَنْ رَابِطٍ يَعُودُ عَلَى الْمُبْتَدَأِ، فَحُذِفَ مَهْمَا وَيَكُنْ، وَأُقِيمَ أَمَّا مَقَامَهُمَا اخْتِصَارًا وَتَفْصِيلًا لِلْمُجْمَلِ الْوَاقِعِ فِي الذِّهْنِ. فَحِينَ تَضَمَّنَتْ مَعْنَاهُمَا لَزِمَهَا لُصُوقُ الِاسْمِ وَالْفَاءِ، وَعَمِلَتْ فِي الظَّرْفِ قَضَاءً لِحَقِّ مَا كَانَ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَالظَّرْفُ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّمِّ لِنِيَّةِ مَعْنَى الْمُضَافِ إلَيْهِ، وَرُوِيَ مَنْصُوبًا بِلَا تَنْوِينٍ لِنِيَّةِ لَفْظِهِ، وَرُوِيَ مُنَوَّنًا مَرْفُوعًا وَمَنْصُوبًا بِالْقَطْعَةِ عَنْهُمَا، وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا وَالْأَخِيرُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ صَحِيحٌ عَلَى لُغَةِ مَنْ يَرْسُمُ الْمَنْصُوبَ بِصُورَةِ الْمَرْفُوعِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ ذَلِكَ تَعْلِيقُ فَضْلِ الِاشْتِغَالِ بِالْعِلْمِ عَلَى وُجُودِ شَيْءٍ فِي الْكَوْنِ بَعْدَ الْبَسْمَلَةِ وَمَا بَعْدَهَا، وَالْكَوْنُ لَا يَخْلُو عَنْ شَيْءٍ فَفَضْلُ الِاشْتِغَالِ ثَابِتٌ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ عَلَى الْوُجُودِ يَلْزَمُهُ الْوُجُودَ. قَوْلُهُ: (الِاشْتِغَالَ) أَيْ بِالتَّعَلُّمِ وَالتَّعْلِيمِ لَا بِطَلَبِهِمَا وَحْدَهُ.
قَوْلُهُ: (الْمَعْهُودِ شَرْعًا) فَأَلْ فِي الْعَلَمِ لِلْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ لِكُلِّ عِلْمٍ يَجُوزُ الِاشْتِغَالُ بِهِ شَرْعًا، وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَعْلُومَاتُ أَوْ إدْرَاكُهَا. قَوْلُهُ: (بِالْفِقْهِ إلَخْ) رَتَّبَهَا كَذَلِكَ لِأَنَّهُ اصْطِلَاحُ الْفُقَهَاءِ فِي الرُّتْبَةِ وَنَظَرًا لِكَثْرَةِ الْوُجُودِ
ــ
[حاشية عميرة]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 / 8
الطَّاعَاتِ) لِأَنَّهَا مَفْرُوضَةٌ وَمَنْدُوبَةٌ. وَالْمَفْرُوضُ أَفْضَلُ مِنْ الْمَنْدُوبِ، وَالِاشْتِغَالُ بِالْعِلْمِ مِنْهُ لِأَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَفِي حَدِيثٍ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ «فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ» (وَ) مِنْ (أَوْلَى مَا أُنْفِقَتْ فِيهِ نَفَائِسُ الْأَوْقَاتِ) وَهُوَ الْعِبَادَاتُ شَبَّهَ شَغْلَ الْأَوْقَاتِ بِهَا بِصَرْفِ الْمَالِ فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ الْمُسَمَّى بِالْإِنْفَاقِ، وَوَصَفَ الْأَوْقَاتَ بِالنَّفَاسَةِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَعْوِيضُ مَا يَفُوتُ مِنْهَا بِلَا عِبَادَةٍ، وَأَضَافَ إلَيْهَا صِفَتَهَا لِلسَّجْعِ، وَقَدْ يُقَالُ: هُوَ مِنْ إضَافَةِ الْأَعَمِّ إلَى الْأَخَصِّ كَمَسْجِدِ الْجَامِعِ، وَلَا يَصِحُّ عَطْفُ أَوْلَى عَلَى مِنْ أَفْضَلِ لِلتَّنَافِي بَيْنَهُمَا عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ (وَقَدْ أَكْثَرَ أَصْحَابُنَا ﵏ مِنْ التَّصْنِيفِ مِنْ الْمَبْسُوطَاتِ وَالْمُخْتَصَرَاتِ) فِي الْفِقْهِ وَالصُّحْبَةُ هُنَا الِاجْتِمَاعُ فِي اتِّبَاعِ الْإِمَامِ الْمُجْتَهِدِ فِيمَا يَرَاهُ مِنْ الْأَحْكَامِ مَجَازًا عَنْ الِاجْتِمَاعِ فِي الْعَشَرَةِ
(وَأَتْقَنُ مُخْتَصَرٍ الْمُحَرَّرُ لِلْإِمَامِ أَبِي الْقَاسِم) إمَامِ الدِّينِ عَبْدِ الْكَرِيمِ (الرَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) مَنْسُوبٌ إلَى رَافِعِ بْنِ
ــ
[حاشية قليوبي]
وَفَضْلِهَا عَلَى عَكْسِ ذَلِكَ التَّرْتِيبِ. قَوْلُهُ: (فَضْلُ الْعَالِمِ) أَيْ الْعَامِلِ بِعِلْمِهِ عَلَى الْعَابِدِ أَيْ الْمُتَعَبِّدِ بِعِلْمٍ، وَالْخِطَابُ لِلصَّحَابَةِ أَوْ لِلْأُمَّةِ وَهُوَ أَمْدَحُ، وَأَلْ فِيهِمَا لِلْجِنْسِ، نَحْوَ الرَّجُلُ خَيْرٌ مِنْ الْمَرْأَةِ، أَوْ لِلِاسْتِغْرَاقِ أَيْ فَضْلُ كُلِّ عَالِمٍ عَلَى كُلِّ عَابِدٍ، وَالْمَعْنَى أَنَّ نِسْبَةَ شَرَفِ الْعَالِمِ إلَى شَرَفِ الْعَابِدِ كَنِسْبَةِ شَرَفِهِ ﷺ إلَى أَدْنَى الصَّحَابَةِ أَوْ الْأُمَّةِ، وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي حَسَّنَهُ بَعْضُهُمْ «لَفَقِيهٌ وَاحِدٌ أَشَدُّ عَلَى الشَّيْطَانِ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ» وَفِي رِوَايَةٍ «إنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَأَهْلَ الْأَرْضِ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ فِي الْمَاءِ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ» وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَالَا: بَابٌ نَتَعَلَّمُهُ مِنْ الْعِلْمِ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ أَلْفِ رَكْعَةٍ تَطَوُّعًا، وَبَابٌ مِنْ الْعِلْمِ نَعْلَمُهُ عُمِلَ بِهِ أَوْ لَمْ يُعْمَلْ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ مِائَةِ رَكْعَةٍ تَطَوُّعًا، أَوْ قَالَا: أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ سَبْعِينَ غَزْوَةٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
وَفِي ذَلِكَ زِيَادَةُ فَضْلِ التَّعَلُّمِ عَلَى التَّعْلِيمِ وَلَعَلَّهُ لِإِمْكَانِ الْعَمَلِ إلَّا إنْ كَانَتْ الْغَزَوَاتُ أَفْضَلَ مِنْ الْأَلْفِ رَكْعَةٍ أَوْ مُسَاوِيَةً لَهَا، وَيَكُونُ ذِكْرُ الْمِائَةِ رَكْعَةٍ مَعَ مَا قَبْلَهُ مِنْ الْإِخْبَارِ بِالْأَقَلِّ قَبْلَ الْأَكْثَرِ، وَقِيلَ لِبَعْضِ الْحُكَمَاءِ: هَلْ الْعِلْمُ أَفْضَلُ أَوْ الْمَالُ؟ فَقَالَ: الْعِلْمُ، فَقَالُوا: فَمَا لَنَا نَرَى الْعُلَمَاءَ عَلَى أَبْوَابِ الْأَغْنِيَاءِ وَلَا نَرَى الْأَغْنِيَاءَ عَلَى أَبْوَابِ الْعُلَمَاءِ؟ فَقَالَ: الْعُلَمَاءُ عَرَفُوا مَنْفَعَةَ الْمَالِ، وَالْأَغْنِيَاءُ جَهِلُوا فَضِيلَةَ الْعِلْمِ وَتَقَدَّمَ حَدِيثُ «مَجْلِسُ فِقْهٍ خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ سِتِّينَ سَنَةً»، وَفِي حَدِيثٍ قَوَّاهُ بَعْضُهُمْ وَضَعَّفَهُ بَعْضُهُمْ «نَظْرَةٌ فِي وَجْهِ الْعَالِمِ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ مِنْ عِبَادِهِ سِتِّينَ سَنَةً صِيَامًا وَقِيَامًا» . قَوْلُهُ: (أُنْفِقَتْ) يُقَالُ فِي الْخَيْرِ أَنْفَقْت، وَفِي غَيْرِهِ أَسْرَفْت وَضَيَّعْت وَغَرِمْت. قَوْلُهُ: (نَفَائِسُ) جَمْعُ نَفِيسَةٍ فَلَوْ عَبَّرَ بَدَلَ الْأَوْقَاتِ بِمَا مُفْرَدُهُ مُؤَنَّثٌ كَالسَّاعَاتِ كَانَ أَوْلَى، قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ) أَيْ مَا أَنْفَقْت.
قَوْلُهُ: (شَبَّهَ إلَخْ) فَهُوَ اسْتِعَارَةٌ مُصَرَّحَةٌ لِوُقُوعِهَا فِي الْمَصْدَرِ أَوْ لَا تَبَعِيَّةَ لِاشْتِقَاقِ الْفِعْلِ مِنْهُ، وَالْجَامِعُ الْوُصُولُ إلَى الْمَقْصُودِ، وَيَصِحُّ كَوْنُهَا اسْتِعَارَةً مَكْنِيَّةً، وَأَنَّ التَّشْبِيهَ بِالْمَالِ وَإِثْبَاتَ الْإِنْفَاقِ تَخْيِيلٌ. قَوْلُهُ: (شَغْلَ) .
قَالَ الدَّمِيرِيِّ: فِيهِ أَرْبَعُ لُغَاتٍ ضَمُّ أَوَّلِهِ وَفَتْحُهُ مَعَ سُكُونِ ثَانِيهِ، وَفَتْحُهُمَا، وَضَمُّهُمَا، وَزَادَ بَعْضُهُمْ عَلَيْهِ كَسْرَ الشِّينِ وَالْغَيْنِ وَسُكُونَ الْغَيْنِ مَعَ كَسْرِ الشِّينِ وَفَتْحَ الشِّينِ مَعَ كَسْرِ الْغَيْنِ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إلَخْ) فَنَفَاسَتُهَا فِي ذَاتِهَا وَإِنْ لَمْ تُصْرَفْ فِي شَيْءٍ. قَوْلُهُ: (لِلتَّنَافِي) أَيْ بَيْنَ الْأَفْضَلِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ وَالْأَوْلَوِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ الَّتِي هِيَ الْمُرَادَةُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، لَا بِالنِّسْبَةِ لِبَعْضِ الْأَفْرَادِ، فَلَا يَرِدُ مَا قِيلَ إنَّهُ لَا تَنَافِي لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ مِنْ الْأَفْضَلِ وَهُمْ الْأَنْبِيَاءُ، وَهُوَ أَوْلَاهُمْ.
قَوْلُهُ: (وَقَدْ) هِيَ لِلتَّحْقِيقِ وَالتَّكْثِيرِ مَعًا، وَالْمُرَادُ بِالْأَصْحَابِ مُعْظَمُهُمْ، وَالتَّصْنِيفُ جَعْلُ الشَّيْءِ أَصْنَافًا مُمَيَّزَةً كَالْأَبْوَابِ وَالْفُصُولِ. وَالْمَبْسُوطُ مَا كَثُرَ لَفْظُهُ. وَالْمُخْتَصَرُ مَا قَلَّ لَفْظُهُ. وَلَا نَظَرَ لِلْمَعْنَى فَلَا وَاسِطَةَ. وَاخْتُلِفَ فِي أَوَّلِ مَنْ صَنَّفَ فِي الْفِقْهِ فَقِيلَ: مُحَمَّدُ بْنُ جُرَيْجٍ شَيْخُ مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ الزِّنْجِيِّ شَيْخُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ ﵃، وَشَيْخُ ابْنِ جُرَيْجٍ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَهُوَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ وَقِيلَ: الرَّبِيعُ بْنُ صَبِيحٍ. وَقِيلَ: سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ. وَأَمَّا غَيْرُهُ مِنْ الْعُلُومِ فَيُرَاجَعُ مِنْ مَحَلِّهِ وَمِنْهُ الْمُؤَلَّفُ الَّذِي جَمَعْنَا فِيهِ الْأَوَّلِيَّاتِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ نَظِيرٌ. قَوْلُهُ: (فِي الْعَشَرَةِ) فَهُوَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ لَهَا.
قَوْلُهُ: (وَأَتْقَنُ) أَيْ أَحْكَمُ. وَالْمُحَرَّرُ الْمُنَقَّى الْمُهَذَّبُ، وَكَوْنُ الْمُحَرَّرِ مُبْتَدَأٌ وَمَا قَبْلَهُ الْخَبَرُ أَوْلَى مِنْ عَكْسِهِ نَظَرًا لِلْأَشْهَرِ. قَوْلُهُ: (أَبِي الْقَاسِمِ) هِيَ كُنْيَةُ، وَالتَّكَنِّي بِهَا حَرَامٌ عَلَى وَاضِعِهَا وَلَوْ فِي غَيْرِ زَمَنِهِ ﷺ وَلِغَيْرِ مَنْ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ كَمَا اعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا
ــ
[حاشية عميرة]
الْبَشَرِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (لَدَيْهِ) ظَرْفٌ لِقَوْلِهِ: زَادَهُ.
قَوْلُ الشَّارِحِ: (شَرْعًا) أَيْ فِيهِ فَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمَعْنَى كُلُّ عَالِمٍ عَامِلٍ عَلَى كُلِّ عَابِدٍ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (أَدْنَاكُمْ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِأَصْحَابِهِ ﷺ أَوْ لِلْأُمَّةِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (شَبَّهَ إلَخْ) أَيْ فَهُوَ مِنْ الِاسْتِعَارَةِ التَّبَعِيَّةِ الْمُصَرَّحَةِ، وَالْجَامِعُ مَا يَحْصُلُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ الْوُصُولِ إلَى الْمَقَاصِدِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَصِحُّ تَشْبِيهُ الْأَوْقَاتِ بِالْمَالِ فَتَكُونُ مَكْنِيَّةً وَإِثْبَاتُ الْإِنْفَاقِ تَخْيِيلٌ.
قَوْلُ الشَّارِحِ: (بِلَا عِبَادَةٍ) أَيْ أَمَّا الَّذِي فَاتَ مَشْغُولًا بِالْعِبَادَةِ فَلَا يُطْلَبُ تَعْوِيضُهُ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (لِلتَّنَافِي بَيْنَهُمَا عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ) أَيْ الْمَذْكُورِ وَهُوَ الْعَطْفُ عَلَى الْجَارِّ
1 / 9
خَدِيجٍ الصَّحَابِيِّ كَمَا وُجِدَ بِخَطِّهِ فِيمَا حَكَى ﵀ (ذِي التَّحْقِيقَاتِ) الْكَثِيرَةِ فِي الْعِلْمِ وَالتَّدْقِيقَاتِ الْغَزِيرَةِ فِي الدِّينِ مِنْ كَرَامَاتِهِ مَا حُكِيَ أَنَّ شَجَرَةً أَضَاءَتْ عَلَيْهِ لَمَّا فَقَدَ وَقْتَ التَّصْنِيفِ مَا يُسْرِجُهُ عَلَيْهِ.
(وَهُوَ) أَيْ الْمُحَرَّرُ (كَثِيرُ الْفَوَائِدِ عُمْدَةٌ فِي تَحْقِيقِ الْمَذْهَبِ) أَيْ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ مِنْ الْأَحْكَامِ فِي الْمَسَائِلِ مَجَازًا عَنْ مَكَانِ الذَّهَابِ (مُعْتَمَدٌ لِلْمُفْتِي وَغَيْرِهِ مِنْ أُولِي الرَّغَبَاتِ) أَيْ أَصْحَابِهَا، وَهِيَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ جَمْعُ رَغْبَةٍ بِسُكُونِهَا (وَقَدْ الْتَزَمَ مُصَنِّفُهُ ﵀
ــ
[حاشية قليوبي]
الرَّمْلِيُّ، وَقَدْ اشْتَهَرَ بِهَا الرَّافِعِيُّ وَلَمْ يُعْلَمْ وَاضِعُهَا أَوْ هُوَ مِمَّنْ يَرَى حِلَّهَا بِأَنْ يُقَيِّدَ الْحُرْمَةَ بِزَمَنِهِ ﷺ أَوْ بِمَنْ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ أَوْ بِهِمَا مَعًا كَمَا قِيلَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا. قَوْلُهُ: (إمَامُ الدِّينِ عَبْدُ الْكَرِيمِ) فِيهِ تَقْدِيمُ اللَّقَبِ عَلَى الِاسْمِ، وَرَأَيْت فِي بَعْضِ التَّوَارِيخِ أَنَّ اسْمَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ رَافِعٍ فَلَا مُخَالَفَةَ إلَّا مِنْ حَيْثُ الِاسْمُ، وَهِيَ طَرِيقَةُ الْمُؤَرِّخِينَ، وَالرَّاجِحُ عِنْدَ النُّحَاةِ عَكْسُهَا.
قَوْلُهُ: (فِيمَا حُكِيَ) أَيْ عَنْ قَاضِي قَزْوِينَ مُظَفَّرِ الدِّينِ قَالَ: رَأَيْت بِخَطِّ الرَّافِعِيِّ وَهُوَ عِنْدِي فِي كِتَابِ التَّدْوِينِ فِي أَخْبَارِ قَزْوِينَ أَنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَى جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ الصَّحَابِيِّ انْتَهَى، وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ قَالَ: هُوَ نِسْبَةٌ إلَى رَافِعَانِ بَلْدَةٌ مِنْ الْعَجَمِ، بَلْ قَالَ الْقَاضِي جَلَالُ الدِّينِ: لَا يُعْرَفُ فِي نَوَاحِي الْعَجَمِ بَلْدَةٌ تُسَمَّى بِذَلِكَ، وَعَلَى مَنْ قَالَ هُوَ نِسْبَةٌ إلَى بَنِي رَافِعٍ قَبِيلَةٍ مِنْ الْعَرَبِ. قَوْلُهُ: (الْكَثِيرَةِ) هُوَ مِنْ اللَّامِ الدَّاخِلَةِ عَلَى جَمْعِ الْقِلَّةِ. قَوْلُهُ: (فِي الْعِلْمِ) لَامُهُ لِلِاسْتِغْرَاقِ فَإِنَّهُ كَمَا نُقِلَ كَانَ إمَامًا فِي غَالِبِ الْعُلُومِ، شَدِيدَ الِاحْتِرَازِ فِي تَرْجِيحِهَا وَفِي نَقْلِهَا وَعَزْوِهَا لِأَهْلِهَا إذَا شَكَّ فِي أَصْلِهَا وَكَانَ الْعِلْمُ فِي أَبِيهِ وَجَدِّهِ وَجَدَّتِهِ كَمَا فِي كِتَابِ الْأَمَالِي.
قَوْلُهُ: (فِي الدِّينِ) قَالَ النَّوَوِيُّ: كَانَ الرَّافِعِيُّ إمَامًا بَارِعًا فِي الْمَعَارِفِ وَالزُّهْدِ وَالْكَرَامَاتِ الْخَارِقَةِ تُوُفِّيَ بِقَزْوِينَ أَوَاخِرَ سَنَةِ ثَلَاثٍ أَوَائِلَ سَنَةِ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ وَسِتِّمِائَةٍ وَعُمْرُهُ نَحْوُ خَمْسٍ وَسِتِّينَ سَنَةً، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ سَبْعٍ أَوْ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَمَوْلِدُ الْإِمَامِ النَّوَوِيِّ بَعْدَ وَفَاتِهِ بِنَحْوِ سَبْعِ سِنِينَ لِأَنَّهُ وُلِدَ فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ إحْدَى وَثَلَاثِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَمَاتَ فِي رَجَبٍ سَنَةَ سِتٍّ وَسَبْعِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَعُمْرُهُ نَحْوُ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
قَوْلُهُ: (مَا حُكِيَ) أَيْ عَنْ الْإِمَامِ ابْنِ النَّقِيبِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. قَوْلُهُ: (أَنَّ شَجَرَةً) قِيلَ إنَّهَا مِنْ الْعِنَبِ وَمِنْ كَرَامَاتِ النَّوَوِيِّ أَنَّهُ أَضَاءَ لَهُ أُصْبُعُهُ لَمَّا فَقَدَ فِي وَقْتِ التَّصْنِيفِ مَا يُسْرِجُهُ عَلَيْهِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَهِيَ سَبَّابَةُ يَدِهِ الْيُسْرَى، وَهَذِهِ أَبْلَغُ كَرَامَةً مِنْ إضَاءَةِ الشَّجَرِ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ مَا يُوقَدُ.
(تَنْبِيهٌ) أَصْلُ التَّحْقِيقِ إثْبَاتُ الْمَسَائِلِ بِالْأَدِلَّةِ، وَالتَّدْقِيقُ إثْبَاتُ تِلْكَ الْأَدِلَّةِ بِأَدِلَّةٍ أُخْرَى، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ، وَأَضَافَ الثَّانِيَ لِلدِّينِ، إشَارَةً لِغَزَارَةِ دِينِهِ عَلَى عِلْمِهِ.
قَوْلُهُ: (عَلَيْهِ) أَيْ التَّصْنِيفِ أَوْ الرَّافِعِيِّ حِينَ التَّصْنِيفِ.
قَوْلُهُ: (الْفَوَائِدِ) جَمْعُ فَائِدَةٍ، وَهِيَ لُغَةً كُلُّ مَا اُسْتُفِيدَ مِنْ عِلْمٍ أَوْ غَيْرِهِ وَعُرْفًا كُلُّ مَصْلَحَةٍ تَرَتَّبَتْ عَلَى فِعْلٍ: وَلَهَا أَسْمَاءٌ بِحَسَبِ الْمُرَادِ مِنْهَا كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي مَحَلِّهِ. قَوْلُهُ: (فِي تَحَقُّقِ الْمَذْهَبِ) أَيْ صَوْغِهِ عَلَى الْوَجْهِ الثَّابِتِ الْمُحْكَمِ، وَالتَّدْقِيقُ عَلَى هَذَا إمْعَانُ النَّظَرِ وَالْغَوْصُ عَلَى غَوَامِضِ الْعِلْمِ. قَوْلُهُ: (الشَّافِعِيُّ) هُوَ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ نِسْبَةً إلَى جَدِّهِ شَافِعٍ، وَنَسَبُهُ مَشْهُورٌ مَذْكُورٌ فِي مَحَلِّهِ، وُلِدَ بِغَزَّةَ وَقِيلَ بِعَسْقَلَانَ سَنَةَ خَمْسِينَ وَمِائَةٍ، وَمَاتَ بِمِصْرَ، وَدُفِنَ بِقَرَافَتِهَا سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمِائَتَيْنِ، وَعَلَى قَبْرِهِ مِنْ الْجَلَالَةِ وَالِاحْتِرَامِ مَا يُنَاسِبُ مَقَامَ ذَلِكَ الْإِمَامِ.
قَوْلُهُ: (وَأَصْحَابُهُ) أَيْ فِي الْمَذَاهِبِ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (فِي الْمَسَائِلِ) أَيْ مُطْلَقَةً أَوْ الرَّاجِحَةِ لِأَنَّهَا الْمَقْصُودُ الْأَعْظَمُ. قَوْلُهُ: (مَكَانِ
ــ
[حاشية عميرة]
وَالْمَجْرُورِ مَعًا لِأَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِالْعِلْمِ بَعْضُ الْأَفْضَلِ، وَذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ الْأَوْلَى صَرْفُ الْأَوْقَاتِ النَّفِيسَةِ فِيهِ، وَلَك أَنْ تَقُولَ: مُفَادُ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِالْعِلْمِ بَعْضُ الْأَفْضَلِ، وَالْأَفْضَلُ فِي ذَاتِهِ مُتَفَاوِتُ الرُّتَبِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الشَّيْءِ بَعْضَ الْأَفْضَلِ أَنْ لَا يَكُونَ أَفْضَلَ كَالنَّبِيِّ ﷺ فَإِنَّهُ بَعْضُ الْأَفْضَلِ الَّذِينَ هُمْ الْأَنْبِيَاءُ مَعَ أَنَّهُ أَفْضَلُهُمْ، فَلَا تَنَافِيَ إنْ رُوعِيَ مَا فِي الْوَاقِعِ مِنْ أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِمَعْرِفَةِ اللَّهِ ﷾ أَفْضَلُ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَقَدْ أَكْثَرَ) هِيَ لِلتَّحْقِيقِ وَالتَّكْثِيرِ إذْ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا. قَوْلُ الْمَتْنِ: (أَصْحَابُنَا) أَيْ مَجْمُوعُهُمْ لَا كُلُّ فَرْدٍ فَرْدٍ مِنْهُمْ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (مِنْ الْمَبْسُوطَاتِ) أَيْ مِنْ تَصْنِيفِهَا أَوْ الْمُرَادُ بِالتَّصْنِيفِ الَّذِي فِي الْمَتْنِ الْمُصَنَّفَاتُ فَمَا بَعْدَهُ بَيَانٌ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (مَجَازًا) يَرْجِعُ لِقَوْلِهِ، وَالصُّحْبَةُ هُنَا مَجَازٌ عَلَاقَتُهُ الْمُشَابَهَةُ فِي التَّوَدُّدِ وَالتَّعَاوُنِ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَأَتْقَنُ مُخْتَصَرٍ) أَيْ مِنْ الْمُخْتَصَرَاتِ الْمَذْكُورَةِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (إمَامُ الدِّينِ) فِيهِ تَقْدِيمُ اللَّقَبِ عَلَى الِاسْمِ، وَذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى اصْطِلَاحِ الْمُؤَرِّخِينَ لَا عَلَى اصْطِلَاحِ النُّحَاةِ مِنْ تَأْخِيرِهِ عَنْ الِاسْمِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (ذِي التَّحْقِيقَاتِ) جَمْعُ تَحْقِيقَةٍ وَتَحْقِيقُ الْمَسَائِلِ إثْبَاتُهَا بِالْأَدِلَّةِ، وَالتَّدْقِيقُ إثْبَاتُهَا بِالْأَدِلَّةِ وَإِثْبَاتُ الْأَدِلَّةِ بِأَدِلَّةٍ أُخْرَى. قَوْلُ الشَّارِحِ: (الْكَثِيرَةِ فِي الْعِلْمِ) أَخَذَهُ مِنْ دَلَالَةِ اللَّامِ لِأَنَّهَا تُفِيدُ الْعُمُومَ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (لَمَّا فَقَدَ وَقْتَ التَّصْنِيفِ مَا يُسْرِجُهُ عَلَيْهِ) الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ رَاجِعٌ لِلتَّصْنِيفِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (عُمْدَةٌ) خَبَرٌ ثَانٍ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (مَجَازًا إلَخْ) أَيْ فَهُوَ اسْتِعَارَةٌ تَبَعِيَّةٌ مُصَرَّحَةٌ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (مُعْتَمَدٌ) خَبَرٌ ثَالِثٌ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (مِنْ
1 / 10
أَنْ يَنُصَّ) فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ (عَلَى مَا صَحَّحَهُ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ) فِيهَا (وَوَفَّى) بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ (بِمَا الْتَزَمَهُ) حَسْبَمَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ فَلَا يُنَافِي ذَلِكَ اسْتِدْرَاكَهُ عَلَيْهِ التَّصْحِيحَ فِي الْمَوَاضِعِ الْآتِيَةِ (وَهُوَ) أَيْ مَا الْتَزَمَهُ (مِنْ أَهَمِّ أَوْ) هُوَ (أَهَمُّ الْمَطْلُوبَاتِ) لِطَالِبِ الْفِقْهِ مِنْ الْوُقُوفِ عَلَى الْمُصَحَّحِ مِنْ الْخِلَافِ فِي مَسَائِلِهِ (لَكِنْ فِي حَجْمِهِ) أَيْ الْمُحَرَّرِ (كَبُرَ عَنْ أَنْ يُعْجِزَ حِفْظُهُ أَكْثَرَ أَهْلِ الْعَصْرِ) أَيْ الرَّاغِبِينَ فِي حِفْظِ مُخْتَصَرٍ فِي الْفِقْهِ (إلَّا بَعْضَ أَهْلِ الْعِنَايَاتِ) مِنْهُمْ فَلَا يَكْبُرُ، أَيْ يَعْظُمُ عَلَيْهِ حِفْظُهُ (فَرَأَيْت) مِنْ الرَّأْيِ فِي الْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ (اخْتِصَارَهُ) بِأَنْ لَا يَفُوتَ شَيْءٌ مِنْ مَقَاصِدِهِ (فِي نَحْوِ نِصْفِ حَجْمِهِ) هُوَ
ــ
[حاشية قليوبي]
الذَّهَابِ) فَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْمَكَانِ. قَوْلُهُ: (لِلْمُفْتِي) هُوَ مَنْ يُخْبِرُ سَائِلَهُ عَنْ حُكْمٍ فِي مَسْأَلَتِهِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْجَوَابُ بِشُرُوطٍ سَبْعَةٍ: كَوْنُ السُّؤَالِ عَنْ وَاجِبٍ وَعِلْمُهُ بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ، وَخَوْفُ فَوَاتِهِ، وَعَدَالَتُهُ، وَانْفِرَادُهُ بِمَعْرِفَةِ الْحُكْمِ، وَتَكْلِيفُهُ، وَتَكْلِيفُ السَّائِلِ.
قَالَ الْمُحَاسِبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يُسْأَلُ الْمُفْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْ ثَلَاثٍ: هَلْ أَفْتَى عَنْ عِلْمٍ، وَهَلْ نَصَحَ فِي الْفُتْيَا، وَهَلْ أَخْلَصَ فِيهَا لِلَّهِ تَعَالَى؟ . قَوْلُهُ: (وَغَيْرِهِ) كَالْمُدَرِّسِ وَالْمُتَعَلِّمِ. قَوْلُهُ: (مِنْ أُولَى الرَّغَبَاتِ) بَيَانٌ لِلْغَيْرِ، أَوَّلُهُ وَلِمَا قَبْلَهُ، وَالْمُرَادُ أُولَى الرَّغَبَاتِ فِيهِ لَا عَنْهُ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ لِلْعِلْمِ بِهِ.
قَوْلُهُ: (صَحَّحَهُ) لَوْ قَالَ: رَجَّحَهُ كَمَا فِي أَصْلِهِ لَكَانَ أَعَمَّ، وَيَنُصُّ بِمَعْنَى يَذْكُرُ لِأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى الدَّلِيلِ وَعَلَى اللَّفْظِ الصَّرِيحِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ) أَيْ أَكْثَرُ أَصْحَابِ الْإِمَامِ التَّابِعِينَ لَهُ فِي مَذْهَبِهِ، وَفِي هَذَا تَرْشِيحٌ إلَى أَنَّ الرَّافِعِيَّ أَوَّلُ مَنْ ابْتَكَرَ تَرْجِيحَ وَاحِدٍ مِنْ الْخِلَافَاتِ الْمُتَعَدِّدَةِ، وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ عَلَيْهِ مَعَ زِيَادَةِ تَمْيِيزِ الْأَقْوَالِ وَغَيْرِهَا، وَلَعَلَّ مِنْ بَيْنِهِمَا فِي التَّرْجِيحِ كَذَلِكَ وَهُمْ ثَلَاثَةٌ فَإِنَّ النَّوَوِيَّ أَخَذَ عَنْ الْكَمَالِ سَلَّارَ، وَهُوَ عَنْ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ صَاحِبِ الشَّامِلِ الصَّغِيرِ، وَهُوَ عَنْ الشَّيْخِ عَبْدِ الْغَفَّارِ الْقَزْوِينِيِّ صَاحِبِ الْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَهُوَ عَنْ الْإِمَامِ الرَّافِعِيِّ، وَهُوَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَبِي الْفَضْلِ، وَهُوَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، وَهُوَ عَنْ مُحَمَّدٍ الْغَزَالِيِّ، وَهُوَ عَنْ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ، وَهُوَ عَنْ وَالِدِهِ مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ، وَهُوَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْقَفَّالِ الْمَرْوَزِيِّ، وَهُوَ عَنْ أَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ، وَهُوَ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ، وَهُوَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْأَنْمَاطِيِّ، وَهُوَ عَنْ الْمُزَنِيّ، وَهُوَ عَنْ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ ﵏ أَجْمَعِينَ وَتَقَدَّمَ مَشَايِخُ الْإِمَامِ.
قَوْلُهُ: (حَسْبَمَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ) غَرَضُ الشَّارِحِ مِنْ هَذَا دَفْعُ الِاعْتِرَاضِ بِالِاسْتِدْرَاكِ الَّذِي سَيَذْكُرُهُ بَعْدُ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَفِيهِ نِسْبَةُ قُصُورٍ لِلرَّافِعِيِّ بِعَدَمِ اطِّلَاعِهِ عَلَى ذَلِكَ، فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: حَسْبَمَا تَرَجَّحَ عِنْدَهُ وَقْتَ التَّأْلِيفِ، وَلَعَلَّ هَذَا الَّذِي فَهِمَهُ النَّوَوِيُّ حَيْثُ أَطْلَقَ أَنَّهُ وَفَّى بِمَا الْتَزَمَ، وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ: إنَّ هَذِهِ الْمَوَاضِعَ لَوْ اطَّلَعَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهَا لَقَبِلُوهَا فَهِيَ مَا عَلَيْهِ الْمُعْظَمُ تَقْدِيرًا كَلَامٌ فِي غَايَةِ التَّهَافُتِ، وَحَقُّهُ أَنْ لَا يُذْكَرَ.
قَوْلُهُ: (الْمُصَحَّحِ) ذَكَرَهُ لِرِعَايَةِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالْأَوْلَى الْمُرَجَّحُ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (لَكِنْ إلَخْ) هَذَا شُرُوعٌ فِي الْعُذْرِ لِاخْتِصَارِهِ. قَوْلُهُ: (مِنْهُمْ) هُوَ عَائِدٌ لِأَهْلِ الْعَصْرِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ اسْتِثْنَاءَ أَهْلِ الْعِنَايَاتِ مِنْ أَهْلِ الْعَصْرِ، فَإِضَافَةُ أَهْلٍ إلَى أَكْثَرَ وَإِضَافَةُ بَعْضٍ إلَى أَهْلِ بَيَانِيَّةٌ أَوْ أَنَّ لَفْظَةَ بَعْضٍ وَلَفْظَةَ أَكْثَرَ مُقْحَمَتَانِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ أَهْلَ الْعَصْرِ فِيهِمْ أَهْلُ عِنَايَاتٍ لَا يَكْبُرُ عَلَيْهِمْ حِفْظُهُ وَقِيلَ إضَافَةُ أَهْلٍ عَلَى مَعْنَى مِنْ وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الْأَكْثَرِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْأَكْثَرَ فِيهِمْ أَهْلُ عِنَايَاتٍ وَبَعْضُهُمْ لَا يَكْبُرُ عَلَيْهِ حِفْظُهُ، فَيَنْضَمُّ إلَى الْأَقَلِّ الَّذِي عُلِمَ أَنَّهُمْ يَحْفَظُونَهُ، وَلَا يَلْزَمُ كَوْنُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْعِنَايَاتِ.
وَقِيلَ: لَفْظُ أَكْثَرَ بَاقٍ عَلَى مَعْنَاهُ، وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ مَفْهُومِهِ مُنْقَطِعٌ بِمَعْنَى لَكِنْ، وَإِضَافَتُهُ إلَى مَا بَعْدَهُ حَقِيقِيَّةٌ أَوْ بَيَانِيَّةٌ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْكَثِيرَ مِنْ أَهْلِ الْعَصْرِ الَّذِي خَرَجَ بِالْأَكْثَرِ أَهْلُ عِنَايَاتٍ، وَبَعْضُهُمْ أَوْ كُلُّهُمْ لَا يَكْبُرُ عَلَيْهِ حِفْظُهُ، وَقِيلَ: ضَمِيرُ مِنْهُمْ عَائِدٌ إلَى الْأَكْثَرِ بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهُ، وَكَأَنَّهُ اسْتِدْرَاكٌ عَلَيْهِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْأَكْثَرَ الَّذِي اُسْتُفِيدَ مِنْ الْعِبَارَاتِ أَنَّهُمْ يَكْبُرُ عَلَيْهِمْ حِفْظُهُ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِمْ بَلْ مِنْهُمْ أَهْلُ عِنَايَاتٍ وَبَعْضُهُمْ أَوْ كُلُّهُمْ لَا يَكْبُرُ عَلَيْهِ حِفْظُهُ فَيَنْضَمُّونَ لِلْكَثِيرِ الْخَارِجِ بِالْأَكْثَرِ كَمَا تَقَدَّمَ، لَكِنْ فِيهِ مُنَابَذَةٌ لِظَاهِرِ كَلَامِ الشَّارِحِ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (عَلَيْهِ) ضَمِيرُهُ عَائِدٌ إلَى الْبَعْضِ وَفِي نُسْخَةٍ عَلَيْهِمْ أَيْ الْبَعْضِ أَيْضًا بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهُ أَوْ أَهْلِ الْعِنَايَاتِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَيَّ أَنَّ الْإِضَافَةَ بَيَانِيَّةٌ فَتَأَمَّلْهُ. قَوْلُهُ: (مِنْ الرَّأْيِ) بِمَعْنَى الْجَزْمِ أَوْ الْمُنَاسِبِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ لَا مِنْ الرُّؤْيَةِ. قَوْلُهُ:
ــ
[حاشية عميرة]
أُولَى الرَّغَبَاتِ إلَخْ) بَيَانٌ لِقَوْلِهِ وَغَيْرِهِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (أَنْ يَنُصَّ) أَيْ يَذْكُرَ إمَّا بِنَصٍّ أَوْ ظَاهِرٍ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (عَلَى مَا صَحَّحَهُ) أَيْ رَجَّحَهُ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (حَسْبَمَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ) صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ وَفَاءً حَسْبَمَا إلَخْ.
وَقَالَ الشَّارِحُ: (فِي الْمَوَاضِعِ الْآتِيَةِ) أَيْ الَّتِي اسْتَدْرَكَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْأَكْثَرَ عَلَى خِلَافِ مَا رَجَّحَهُ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (كِبَرٌ) أَيْ مَانِعٌ مِنْ حِفْظِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعَصْرِ. قَوْلُ الْمَتْنِ (إلَّا بَعْضَ أَهْلِ الْعِنَايَاتِ) هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ وَالْمُرَادُ
1 / 11
صَادِقٌ بِمَا وَقَعَ فِي الْخَارِجِ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى النِّصْفِ بِيَسِيرٍ (لِيَسْهُلَ حِفْظُهُ) أَيْ الْمُخْتَصَرِ لِكُلِّ مَنْ يَرْغَبُ فِي حِفْظِ مُخْتَصَرٍ (مَعَ مَا) أَيْ مَصْحُوبًا ذَلِكَ الْمُخْتَصَرُ بِمَا (أَضُمُّهُ إلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) فِي أَثْنَائِهِ.
وَبِذَلِكَ قَرُبَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ أَصْلِهِ كَمَا قِيلَ (مِنْ النَّفَائِسِ الْمُسْتَجَادَاتِ) أَيْ الْمُسْتَحْسَنَاتِ (مِنْهَا التَّنْبِيهُ عَلَى قُيُودٍ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ) بِأَنْ تُذْكَرَ فِيهَا (هِيَ مِنْ الْأَصْلِ مَحْذُوفَاتٌ) أَيْ مَتْرُوكَاتٌ اكْتِفَاءً بِذِكْرِهَا فِي الْمَبْسُوطَاتِ (وَمِنْهَا مَوَاضِعُ يَسِيرَةٌ) نَحْوُ خَمْسِينَ مَوْضِعًا (ذَكَرَهَا فِي الْمُحَرَّرِ عَلَى خِلَافِ الْمُخْتَارِ فِي الْمَذْهَبِ) الْآتِي ذِكْرُهُ فِيهَا مُصَحَّحًا (كَمَا سَتَرَاهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) فِي مُخَالَفَتِهَا لَهُ نَظَرًا لِلْمَدَارِكِ (وَاضِحَاتٍ) فَذِكْرُ الْمُخْتَارِ فِيهَا هُوَ الْمُرَادُ، وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ أَوَّلًا كَانَ حَسَنًا (وَمِنْهَا إبْدَالُ مَا كَانَ مِنْ أَلْفَاظِهِ غَرِيبًا) أَيْ غَيْرَ مَأْلُوفِ الِاسْتِعْمَالِ (أَوْ مُوهِمًا) أَيْ مُوقِعًا فِي الْوَهْمِ أَيْ الذِّهْنَ (خِلَافَ الصَّوَابِ) أَيْ الْإِتْيَانُ بَدَلَ ذَلِكَ (بِأَوْضَحَ
ــ
[حاشية قليوبي]
بِأَنْ لَا يَفُوتَ إلَخْ) دَفْعٌ لِتَوَهُّمِ وُجُودِ الْخَلَلِ الَّذِي رُبَّمَا يُفْهَمُ مِنْ الِاخْتِصَارِ. قَوْلُهُ: (هُوَ صَادِقٌ إلَخْ) فَالْمُرَادُ بِالنَّحْوِ الزِّيَادَةُ بِقَرِينَةِ الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ. وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: بِيَسِيرٍ، إلَى الرَّدِّ عَلَى الْإِسْنَوِيِّ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ قَدْرُ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهِ، وَسَيُصَرَّحُ بِهِ.
قَوْلُهُ: (أَيْ الْمُخْتَصَرِ) الْمَفْهُومُ مِنْ اخْتِصَارِهِ دُفِعَ بِهِ رُجُوعُ ضَمِيرِهِ لِلْمُحَرَّرِ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ لِعَدَمِ صِحَّتِهِ. قَوْلُهُ (ذَلِكَ الْمُخْتَصَرِ) فَالْحَالُ مِنْ ضَمِيرِ حِفْظِهِ. قَوْلُهُ: (إنْ شَاءَ اللَّهُ) مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوْلِهِ: اخْتِصَارَهُ إلَخْ. قَوْلُهُ: (فِي أَثْنَائِهِ) بَيَانٌ لِلضَّمِّ الْمُوهِمِ كَوْنَهُ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ سَابِقٍ أَوْ لَاحِقٍ وَفِي إطْلَاقِ الضَّمِّ عَلَى نَحْوِ الْإِبْدَالِ تَسَامُحٌ. قَوْلُهُ: (قَرُبَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ أَصْلِهِ) فَهُوَ أَقَلُّ مِنْهَا كَمَا قِيلَ، وَالْمُشَاهَدُ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: (التَّنْبِيهُ) هُوَ لُغَةً الْإِيقَاظُ مِنْ النُّبْهِ بِالضَّمِّ بِمَعْنَى الْيَقَظَةِ أَوْ الْفِطْنَةِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا، وَفِيهِ إطْلَاقُ الْمَصْدَرِ عَلَى اسْمِ الْمَفْعُولِ أَيْ الْمُنَبَّهِ بِهِ، وَعُرْفًا مَا عُلِمَ مِنْ عِنْوَانِ الْبَحْثِ السَّابِقِ إجْمَالًا وَهُوَ لَا يُنَاسِبُ هُنَا فَتَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (قُيُودٍ) جَمْعُ قَيْدٍ وَهُوَ مَا جِيءَ بِهِ لِجَمْعٍ أَوْ مَنْعٍ أَوْ لِبَيَانِ الْوَاقِعِ، وَهُوَ الْأَصْلُ فِيهِ إنْ كَانَ مِنْ الْحَقِيقَةِ وَإِلَّا فَذِكْرُهُ عَبَثٌ وَمَا خَلَا عَنْ بَيَانِ الْوَاقِعِ يَلْزَمُهُ الِاحْتِرَازُ وَعَدَمُ ذِكْرِهِ مَعِيبٌ إنْ كَانَ قَيْدًا وَاحِدًا.
قَوْلُهُ: (مَتْرُوكَاتٍ) دَفَعَ بِهِ تَوَهُّمَ أَنَّ الْحَذْفَ يَلْزَمُهُ سَبْقُ الْوُجُودِ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ اكْتِفَاءً إلَخْ إلَى أَنَّ هَذَا سَائِغٌ عِنْدَ الْمُصَنِّفِينَ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (ذِكْرُهُ فِيهَا) أَيْ ذِكْرُ الْمُخْتَارِ فِي تِلْكَ الْمَوَاضِعِ. قَوْلُهُ: (فِي مُخَالَفَتِهَا لَهُ) أَيْ لِلْمُخْتَارِ، وَالْجُمْلَةُ كَالْبَدَلِ مِنْ تَرَاهَا لِأَنَّ الْمُرَادَ تَرَى خِلَافَهَا، فَفِيهِ تَقْدِيرُ مُضَافٍ قَبْلَ الضَّمِيرِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بَعْدُ.
وَالْمَدَارِكُ الْأَدِلَّةُ. قَوْلُهُ: (بِأَوْضَحَ وَأَخْصَرَ) أَيْ بِوَاضِحٍ مُخْتَصَرٍ كَمَا فِي إبْدَالِ كُنْدُوجٍ بِوِعَاءٍ فِي السَّرِقَةِ، وَلَا يَجُوزُ بِ يَشْتَرِطُ فِي أَوَّلِ الطَّهَارَةِ. فَكُلٌّ مِنْهُمَا رَاجِعٌ لِكُلٍّ مِنْ الْغَرِيبِ وَالْمُوهِمِ، فَلَا اعْتِرَاضَ وَلَا إيرَادَ. قَوْلُهُ: (ظَاهِرَاتٍ فِي أَدَاءِ الْمُرَادِ) دَفَعَ بِهِ تَوَهُّمَ
ــ
[حاشية عميرة]
بِالْبَعْضِ الْأَقَلُّ الْمُقَابِلُ لِلْأَكْثَرِ، وَضَمِيرُ مِنْهُمْ لِأَهْلِ الْعَصْرِ لَا لِلْأَكْثَرِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (بِأَنْ لَا يَفُوتَ إلَخْ) الْبَاءُ لِلْمُلَابَسَةِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (مِنْ الزِّيَادَةِ) أَيْ مِنْ كَوْنِهِ زَائِدًا. قَوْلُ الْمَتْنِ: (مَعَ مَا أَضُمُّهُ إلَيْهِ) فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى سَبْقِ الْخُطْبَةِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) تَنَازَعَ فِيهِ لِيَسْهُلَ وَأَضُمُّهُ. قَوْلُهُ: (أَيْ مَصْحُوبًا) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ حَالٌ مِنْ الضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ فِي حِفْظِهِ أَيْ حَالَ كَوْنِ ذَلِكَ الْمُخْتَصَرِ مَصْحُوبًا بِمَا أَضُمُّهُ إلَيْهِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (فِي أَثْنَائِهِ) دَفْعٌ لِمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّ الْمَضْمُومَ مُسْتَقِلٌّ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (مِنْهَا التَّنْبِيهُ) أَيْ الْمُنَبَّهُ بِهِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (عَلَى قُيُودٍ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ مُخْتَصَّةً بِتِلْكَ الْمَسْأَلَةِ أَوْ مُعَمَّمَةً، وَكَأَنَّهُ أَنَّثَ ضَمِيرَ فِيهَا بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْبَعْضَ اكْتَسَبَ تَأْنِيثًا مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ أَوْ لِأَنَّ مَعْنَاهُ مُؤَنَّثٌ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (قُيُودٍ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ) أَيْ مُعْتَبَرَةٍ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ، وَإِنَّمَا جَمَعَهُ لِأَنَّ الْبَعْضَ مُتَعَدِّدٌ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (بِأَنْ تُذْكَرَ) رَاجِعٌ لِلتَّنْبِيهِ وَالضَّمِيرُ فِي فِيهَا يَعُودُ لِبَعْضِ الْمَسَائِلِ. قَوْلُ الْمَتْنِ (مَحْذُوفَاتٌ) يَرْجِعُ لِقَوْلِهِ هِيَ مِنْ الْأَصْلِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (أَيْ مَتْرُوكَاتٌ) الْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ يَعْنِي لِأَنَّ هَذَا تَفْسِيرٌ مُرَادٌ إذْ الْحَذْفُ يَسْتَدْعِي سَبْقَ وُجُودٍ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (اكْتِفَاءً بِذِكْرِهَا فِي الْمَبْسُوطَاتِ) أَيْ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَمِنْهَا مَوَاضِعُ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ مِنْهَا التَّنْبِيهُ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (الْآتِي ذِكْرُهُ إلَخْ) قَيْدٌ مُخَصِّصٍ لِلْمُخْتَارِ يُحْتَرَزُ بِهِ عَنْ مُخْتَارِ الرَّافِعِيِّ، فَإِنَّهَا مَذْكُورَةٌ فِيهِ عَلَى وَفْقِهِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (ذِكْرُهُ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلْمُخْتَارِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (فِي مُخَالَفَتِهَا لَهُ) أَيْ لِلْمُخْتَارِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (نَظَرًا) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ سَتَرَاهَا. قَوْلُ الشَّارِحِ: (فَذِكْرُ الْمُخْتَارِ فِيهَا هُوَ الْمُرَادُ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ الْآتِي إلَخْ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ) عَطْفٌ عَلَى ذِكْرُ، فَالْفَاءُ مُقَدَّرَةٌ.
قَوْلُ الشَّارِحِ: (كَانَ حَسَنًا) لَمْ يَقُلْ كَانَ أَحْسَنَ لِأَنَّهُ لَا حُسْنَ عِنْده فِيمَا وَقَعَ مِنْ التَّعْبِيرِ. قَوْلُ
1 / 12
وَأَخْصَرَ مِنْهُ بِعِبَارَاتٍ جَلِيَّاتٍ) أَيْ ظَاهِرَاتٍ فِي أَدَاءِ الْمُرَادِ، وَأَدْخَلَ الْبَاءَ بَعْدَ لَفْظِ الْإِبْدَالِ عَلَى الْمَأْتِيِّ بِهِ مُوَافَقَةً لِلِاسْتِعْمَالِ الْعُرْفِيِّ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الْمَعْرُوفِ لُغَةً مِنْ إدْخَالِهَا عَلَى الْمَتْرُوكِ نَحْوَ: أَبْدَلْت الْجَيِّدَ بِالرَّدِيءِ، أَيْ أَخَذْت الْجَيِّدَ بِالرَّدِيءِ.
(وَمِنْهَا بَيَانُ الْقَوْلَيْنِ وَالْوَجْهَيْنِ وَالطَّرِيقَيْنِ وَالنَّصِّ وَمَرَاتِبِ الْخِلَافِ) قُوَّةً وَضَعْفًا فِي الْمَسَائِلِ (فِي جَمِيعِ الْحَالَاتِ) بِخِلَافِ الْمُحَرَّرِ فَتَارَةً يُبَيِّنُ نَحْوَ أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ وَأَظْهَرِ الْوَجْهَيْنِ، وَتَارَةً لَا يُبَيِّنُ نَحْوَ الْأَصَحِّ وَالْأَظْهَرِ (فَحَيْثُ أَقُولُ فِي الْأَظْهَرِ أَوْ الْمَشْهُورِ فَمِنْ الْقَوْلَيْنِ أَوْ الْأَقْوَالِ) لِلشَّافِعِيِّ ﵁ (فَإِنْ قَوِيَ الْخِلَافُ) لِقُوَّةِ مُدْرَكِهِ (قُلْت الْأَظْهَرُ) الْمُشْعِرُ
ــ
[حاشية قليوبي]
التَّكْرَارِ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْإِبْدَالِ بِمَا ذُكِرَ دَلَالَتُهُ عَلَى الْمُرَادِ. قَوْلُهُ: (وَأَدْخَلَ إلَخْ) هُوَ اعْتِرَاضٌ عَلَى الْمُصَنِّفِ وَقَدْ اشْتَبَهَ عَلَى الشَّارِحِ مَا فِي لَفْظِ بِغَيْرِهِ، فَقَدْ نَقَلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّ إدْخَالَ الْبَاءِ عَلَى الْمَأْخُوذِ فِي حَيِّزِ الْإِبْدَالِ هُوَ الْأَفْصَحُ الْمَعْرُوفُ لُغَةً، وَعَكْسَهُ فِي حَيِّزِ التَّبَدُّلِ وَالِاسْتِبْدَالِ وَالتَّبْدِيلِ، قَالَ: وَمَحَلُّهُ فِي الْكُلِّ إنْ لَمْ يُذْكَرْ مَعَ الْمَأْخُوذِ وَالْمَتْرُوكِ غَيْرُهُمَا فَتَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (بَيَانُ الْقَوْلَيْنِ) أَيْ ذِكْرُ عِبَارَاتٍ يُعْلَمُ مِنْهَا أَنَّ الْخِلَافَ أَقْوَالٌ لِلْإِمَامِ أَوْ أَوْجُهٌ لِأَصْحَابِهِ أَوْ مُرَكَّبٌ مِنْهُمَا، وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ أَحَدَ عَشَرَ صِيغَةً وَهِيَ: الْأَظْهَرُ وَالْمَشْهُورُ وَالْقَدِيمُ وَالْجَدِيدُ، وَفِي قَوْلٍ وَفِي قَوْلٍ قَدِيمٍ، وَالْأَصَحُّ وَالصَّحِيحُ، وَقِيلَ: وَالنَّصُّ وَالْمَذْهَبُ وَالسِّتَّةُ الْأُوَلُ لِلْأَقْوَالِ وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ السَّادِسَةُ مِنْهَا فِي كَلَامِهِ، وَالثَّلَاثَةُ بَعْدَهَا لِلْأَوْجُهِ، وَالْعَاشِرَةُ لِلْمُرَكَّبِ مِنْهُمَا يَقِينًا، وَالْأَخِيرَةُ مُحْتَمِلَةٌ لِلثَّلَاثَةِ، وَأَلْ فِي الْقَوْلَيْنِ وَاَللَّذَيْنِ بَعْدَهُ لِلْجِنْسِ كَمَا سَيَأْتِي.
قَوْلُهُ: (الْخِلَافِ) بِمَعْنَى الْمُخَالِفِ. قَوْلُهُ: (قُوَّةً وَضَعْفًا) تَمْيِيزٌ لِمَرَاتِبَ بِاعْتِبَارِ الْمَجْمُوعِ لِأَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَهَا فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَوْجُهِ فَقَطْ، فَإِنْ أَرَادَ بِالْمَرْتَبَةِ الرَّاجِحَ مِنْ غَيْرِهِ فَهُوَ فِي الْجَمِيعِ لَكِنْ لَا يُوَافِقُ كَلَامَهُ. قَوْلُهُ: (فِي الْمَسَائِلِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْقَوْلَيْنِ وَمَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (الْحَالَاتِ) أَيْ حَالَاتِ الْمَسَائِلِ فَهِيَ غَيْرُهَا خِلَافًا لِلْإِسْنَوِيِّ. قَوْلُهُ: (فَتَارَةً يُبَيِّنُ) أَيْ نَوْعَ الْخِلَافِ أَخْذًا مِمَّا بَعْدَهُ، وَيَلْزَمُهُ بَيَانُ الْمَرْتَبَةِ لِأَنَّ بَيَانَ النَّوْعِ مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَبَيَانَ الْمَرْتَبَةِ مِنْ الْمُضَافِ وَمِنْ غَيْرِ الْمُضَافِ، وَالشَّارِحُ لَمْ يَنْظُرْ لِلْمَرْتَبَةِ، وَيَلْزَمُهُ قُصُورٌ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَعَ صَرَاحَتِهِ بِالْمَرْتَبَةِ فِيهِ. قَوْلُهُ: (فِي الْأَظْهَرِ) لَوْ أَسْقَطَ الْجَارَّ كَاَلَّذِي بَعْدَهُ لَكَانَ أَوْلَى.
قَوْلُهُ (لِقُوَّةِ مُدْرَكِهِ) قُوَّةُ الْمُدْرَكِ وَضَعْفُهُ رَاجِعٌ لِلدَّلِيلِ الَّذِي اسْتَنَدَ إلَيْهِ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ ﵁، وَقَدْ لَا نَعْلَمُهُ وَإِنَّمَا يُعْلَمُ الرَّاجِحُ بِأُمُورٍ كَالنَّصِّ عَلَى أَرْجَحِيَّتِهِ فَالْعِلْمُ بِتَأَخُّرِهِ، فَالتَّفْرِيعُ عَلَيْهِ فَالنَّصُّ عَلَى فَسَادِ مُقَابِلِهِ فَإِفْرَادُهُ فِي مَحَلٍّ أَوْ فِي جَوَابٍ فَمُوَافَقَتُهُ لِمَذْهَبِ مُجْتَهِدٍ، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ مُرَجِّحٌ فَلِلْمُقَلِّدِ أَنْ يَعْمَلَ بِأَيِّ الْقَوْلَيْنِ شَاءَ، وَيَجُوزُ الْعَمَلُ بِالْمَرْجُوحِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لَا فِي الْإِفْتَاءِ وَالْقَضَاءِ إذَا لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ مُتَنَاقِضَيْنِ كَحِلٍّ وَحُرْمَةٍ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَيَجُوزُ تَقْلِيدُ بَقِيَّةِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَكَذَا غَيْرُهُمْ مَا لَمْ يَلْزَمْ تَلْفِيقٌ لَمْ يَقُلْ بِهِ وَاحِدٌ، كَمَسْحِ بَعْضِ الرَّأْسِ مَعَ نَجَاسَةٍ كَلْبِيَّةٍ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ، وَمَا لَمْ يَتَّبِعْ الرُّخْصَ بِحَيْثُ تَنْحَلُّ رِبْقَةُ التَّكْلِيفِ مِنْ عُنُقِهِ، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ أَثِمَ.
قَالَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ: وَلَا يَفْسُقُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. وَقَدْ نَظَمَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ:
وَجَازَ تَقْلِيدٌ لِغَيْرِ الْأَرْبَعَهْ ... فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَفِي هَذَا سَعَهْ
لَا فِي قَضَاءٍ مَعَ إفْتَاءٍ ذُكِرْ ... هَذَا عَنْ السُّبْكِيّ الْإِمَامِ الْمُشْتَهِرْ
ــ
[حاشية عميرة]
الْمَتْنِ (غَرِيبًا) حَالٌ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (أَيْ مَوْقِعًا فِي الْوَهْمِ) يُرِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَهْمِ هُنَا مَا يَشْمَلُ الِاحْتِمَالَ الرَّاجِحَ وَالْمَرْجُوحَ وَالْمُسَاوِيَ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (أَيْ الذِّهْنِ) الْأَحْسَنُ الْإِتْيَانُ بِيَعْنِي، وَالْمُرَادُ بِالذِّهْنِ النَّفْسُ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (خِلَافَ الصَّوَابِ) أَيْ مُخَالِفَهُ أَيْ فِي اعْتِقَادِهِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (أَيْ الْإِتْيَانَ) تَفْسِيرٌ لِلْإِبْدَالِ، وَأَخَّرَهُ لِيَرْتَبِطَ بِالْبَدَلِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (بِأَوْضَحَ) قَضِيَّتُهُ أَنَّ الْأَوَّلَ فِيهِ إيضَاحٌ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (بِعِبَارَاتٍ جَلِيَّاتٍ) الْبَاءُ إمَّا سَبَبِيَّةٌ أَوْ لِلْمُلَابَسَةِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (أَيْ ظَاهِرَاتٍ) أَيْ بَيِّنَاتٍ لَا مُقَابِلِ النَّصِّ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (مِنْ إدْخَالِهَا) بَيَانٌ لِلْمَعْرُوفِ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (الْقَوْلَيْنِ) أَوْ الْأَقْوَالِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ وَالْوَجْهَيْنِ، أَيْ أَوْ الْأَوْجُهِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ وَالطَّرِيقَيْنِ، أَيْ أَوْ الطُّرُقِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَالنَّصِّ) هُوَ قَوْلٌ مَخْصُوصٌ بِاعْتِبَارِ مَا يُقَابِلُهُ مِنْ قَوْلٍ مُخَرَّجٍ أَوْ وَجْهٍ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَمَرَاتِبِ الْخِلَافِ) أَيْ الْمُخَالِفِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (فِي الْمَسَائِلِ) الظَّاهِرُ أَنَّ سَائِرَ مَا مَرَّ تَنَازَعَ فِيهِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (فِي جَمِيعِ الْحَالَاتِ) يَعْنِي الْمَسَائِلَ الَّتِي وَرَدَ فِيهَا ذَلِكَ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (فَتَارَةً يُبَيِّنُ) أَيْ النَّوْعَ فَقَطْ وَقَوْلُهُ، وَتَارَةً لَا يُبَيِّنُ أَيْ النَّوْعَ فَقَطْ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (فَإِنْ قَوِيَ الْخِلَافُ) أَيْ الْمُخَالِفُ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (قُلْت إلَخْ) أَيْ فِيمَا أُرِيدُ تَرْجِيحَهُ.
قَوْلُ الْمَتْنِ (فَإِنْ قَوِيَ الْخِلَافُ إلَخْ) لَمْ يَزِدْ الشَّارِحُ ﵀ نَظِيرَ مَا سَلَفَ إحَالَةً عَلَى مَا سَلَفَ. قَوْلُ الشَّارِحِ (فَإِنَّ
1 / 13
بِظُهُورِ مُقَابِلِهِ (وَإِلَّا فَالْمَشْهُورُ) الْمُشْعِرُ بِغَرَابَةِ مُقَابِلِهِ لِضَعْفِ مُدْرَكِهِ. (وَحَيْثُ أَقُولُ الْأَصَحُّ أَوْ الصَّحِيحُ فَمِنْ الْوَجْهَيْنِ أَوْ الْأَوْجُهِ) لِلْأَصْحَابِ يَسْتَخْرِجُونَهَا مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ ﵁ (فَإِنْ قَوِيَ الْخِلَافُ قُلْت الْأَصَحُّ وَإِلَّا فَالصَّحِيحُ) وَلَمْ يُعَبِّرْ بِذَلِكَ فِي الْأَقْوَالِ تَأَدُّبًا مَعَ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ ﵁ كَمَا قَالَ، فَإِنَّ الصَّحِيحَ مِنْهُ مُشْعِرٌ بِفَسَادِ مُقَابِلِهِ. (وَحَيْثُ أَقُولُ الْمَذْهَبُ فَمِنْ الطَّرِيقَيْنِ أَوْ الطُّرُقِ) وَهِيَ اخْتِلَافُ الْأَصْحَابِ فِي حِكَايَةِ الْمَذْهَبِ كَأَنْ يَحْكِيَ بَعْضُهُمْ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ أَوْ وَجْهَيْنِ لِمَنْ تَقَدَّمَ، وَيَقْطَعَ بَعْضُهُمْ بِأَحَدِهِمَا ثُمَّ الرَّاجِحُ الَّذِي عَبَّرَ عَنْهُ بِالْمَذْهَبِ إمَّا طَرِيقُ الْقَطْعِ أَوْ الْمُوَافِقِ لَهَا مِنْ طَرِيقِ الْخِلَافِ أَوْ الْمُخَالِفِ لَهَا كَمَا سَيَظْهَرُ فِي الْمَسَائِلِ، وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ مُرَادَهُ الْأَوَّلُ وَأَنَّهُ الْأَغْلَبُ مَمْنُوعٌ (وَحَيْثُ أَقُولُ النَّصُّ فَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ ﵀ وَيَكُونُ هُنَاكَ) أَيْ مُقَابِلُهُ (وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَوْ قَوْلٌ مُخَرَّجٌ) مِنْ نَصٍّ لَهُ فِي نَظِيرِ الْمَسْأَلَةِ لَا يُعْمَلُ بِهِ.
(وَحَيْثُ أَقُولُ الْجَدِيدُ فَالْقَدِيمُ خِلَافُهُ أَوْ الْقَدِيمُ أَوْ فِي قَوْلٍ قَدِيمٍ فَالْجَدِيدُ خِلَافُهُ) . وَالْقَدِيمُ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ ﵁
ــ
[حاشية قليوبي]
ثُمَّ مَا تَقَدَّمَ فِي الْأَقْوَالِ يَجْرِي فِي الْأَوْجُهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ: (يَسْتَخْرِجُونَهَا) أَيْ غَالِبًا مِنْ قَوَاعِدِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ وَضَوَابِطِهِ، وَقَدْ تَكُونُ بِاجْتِهَادٍ مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ مُلَاحَظَةِ كَلَامِهِ.
قَوْلُهُ: (كَمَا قَالَ) أَيْ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. قَوْلُهُ: (مِنْهُ) أَيْ التَّعْبِيرِ. قَوْلُهُ: (مُشْعِرٌ) أَيْ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ لَا أَنَّ مُقَابِلَهُ فَاسِدٌ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ لِمَا مَرَّ مِنْ جَوَازِ الْعَمَلِ بِهِ وَاخْتُلِفَ فِي حُكْمِ الْمَأْخُوذِ مِنْ الْأَصَحِّ أَوْ الصَّحِيحِ أَيُّهُمَا أَقْوَى، فَقِيلَ: الْأَوَّلُ وَعَلَيْهِ جَرَى شَيْخُنَا لِزِيَادَةِ قُوَّتِهِ، وَقِيلَ: الثَّانِي لِأَنَّهُ قَرِيبٌ مِنْ الْمَقْطُوعِ بِهِ، وَعَلَيْهِ جَرَى بَعْضُهُمْ، وَهُوَ أَوَجْهُ، وَكَذَا يُقَالُ فِي الْأَظْهَرِ وَالْمَشْهُورِ.
قَوْلُهُ: (الْمَذْهَبُ إلَخْ) مِنْهُ يُعْلَمُ كَوْنُ الْخِلَافِ طُرُقًا، وَهُوَ الَّذِي الْتَزَمَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا سَبَقَ ثُمَّ إنْ أُرِيدَ بِمَرْتَبَةِ الْخِلَافِ أَرْجَحِيَّةُ الْمَذْكُورِ عَلَى مُقَابِلِهِ فَهِيَ مَعْلُومَةٌ أَيْضًا كَمَا مَرَّ، وَسَيُشِيرُ الشَّارِحُ إلَيْهَا، وَإِنْ أُرِيدَ بِهَا كَوْنُ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ بِالْمَذْهَبِ هُوَ الْأَظْهَرُ أَوْ الْمَشْهُورُ أَوْ الْأَصَحُّ أَوْ الصَّحِيحُ مَثَلًا فَهُوَ وَارِدٌ عَلَيْهِ. وَأَمَّا كَوْنُ الْخِلَافِ فِي الطُّرُقِ أَقْوَالًا أَوْ أَوْجُهًا، فَالْمُصَنِّفُ لَمْ يَلْتَزِمْهُ فِيمَا سَبَقَ فَهُوَ غَيْرُ وَارِدٍ عَلَيْهِ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَهُ. قَوْلُهُ: (كَأَنْ يَحْكِيَ) أَيْ يَجْزِمَ بِثُبُوتِ الْقَوْلَيْنِ مَثَلًا، وَيَقْطَعَ بَعْضُهُمْ أَيْ يَجْزِمَ بِثُبُوتِ أَحَدِهِمَا سَوَاءٌ نُفِيَ وُجُودُ الْآخَرِ مِنْ أَصْلِهِ، أَوْ نُفِيَ حُكْمُهُ بِحَمْلِهِ عَلَى غَيْرِ مَا يُفِيدُهُ حُكْمُ الْأَوَّلِ، فَعُلِمَ أَنَّ الْحِكَايَةَ أَوْ الْجَزْمَ هُوَ الطَّرِيقُ، فَيَجْزِمَ عَطْفٌ عَلَى يَحْكِيَ، وَلَوْ قَالَ بِأَنْ يَحْكِيَ لَكَانَ أَوْلَى.
وَالِاخْتِلَافُ فِي كَلَامِهِ بِمَعْنَى الْمُخَالِفِ. قَوْلُهُ: (وَمَا قِيلَ) أَيْ عَنْ الْإِسْنَوِيِّ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ، وَالْمُرَادُ بِالْأَوَّلِ طَرِيقُ الْقَطْعِ، وَإِلَيْهِ يَرْجِعُ ضَمِيرُ، وَأَنَّهُ الْأَغْلَبُ، ثُمَّ إنْ جَعَلْت هَذِهِ الْجُمْلَةَ حَالًا مِنْ الْأَوَّلِ وَالْمَعْنَى أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ الْأَوَّلُ غَالِبًا فَهُوَ قَوْلٌ وَاحِدٌ، وَإِلَّا فَهُمَا قَوْلَانِ، وَالْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ قِيلَ إنَّ طَرِيقَ الْقَطْعِ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ دَائِمًا. وَقِيلَ إنَّهُ مُرَادُهُ غَالِبًا، وَالْمَنْعُ مُنْصَبٌّ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْمَذْهَبِ أَحَدَ الْقَوْلَيْنِ أَوْ الْوَجْهَيْنِ مِنْ الْحَاكِيَةِ، وَحِينَئِذٍ فَهَلْ هُوَ الْمُوَافِقُ لِطَرِيقِ الْقَطْعِ أَوْ الْمُخَالِفُ لَهُ؟
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ بِالْأَوَّلِ، وَخَالَفَهُمَا شَيْخُنَا فِي شَرْحِهِ تَبَعًا لِابْنِ حَجَرٍ، وَكَلَامُ الشَّارِحِ يُوَافِقُهُ. قَوْلُهُ: (النَّصُّ) أَيْ هَذِهِ الصِّيغَةُ بِخُصُوصِهَا بِخِلَافِ لَفْظِ الْمَنْصُوصِ فَقَدْ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ النَّصِّ وَعَنْ الْقَوْلِ وَعَنْ الْوَجْهِ فَالْمُرَادُ بِهِ حِينَئِذٍ الرَّاجِحُ عِنْدَهُ.
قَوْلُهُ: (وَجْهٌ ضَعِيفٌ) أَيْ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مُقَابِلًا لِلنَّصِّ سَوَاءٌ عَبَّرَ عَنْهُ بِالْأَصَحِّ أَوْ الصَّحِيحِ. قَوْلُهُ: (لَا يُعْمَلُ بِهِ) أَيْ مِنْ حَيْثُ مُقَابَلَتُهُ لِلنَّصِّ، وَلَا يَجُوزُ نِسْبَتُهُ لِلْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ ﵁ إلَّا مُقَيَّدًا. قَوْلُهُ: (أَوْ فِي قَوْلٍ قَدِيمٍ) أَيْ لَوْ فُرِضَ أَنَّهُ عَبَّرَ بِذَلِكَ فَلَا يَرِدُ أَنَّهُ لَمْ يُعَبِّرْ بِهِ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (وَالْقَدِيمُ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ ﵁ بِالْعِرَاقِ) وَكَذَا بَعْدَهُ قَبْلَ دُخُولِ مِصْرَ، وَلَمْ يَسْتَقِرَّ رَأْيُهُ
ــ
[حاشية عميرة]
الصَّحِيحَ مِنْهُ) الضَّمِيرُ فِيهِ يَرْجِعُ لِقَوْلِهِ بِذَلِكَ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (كَأَنْ يَحْكِيَ بَعْضُهُمْ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ مُسَمَّى الطَّرِيقَةِ نَفْسُ الْحِكَايَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَقَدْ جَعَلَهَا الشَّارِحُ اسْمًا لِلِاخْتِلَافِ اللَّازِمِ لِحِكَايَةِ الْأَصْحَابِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (لِمَنْ تَقَدَّمَ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ وَجْهَيْنِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (وَإِنَّهُ) الضَّمِيرُ فِيهِ يَرْجِعُ لِلْمُرَادِ، وَقَوْلُهُ: مَمْنُوعٌ مَنْعُ إرَادَتِهِ وَاضِحٌ، وَأَمَّا مَنْعُ أَغْلَبِيَّتِهِ فَمُقْتَضَاهُ إمَّا التَّسَاوِي وَهُوَ بَعِيدٌ وَإِمَّا أَغْلَبِيَّةُ الْمُوَافِقِ وَالْمُخَالِفِ، فَإِنْ أُرِيدَ أَحَدُهُمَا عَلَى التَّعْيِينِ فَمَمْنُوعٌ، وَإِنْ أُرِيدَ مَجْمُوعُهُمَا فَرُبَّمَا يَسْلَمُ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (لَا يُعْمَلُ بِهِ) أَيْ بِذَلِكَ الْقَوْلِ الْمُخَرَّجِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (لَا يُعْمَلُ بِهِ) أَيْ غَالِبًا، وَيَجُوزُ نِسْبَتُهُ لِلْإِمَامِ.
1 / 14
بِالْعِرَاقِ، وَالْجَدِيدُ مَا قَالَهُ بِمِصْرَ، وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ إلَّا فِيمَا يُنَبِّهُ عَلَيْهِ كَامْتِدَادِ وَقْتِ الْمَغْرِبِ إلَى مَغِيبِ الشَّفَقِ الْأَحْمَرِ فِي الْقَدِيمِ كَمَا سَيَأْتِي. (وَحَيْثُ أَقُولُ: وَقِيلَ كَذَا، فَهُوَ وَجْهٌ ضَعِيفٌ، وَالصَّحِيحُ أَوْ الْأَصَحُّ خِلَافُهُ وَحَيْثُ أَقُولُ: وَفِي قَوْلٍ كَذَا فَالرَّاجِحُ خِلَافُهُ) وَيَتَبَيَّنُ قُوَّةُ الْخِلَافِ وَضَعْفُهُ مِنْ مُدْرَكِهِ (وَمِنْهَا مَسَائِلُ نَفِيسَةٌ أَضُمُّهَا إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْمُخْتَصَرِ فِي مَظَانِّهَا (يَنْبَغِي أَنْ لَا يُخْلَى الْكِتَابُ) أَيْ الْمُخْتَصَرُ وَمَا يُضَمُّ إلَيْهِ (مِنْهَا) صَرَّحَ بِوَصْفِهَا الشَّامِلِ لَهُ مَا تَقَدَّمَ، وَزَادَ عَلَيْهِ إظْهَارًا لِلْعُذْرِ فِي زِيَادَتِهَا فَإِنَّهَا عَارِيَّةٌ عَنْ التَّنْكِيتِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهَا (وَأَقُولُ فِي أَوَّلِهَا قُلْت وَفِي آخِرِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِتَتَمَيَّزَ عَنْ مَسَائِلِ الْمُحَرَّرِ، وَقَدْ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي اسْتِدْرَاكِ التَّصْحِيحِ عَلَيْهِ، وَقَدْ زَادَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ كَقَوْلِهِ فِي فَصْلِ الْخَلَاءِ وَلَا يَتَكَلَّمُ (وَمَا وَجَدْته) أَيُّهَا النَّاظِرُ فِي هَذَا الْمُخْتَصَرِ (مِنْ زِيَادَةِ لَفْظَةٍ وَنَحْوِهَا عَلَى مَا فِي الْمُحَرَّرِ فَاعْتَمِدْهَا فَلَا بُدَّ مِنْهَا)
ــ
[حاشية قليوبي]
عَلَيْهِ فِيهَا.
قَالَ الْإِمَامُ: وَلَا يَحِلُّ عَدُّهُ مِنْ الْمَذْهَبِ مَا لَمْ يَدُلَّ لَهُ نَصٌّ أَوْ يُرَجِّحْهُ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلتَّرْجِيحِ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَالْمَشْهُورُ مِنْ رُوَاتِهِ أَرْبَعَةٌ الْكَرَابِيسِيُّ وَالزَّعْفَرَانِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ.
قَوْلُهُ: (وَالْجَدِيدُ مَا قَالَهُ بِمِصْرَ) أَيْ بَعْدَ دُخُولِهَا أَوْ مَا اسْتَقَرَّ رَأْيُهُ عَلَيْهِ فِيهَا وَإِنْ كَانَ قَدْ قَالَهُ بِالْعِرَاقِ، وَالْمَشْهُورُ مِنْ رُوَاتِهِ أَرْبَعَةٌ الْمُزَنِيّ وَالْبُوَيْطِيُّ وَالرَّبِيعُ الْمُرَادِيُّ وَالرَّبِيعُ الْجِيزِيُّ، وَمِنْهُمْ حَرْمَلَةُ وَيُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ الْمَكِّيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ الَّذِي قُبِرَ الشَّافِعِيُّ فِي بَيْتِهِ وَأَبُوهُ. قَوْلُهُ: (وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ) فِيهِ اعْتِرَاضٌ عَلَى الْمُصَنِّفِ حَيْثُ لَمْ يُنَبِّهْ عَلَى الرَّاجِحِ مِنْهُمَا وَعِلْمُهُ مِنْ فَحَوَى الْمَقَامِ لَا يُغْنِيهِ عَنْ ذِكْرِهِ، وَانْظُرْ هَلْ هَذَا وَمَا بَعْدَهُ إلَى آخِرِ هَذِهِ النَّفِيسَةِ دَاخِلٌ تَحْتَ أَوَّلِهَا مِنْ بَيَانِ الْقَوْلَيْنِ إلَخْ. الظَّاهِرُ نَعَمْ، وَتَأْخِيرُ هَذَا عَنْ النَّصِّ لَا يُنَافِيهِ لِاخْتِلَافِ نَوْعِهِ لِأَنَّ مَا قَبْلَ النَّصِّ فِي ذِكْرِ الرَّاجِحِ وَمَا بَعْدَهُ فِي ذِكْرِ الْمَرْجُوحِ، فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَالصَّحِيحُ أَوْ الْأَصَحُّ) لَمْ يَقُلْ: فَالرَّاجِحُ خِلَافُهُ، كَاَلَّذِي بَعْدَهُ لِعِلْمِ الرَّاجِحِيَّةِ فِي مُقَابِلِهِ مِنْ لَفْظٍ ضَعِيفٍ فِيهِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ إلَّا مَعْرِفَةَ أَنَّهُ صَحِيحٌ أَوْ أَصَحُّ، وَلِمَا عُلِمَ أَنَّ مُقَابِلَ مَا بَعْدَهُ أَقْوَالٌ، وَلَمْ تُعْلَمْ الرَّاجِحِيَّةُ نَصَّ عَلَيْهَا فَقَدْ نَصَّ فِي كُلٍّ عَلَى مَا لَمْ يُعْلَمْ مِنْ الْآخَرِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَبِتَبْيِينِ قُوَّةِ الْخِلَافِ وَضَعْفِهِ) أَيْ فِي الْمُقَابِلِ لِلْوَجْهِ وَالْمُقَابِلِ لِلْقَوْلِ، وَقِيلَ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: الْمَذْهَبُ إلَخْ. قَوْلُهُ: (يَنْبَغِي) أَيْ يُطْلَبُ طَلَبًا مُؤَكَّدًا.
قَوْلُهُ: (وَمَا يُضَمُّ إلَيْهِ) بِالْمَعْنَى الشَّامِلِ لَهَا لِأَنَّ الْكِتَابَ هُنَا اسْمٌ لِلْمِنْهَاجِ كُلِّهِ، وَهِيَ مِنْ جُمْلَتِهِ. قَوْلُهُ: (بِوَصْفِهَا) وَهُوَ النَّفَاسَةُ الشَّامِلُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ بِقَوْلِهِ مِنْ النَّفَائِسِ، وَزَادَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: يَنْبَغِي إلَى آخِرِهِ. قَوْلُهُ: (إظْهَارًا) عِلَّةٌ لِصَرَّحَ وَزَادَ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهَا) عِلَّةٌ لِلْعُذْرِ، وَالْفَاءُ سَبَبِيَّةٌ أَوْ تَعْلِيلِيَّةٌ، أَيْ وَاحْتَاجَتْ لِلْعُذْرِ بِسَبَبٍ أَوْ لِأَجْلِ أَنَّهَا عَارِيَّةٌ عَنْ التَّنْكِيتِ، أَيْ الِاعْتِرَاضِ عَلَى الْمُحَرَّرِ. قَوْلُهُ: (فِي أَوَّلِهَا) أَيْ عِنْدَهُ أَوْ عُرْفًا وَفِي آخِرِهَا عَقِبَهُ أَوْ عُرْفًا. قَوْلُهُ: (وَقَدْ قَالَ إلَخْ) كَلَامُ الْمُصَنِّفِ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَغْلَبِ فِي مَفْهُومِهِ وَمَنْطُوقِهِ، وَدَفْعٌ لِتَوَهُّمِ عُمُومِهِمَا. قَوْلُهُ: (وَمَا وَجَدْته) تَنْبِيهٌ عَلَى دَفْعِ مَا عَسَاهُ أَنْ يُتَوَهَّمَ مِنْ سَهْوٍ أَوْ سَبْقِ قَلَمٍ مِنْ الْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ: (فِي هَذَا الْمُخْتَصَرِ) عُدُولُهُ عَنْ الْكِتَابِ الَّذِي هُوَ أَقْرَبُ يَرْشُدُ إلَى أَنَّهُ خَاصٌّ بِالْمَأْخُوذِ مِنْ كَلَامِ الْمُحَرَّرِ، وَهُوَ صَرِيحُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَالْأَنْسَبُ الْأَعَمُّ لِعُمُومِ مَا بَعْدَهُ بِقَوْلِهِ وَغَيْرِهِ بِجَعْلِهِ رَاجِعًا لِمَا قَبْلَ الْأَذْكَارِ فَتَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (وَنَحْوَهَا) ضَمِيرُهَا عَائِدٌ عَلَى الزِّيَادَةِ فَيُرَادُ بِهِ الْمُبَدَّلُ وَالْمُغَيَّرُ أَوْ عَلَى اللَّفْظَةِ فَإِنْ أُرِيدَ بِهَا الْحَرْفُ فَنَحْوُهَا مَا زَادَ عَلَيْهِ أَوْ الْكَلِمَةُ فَنَحْوُهَا، يَشْمَلُ الزِّيَادَةَ عَلَيْهَا وَالنَّقْصَ عَنْهَا، وَيَشْمَلُ نَحْوَ الْإِبْدَالِ بِتَجَوُّزٍ لَكِنْ ضَمِيرُ فَاعْتَمِدْهَا الْعَائِدُ لِلزِّيَادَةِ يُرْشِدُ إلَى عَوْدِ الضَّمِيرِ فِي نَحْوِهَا إلَى اللَّفْظَةِ فَتَأَمَّلْ.
ــ
[حاشية عميرة]
قَوْلُ الشَّارِحِ: (وَالْجَدِيدُ مَا قَالَهُ بِمِصْرَ) أَيْ إحْدَاثًا وَاسْتِقْرَارًا. قَوْلُ الْمَتْنِ: (فَالرَّاجِحُ خِلَافُهُ) قِيَاسُ مَا سَلَفَ أَنْ يَقُولَ: فَالْأَظْهَرُ أَوْ الْمَشْهُورُ خِلَافُهُ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (فِي مَظَانِّهَا) أَيْ مَحَالِّهَا الَّتِي تُظَنُّ تِلْكَ الْمَسَائِلُ فِيهَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُفْرَدَهُ مَظِنَّةٌ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (يَنْبَغِي) أَيْ يُطْلَبُ وَيَحْسُنُ شَرْعًا تَرْكُ خُلُوِّهِ مِنْهَا. قَوْلُ الشَّارِحِ: (إظْهَارًا لِلْعُذْرِ) أَيْ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ تُنَافِي الِاخْتِصَارَ، وَهُوَ عِلَّةٌ لِكُلٍّ مِنْ قَوْلِهِ صَرَّحَ بِوَصْفِهَا وَقَوْلِهِ وَزَادَ عَلَيْهِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَأَقُولُ فِي أَوَّلِهَا قُلْت إلَخْ) الْمُرَادُ بِالْأَوَّلِ وَالْآخِرِ مَعْنَاهُمَا الْعُرْفِيُّ فَيَصْدُقُ بِمَا اتَّصَلَ بِالْأَوَّلِ وَالْآخِرِ بِالْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ، وَقَوْلُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، كَأَنَّهُ قَصَدَ بِهِ التَّبَرِّي مِنْ دَعْوَى الْأَعْلَمِيَّةِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (لِتَتَمَيَّزَ إلَخْ) أَيْ مَعَ التَّبَرِّي مِنْ دَعْوَى الْأَعْلَمِيَّةِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (وَقَدْ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ) قَدْ هُنَا لِلتَّقْلِيلِ، وَكَذَا قَدْ الْآتِيَةُ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (وَقَدْ زَادَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ) لَكِنْ هَذَا النَّوْعُ إنَّمَا هُوَ فِي الْقَلِيلِ مِثْلُ اللَّفْظَةِ وَاللَّفْظَتَيْنِ.
قَوْلُ الشَّارِحِ: (فِي هَذَا الْمُخْتَصَرِ) الْأَحْسَنُ فِي هَذَا الْكِتَابِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (مِنْ زِيَادَةِ لَفْظَةٍ وَقَوْلُهُ بَعْدَهَا فَاعْتَمِدْهَا) أَيْ الزِّيَادَةَ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (كَثِيرٍ)
1 / 15
كَزِيَادَةِ كَثِيرٍ وَفِي عُضْوٍ ظَاهِرٍ فِي قَوْلِهِ فِي التَّيَمُّمِ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِجُرْحِهِ دَمٌ كَثِيرٌ أَوْ الشَّيْنُ الْفَاحِشُ فِي عُضْوٍ ظَاهِرٍ.
(وَكَذَا مَا وَجَدْته مِنْ الْأَذْكَارِ مُخَالِفًا لِمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ فَاعْتَمِدْهُ فَإِنِّي حَقَّقْته مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ الْمُعْتَمَدَةِ) فِي نَقْلِهِ لِاعْتِنَاءِ أَهْلِهِ بِلَفْظِهِ بِخِلَافِ الْفُقَهَاءِ فَإِنَّهُمْ يَعْتَنُونَ غَالِبًا بِمَعْنَاهُ (وَقَدْ أُقَدِّمُ بَعْضَ مَسَائِلِ الْفَصْلِ لِمُنَاسِبَةٍ أَوْ اخْتِصَارٍ وَرُبَّمَا قَدَّمْت فَصْلًا لِلْمُنَاسِبَةِ) كَتَقْدِيمِ فَصْلِ التَّخْيِيرِ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ عَلَى فَصْلِ الْفَوَاتِ وَالْإِحْصَارِ (وَأَرْجُو إنْ تَمَّ هَذَا الْمُخْتَصَرُ) وَقَدْ تَمَّ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ (أَنْ يَكُونَ فِي مَعْنَى الشَّرْحِ لِلْمُحَرَّرِ فَإِنِّي لَا أَحْذِفُ) أَيْ أُسْقِطُ (مِنْهُ شَيْئًا مِنْ الْأَحْكَامِ أَصْلًا وَلَا مِنْ الْخِلَافِ وَلَوْ كَانَ وَاهِيًا) أَيْ ضَعِيفًا جِدًّا مَجَازًا عَنْ السَّاقِطِ (مَعَ مَا) أَيْ آتِي بِجَمِيعِ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مَصْحُوبًا بِمَا (أَشَرْت إلَيْهِ مِنْ النَّفَائِسِ) الْمُتَقَدِّمَةِ (وَقَدْ شَرَعْتُ) مَعَ الشُّرُوعِ فِي هَذَا الْمُخْتَصَرِ (فِي جَمْعِ جُزْءٍ لَطِيفٍ عَلَى صُورَةِ الشَّرْحِ لِدَقَائِقَ هَذَا الْمُخْتَصَرِ) مِنْ حَيْثُ الِاخْتِصَارُ (وَمَقْصُودِي بِهِ التَّنْبِيهُ عَلَى الْحِكْمَةِ فِي الْعُدُولِ عَنْ عِبَارَةِ الْمُحَرَّرِ وَفِي إلْحَاقِ قَيْدٍ أَوْ حَرْفٍ) فِي الْكَلَامِ (أَوْ شَرْطٍ لِلْمَسْأَلَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ) مِمَّا بَيَّنَهُ (وَأَكْثَرُ ذَلِكَ مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا) وَمِنْهُ
ــ
[حاشية قليوبي]
قَوْلُهُ: (فَلَا بُدَّ) أَيْ لَا فِرَاقَ وَلَا مَحِيدَ عَنْهَا، أَيْ فِي صِحَّةِ الْحُكْمِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعْتَمِدًا كَمَا فِي زِيَادَةِ كَثِيرٍ الْمَذْكُورَةِ. قَوْلُهُ: (وَمَا وَجَدْته) أَيْ فِي الْمُخْتَصَرِ أَوْ الْكِتَابِ، وَتَسْمِيَتُهُ بِالْمِنْهَاجِ الَّذِي هُوَ الطَّرِيقُ الْوَاضِحُ، قِيلَ: لَمْ تَرِدْ عَنْ الْمُصَنِّفِ، وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ بَعْضِ تَلَامِذَتِهِ لِوُجُودِ الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ فِيهِ، وَقِيلَ وُجِدَتْ بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ عَلَى هَامِشِ بَعْضِ نُسَخِهِ، وَلَعَلَّهُ الْأَقْرَبُ كَمَا قَالَهُ أَشْيَاخُنَا الَّذِي هُوَ الْمِنْهَاجُ بِدَلِيلِ ذِكْرِ غَيْرِ الْمُحَرَّرِ هُنَا. قَوْلُهُ: (فَاعْتَمِدْهُ) تَأْكِيدٌ لِلتَّشْبِيهِ قَبْلَهُ. قَوْلُهُ: (لِمُنَاسِبَةٍ أَوْ اخْتِصَارٍ) هِيَ مَانِعَةُ خُلُوٍّ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ أَحَدِهِمَا الْآخَرُ. قَوْلُهُ: (لِلْمُنَاسِبَةِ) وَسَكَتَ عَنْ الِاخْتِصَارِ هُنَا لِعَدَمِ صِحَّتِهِ فِيهِ.
قَوْلُهُ: (وَأَرْجُو) هُوَ دَلِيلُ الْجَوَابِ لِئَلَّا يَتَأَخَّرَ الرَّجَاءُ عَنْ التَّمَامِ، وَسَيَأْتِي فِي الْإِشَارَةِ. قَوْلُهُ: (أَنْ يَكُونَ فِي مَعْنَى الشَّرْحِ) لِاشْتِمَالِهِ عَلَى بَيَانِ دَقَائِقِهِ وَخَفِيِّ أَلْفَاظِهِ وَمُهْمَلِ خِلَافِهِ وَمَرْتَبَتِهِ وَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ قَيْدٍ أَوْ شَرْطٍ، وَمَا غَلِطَ فِيهِ وَمَا أَبْدَلَهُ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَمْ يَجْعَلْهُ شَرْحًا حَقِيقَةً لِكَوْنِهِ خَالِيًا عَنْ الدَّلِيلِ وَالتَّعْلِيلِ وَنَحْوِهِمَا. قَوْلُهُ: (فَإِنِّي إلَخْ) قَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ عِلَّةٌ لِمَا قَبْلَهُ وَهُوَ وَاضِحٌ لِقَوْلِهِ مَعَ مَا أَشَرْت إلَخْ.
قَوْلُهُ: (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمُحَرَّرِ أَوْ مِنْ الْمُخْتَصَرِ مِنْهُ. قَوْلُهُ: (أَصْلًا) أَيْ شَيْئًا أَصْلًا بِمَعْنَى مَقْصُودٍ أَوْ مِنْ الْأُصُولِ أَوْ شَيْئًا أَبَدًا فَهُوَ مِنْ تَأْبِيدِ النَّفْيِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ كَانَ) أَيْ الْخِلَافُ بِمَعْنَى الْمُخَالِفِ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ فَفِيهِ اسْتِخْدَامٌ. قَوْلُهُ: (آتِي) بِمَدِّ الْهَمْزَةِ. قَوْلُهُ: (بِجَمِيعِ) هُوَ بِمَعْنَى لَا أَحْذِفُ شَيْئًا وَمَا بَيَانٌ لِضَمِيرِ مِنْهُ وَمَصْحُوبًا حَالٌ مِنْهَا.
قَوْلُهُ: (مَعَ الشُّرُوعِ) أَيْ عَقِبَهُ. قَوْلُهُ: (لِدَقَائِقِ) وَقَدْ سُمِّيَ ذَلِكَ الْجَزْمُ بِذَلِكَ اللَّفْظِ وَهِيَ جَمْعُ دَقِيقَةٍ، وَأَصْلُهَا مَا يُسْتَخْرَجُ مِنْ خَفَايَا الْعِلْمِ بِدِقَّةِ الْفَهْمِ. قَوْلُهُ: (مِنْ حَيْثُ الِاخْتِصَارُ) أَيْ مِنْ أَجْلِ اخْتِصَارِهِ، أَيْ بَيَانِ سَبَبِهِ زِيَادَةً عَلَى مَا مَرَّ مِنْ كِبَرِ حَجْمِهِ. قَوْلُهُ: (أَوْ حَرْفٍ) بِالْمَعْنَى الشَّامِلِ لِلْكَلِمَةِ، وَلَوْ قَدَّمَهُ عَلَى قَيْدٍ
ــ
[حاشية عميرة]
رَاجِعٌ لِلَفْظَةِ، وَقَوْلُهُ: وَفِي عُضْوٍ ظَاهِرٍ رَاجِعٌ لِنَحْوِ اللَّفْظَةِ، وَقَوْلُهُ: فِي قَوْلِهِ أَيْ النَّوَوِيِّ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَكَذَا مَا وَجَدْته) كَذَا خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَمَا مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (فَاعْتَمِدْهُ) جَوَابُ شَرْطٍ مُقَدَّرٍ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (فِي نَقْلِهِ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلْحَدِيثِ، وَقَوْلُهُ: لِاعْتِنَاءِ أَهْلِهِ، عِلَّةٌ لِكَوْنِهَا مُعْتَمَدَةً. قَوْلُ الْمَتْنِ: (إنْ تَمَّ) جَوَابُهُ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ أَرْجُو وَتَفْسِيرُهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُعَلَّقَ هُوَ الرَّجَاءُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ الْمَرْجُوُّ كَمَا لَا يَخْفَى. قَوْلُ الْمَتْنِ: (مِنْ أَحْكَامِ) " مِنْ " بَيَانِيَّةٌ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (أَصْلًا) أَيْ أُؤَصِّلُ هَذَا النَّفْيَ الْعَامَّ أَصْلًا. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَلَوْ كَانَ) أَيْ الْخِلَافُ بِمَعْنَى الْمُخَالِفِ، فَفِيهِ اسْتِخْدَامٌ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (أَيْ آتِي إلَخْ) يُرَدُّ بِهِ أَنَّ عَامِلَ الظَّرْفِ مَأْخُوذٌ مِنْ مَعْنَى قَوْلِهِ فَإِنِّي لَا أَحْذِفُ إلَخْ.
قَوْلُ الْمَتْنِ (النَّفَائِسِ) يَنْبَغِي أَنْ يَخْتَصَّ بِمَا فِيهِ تَنْكِيتٌ إذْ الزَّائِدُ الْمَحْضُ لَا دَخْلَ لَهُ فِي شَرْحِ عِبَارَةِ الْمُحَرَّرِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (مَعَ الشُّرُوعِ) هِيَ بِمَعْنَى الْبَعْدِيَّةِ لِأَنَّ مَعِيَّةَ لَفْظِ الْآخَرِ مِنْ مُتَكَلِّمٍ وَاحِدٍ تَكُونُ بِمَعْنَى الْبَعْدِيَّةِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (مِنْ حَيْثُ الِاخْتِصَارُ) أَيْ الْكَائِنَةُ مِنْ حَيْثُ الِاخْتِصَارُ، وَقَوْلُهُ أَيْضًا مِنْ حَيْثُ الِاخْتِصَارُ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ لِدَقَائِقِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (عَلَى الْحِكْمَةِ) هِيَ السَّبَبُ الْبَاعِثُ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (فِي الْكَلَامِ) قَدَّرَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْحَرْفَ لَا يَحْسُنُ تَعَلُّقُهُ بِالْمَسْأَلَةِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَأَكْثَرُ
1 / 16
مَا لَيْسَ بِضَرُورِيٍّ، وَلَكِنَّهُ حَسَنٌ كَمَا قَالَهُ فِي زِيَادَةِ لَفْظَةِ الطَّلَاقِ فِي قَوْلِهِ فِي الْحَيْضِ: فَإِذَا انْقَطَعَ لَمْ يَحِلَّ قَبْلَ الْغُسْلِ غَيْرُ الصَّوْمِ وَالطَّلَاقِ، فَإِنَّ الطَّلَاقَ لَمْ يُذْكَرْ قَبْلُ فِي الْمُحَرَّمَاتِ.
(وَعَلَى اللَّهِ الْكَرِيمِ اعْتِمَادِي) فِي تَمَامِ هَذَا الْمُخْتَصَرِ بِأَنْ يُقَدِّرَنِي عَلَى إتْمَامِهِ كَمَا أَقْدَرَنِي عَلَى ابْتِدَائِهِ بِمَا تَقَدَّمَ عَلَى وَضْعِ الْخُطْبَةِ فَإِنَّهُ لَا يَرُدُّ مَنْ سَأَلَهُ وَاعْتَمَدَ عَلَيْهِ، (وَإِلَيْهِ تَفْوِيضِي وَاسْتِنَادِي) فِي ذَلِكَ وَغَيْرِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَخِيبُ مَنْ قَصَدَهُ وَاسْتَنَدَ إلَيْهِ، ثُمَّ قَدَّرَ وُقُوعَ الْمَطْلُوبِ بِرَجَاءِ الْإِجَابَةِ فَقَالَ: (وَأَسْأَلُهُ النَّفْعَ بِهِ) أَيْ بِالْمُخْتَصَرِ فِي الْآخِرَةِ (لِي) بِتَأْلِيفِهِ (وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ) أَيْ بَاقِيهِمْ بِأَنْ يُلْهِمَهُمْ الِاعْتِنَاءَ بِهِ بَعْضُهُمْ بِالِاشْتِغَالِ بِهِ كَكِتَابَةٍ وَقِرَاءَةٍ وَتَفَهُّمٍ وَشَرْحٍ، وَبَعْضُهُمْ بِغَيْرِ ذَلِكَ كَالْإِعَانَةِ عَلَيْهِ بِوَقْفٍ أَوْ نَقْلٍ إلَى الْبِلَادِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَنَفْعُهُمْ يَسْتَتْبِعُ نَفْعَهُ
ــ
[حاشية قليوبي]
لَكَانَ أَوْلَى لِيَتَعَلَّقَ الْجَارُّ فِي الْمَسْأَلَةِ بِهِ وَبِالشَّرْطِ. قَوْلُهُ: (مِمَّا بَيَّنَهُ) أَيْ فِي الْجُزْءِ اللَّطِيفِ الْمَذْكُورِ فَنَحْوِ مَجْرُورٌ عَطْفٌ عَلَى إلْحَاقِ أَوْ عَلَى قَيْدٍ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا، لَكِنْ الثَّانِي بَعِيدٌ جِدًّا بَلْ خَالٍ عَنْ الْمَعْنَى، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَأَكْثَرُ ذَلِكَ) أَيْ الَّذِي فِي الْجُزْءِ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا) حَالٌ مُؤَكِّدَةٌ أَوْ صِفَةٌ كَاشِفَةٌ.
قَوْلُهُ: (وَمِنْهُ إلَخْ) هُوَ بَعْضُ مَفْهُومِ الْأَكْثَرِ. قَوْلُهُ: (اعْتِمَادِي) هُوَ بِمَعْنَى اسْتِنَادِي لَكِنْ مَعَ مُبَالَغَةٍ فِي هَذَا لِأَنَّهُ شِدَّةُ الِاسْتِنَادِ وَالْمُرَادُ مِنْهَا الْمَعُونَةُ وَالْقُوَّةُ، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ بِأَنْ يُقَدِّرَنِي إلَخْ.
قَوْلُهُ: (فِي إتْمَامِ) قَيَّدَ بِهِ مَعَ احْتِمَالِ الْعُمُومِ كَاَلَّذِي بَعْدَهُ لِيُنَاسِبَ مَا رَجَاهُ الْمُصَنِّفُ سَابِقًا بِقَوْلِهِ: إنْ تَمَّ هَذَا الْمُخْتَصَرُ، لَكِنْ الْمُرَادُ بِالْمُخْتَصَرِ السَّابِقِ مَا كَانَ مِنْ كَلَامِ الْمُحَرَّرِ، وَهُنَا جَمِيعُ الْمِنْهَاجِ. قَوْلُهُ: (عَلَى إتْمَامِهِ) فِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّمَامِ الْمَذْكُورِ فِي كَلَامِهِ الْإِتْمَامُ، وَلَمْ يُعَبِّرْ بِهِ ابْتِدَاءً لِأَجْلِ مُرَاعَاةِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ نِسْبَةَ التَّمَامِ إلَى الْمُخْتَصَرِ مَجَازِيَّةٌ.
قَوْلُهُ: (بِمَا تَقَدَّمَ عَلَى وَضْعِ الْخُطْبَةِ) هَذَا أَخَذَهُ الشَّارِحُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إنْ تَمَّ هَذَا الْمُخْتَصَرُ، وَمِنْ ذِكْرِ الشُّرُوعِ بِقَوْلِهِ: وَقَدْ شَرَعْت إلَخْ لِأَنَّ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ مِنْ الْخُطْبَةِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا يُفِيدُ أَنَّ بَعْضَ الْمِنْهَاجِ سَابِقٌ عَلَيْهَا نَظَرًا إلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْهُمَا، وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ إنْ تَمَّ وُجُودُهُ تَامًّا وَبِقَوْلِهِ: شَرَعْت عَزَمْت عَلَى الشُّرُوعِ فَالْخُطْبَةُ مُتَقَدِّمَةٌ عَلَى جَمِيعِهِ كَمَا هُوَ الْأَصْلُ فِيهَا، وَسَيَأْتِي هَذَا فِي الشَّارِحِ فَفِيهِ انْتِقَادٌ عَلَيْهِ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ مَا قَالُوهُ فِي أَسْمَاءِ الْإِشَارَةِ الْوَاقِعَةِ فِي الْخُطَبِ مِنْ أَنَّ الْمُشِيرَ بِهَا اسْتَحْضَرَ مَا يُرِيدُ تَأْلِيفَهُ فِي ذِهْنِهِ اسْتِحْضَارًا تَامًّا كَأَنَّهُ مَحْسُوسٌ عِنْدَهُ، وَأَشَارَ إلَيْهِ، وَأَيْضًا ذِكْرُ الْإِتْمَامِ يُطْلَقُ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ الْخُطْبَةِ وَمَا بَعْدَهَا إلَى آخِرِ الْكِتَابِ، وَأَيْضًا يُحْتَمَلُ أَنَّ وَضْعَ الْجُزْءِ الْمَذْكُورِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْخُطْبَةِ بِالْكُلِّيَّةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمُصَنَّفَ سَبَرَ عِبَارَةَ الْمُحَرَّرِ، وَكَتَبَ عَلَيْهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا، ثُمَّ لَمَّا شَرَعَ فِي الْمِنْهَاجِ نَسَجَهُ عَلَى مِنْوَالِ مَا كَتَبَ فَتَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْجُمْلَةِ الْخَبَرِيَّةِ إنْشَاءُ الدُّعَاءِ، وَكَذَا الْجُمْلَةُ بَعْدَهَا. قَوْلُهُ: (تَفْوِيضِي) التَّفْوِيضُ رَدُّ الْأَمْرِ إلَى الْغَيْرِ مَعَ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ وَأَعَمُّ مِنْهُ التَّوْكِيلُ. قَوْلُهُ: (فِي ذَلِكَ وَغَيْرِهِ) عَمَّمَهُ لِعُمُومِ الِاسْتِنَادِ عَلَى الِاعْتِمَادِ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (قَدَّرَ وُقُوعَ الْمَطْلُوبِ إلَخْ) أَيْ قَدَّرَ أَنَّ الْكِتَابَ قَدْ تَمَّ فَسَأَلَ النَّفْعَ بِهِ، وَفِيهِ دَفْعُ تَوَهُّمِ تَأْخِيرِ الْخُطْبَةِ الْمُنَافِي لِمَا تَقَدَّمَ فَمُرَادُهُ بِالْمُخْتَصَرِ الْمِنْهَاجُ، وَقَيَّدَ النَّفْعَ بِالْآخِرَةِ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ. قَوْلُهُ: (بِتَأْلِيفِهِ) وَكَذَا بِتَعْلِيمِهِ وَكِتَابَتِهِ وَمُقَابَلَتِهِ، فَلَوْ عَمَّمَهُ لَكَانَ أَوْلَى إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالْبَاءِ السَّبَبِيَّةُ وَفِيهِ بَحْثٌ، وَحَيْثُ خَصَّصَ هُنَا فَكَانَ الْأَوْلَى التَّعْمِيمَ فِيمَا بَعْدَهُ بِأَنْ يَجْعَلَ النَّفْعَ فِيهِ عَامًّا لِغَيْرِ التَّأْلِيفِ، وَيَجْعَلَ سَائِرَ بِمَعْنَى الْجَمِيعِ حَتَّى يَشْمَلَ الْمُؤَلِّفَ أَيْضًا، وَكَانَ يَسْتَغْنِي بِذِكْرِهِ عَمَّا ذَكَرَهُ بَعْدَهُ بِقَوْلِهِ وَنَفَعَهُمْ يَسْتَتْبِعُ إلَخْ.
ــ
[حاشية عميرة]
ذَلِكَ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الدَّقَائِقِ النَّاشِئَةِ عَنْ الِاخْتِصَارِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا) صِفَةٌ كَاشِفَةٌ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (كَمَا قَالَهُ) أَيْ كَاَلَّذِي قَالَهُ، وَفِي التَّرْكِيبِ قَلَاقَةٌ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (فِي قَوْلِهِ) أَيْ النَّوَوِيِّ.
قَوْلُ الشَّارِحِ: (فِي تَمَامِ هَذَا الْمُخْتَصَرِ) قَيَّدَ بِذَلِكَ لِكَوْنِ أَطْرَافِ الْكَلَامِ مُتَآخِيَةً فَيَقْوَى الطِّبَاقُ بَيْنَهُمَا، وَيُحْتَمَلُ التَّعْمِيمُ نَظِيرَ مَا قِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة: ٥] وَتَمَامٌ بِمَعْنَى إتْمَامٌ، أَوْ فِي حُصُولِ تَمَامِهِ النَّاشِئِ عَنْ إتْمَامِهِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (هَذَا الْمُخْتَصَرِ) يَعْنِي الْكِتَابَ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (بِأَنْ يُقَدِّرَنِي) الْمُرَادُ بِالْقُدْرَةِ الْعَرَضُ الْمُقَارِنُ لِلْفِعْلِ لَا سَلَامَةُ الْأَسْبَابِ وَالْآلَاتِ فَقَطْ، وَقَوْلُهُ: كَمَا أَقَدَرَنِي عَلَى ابْتِدَائِهِ، مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ: وَأَرْجُو إنْ تَمَّ إلَخْ إذْ هُوَ ظَاهِرٌ فِي ذَلِكَ، وَأَيْضًا مِنْ قَوْلِهِ: وَقَدْ شَرَعْت فِي جَمْعِ جُزْءٍ إلَخْ، فَإِنَّ الْمُرَادَ مَعَ الشُّرُوعِ فِي الْمُخْتَصَرِ أَيْ بَعْدَهُ. قَوْلُ الْمَتْنِ (تَفْوِيضِي) هُوَ رَدُّ أُمُورِهِ إلَيْهِ ﷾ وَقَصْدُهُ بِهَا، وَقَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا يَخِيبُ مَنْ قَصَدَهُ، وَاسْتَنَدَ إلَيْهِ كَأَنَّهُ يُشِيرُ لِمَا سَلَفَ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (ثُمَّ قَدَّرَ وُقُوعَ الْمَطْلُوبِ بِرَجَاءِ الْإِجَابَةِ) الْبَاءُ سَبَبِيَّةٌ لِقَوْلِهِ
1 / 17
أَيْضًا لِأَنَّهُ سَبَبٌ فِيهِ (وَرِضْوَانَهُ عَنِّي وَعَنْ أَحِبَّائِي) بِالتَّشْدِيدِ وَالْهَمْزِ جَمْعُ حَبِيبٍ أَيْ مَنْ أُحِبُّهُمْ (وَجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ) مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِهِ تَكَرَّرَ بِهِ الدُّعَاءُ لِذَلِكَ الْبَعْضِ الَّذِي مِنْهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
ــ
[حاشية قليوبي]
قَوْلُهُ: (وَرِضْوَانَهُ) يُطْلَقُ الرِّضَا بِمَعْنَى الْمَحَبَّةِ وَبِمَعْنَى عَدَمِ السَّخَطِ وَبِمَعْنَى التَّسْلِيمِ وَبِمَعْنَى الْمَغْفِرَةِ وَبِمَعْنَى الثَّوَابِ، وَيُرَاعَى كُلُّ مَحَلٍّ بِمَا يَلِيقُ بِهِ.
قَوْلُهُ: (جَمْعُ حَبِيبٍ) إمَّا بِمَعْنَى مَحْبُوبٍ بِدَلِيلِ الْفِعْلِ الْمُضَارِعِ بَعْدَهُ، أَوْ بِمَعْنَى مُحِبٍّ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَهُوَ الْأَنْسَبُ هُنَا، وَلَا يُنَافِيهِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ تَكَرُّرِ الدُّعَاءِ لِلْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ مُحِبٌّ لِنَفْسِهِ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ) وَهُوَ جَمِيعُ الْمُؤْمِنِينَ.
قَوْلُهُ: (عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِهِ) وَهُوَ الْأَحِبَّاءُ، فَهُوَ مِنْ الْعَطْفِ عَلَى الظَّاهِرِ بِقَرِينَةِ إعَادَةِ الْجَارِّ لَا عَلَى ضَمِيرِ عَنِّي الَّذِي هُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ بِعَدَمِ إعَادَةِ الْجَارِّ، فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَى الشَّارِحِ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَهُ، وَأَحْكَامُ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ تُطْلَبُ مِنْ مَحَلِّهَا.
ــ
[حاشية عميرة]
قَدَّرَ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (فِي الْآخِرَةِ) الْأَوْلَى التَّعْمِيمُ.
قَوْلُ الشَّارِحِ: (تَكَرَّرَ بِهِ الدُّعَاءُ لِذَلِكَ الْبَعْضِ الَّذِي مِنْهُ الْمُصَنِّفُ) هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْعَطْفَ عَلَى جُمْلَةِ مَا سَبَقَ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِهِ الْعَطْفَ اللُّغَوِيَّ.
1 / 18
كِتَابُ الطَّهَارَةِ
هِيَ شَامِلَةٌ لِلْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَالتَّيَمُّمِ الْآتِيَةِ مَعَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا. وَبَدَأَ بِبَيَانِ الْمَاءِ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ فِي آلَتِهَا مُفْتَتِحًا بِآيَةٍ دَالَّةٍ عَلَيْهِ كَمَا فَعَلُوا فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾ [الفرقان: ٤٨] أَيْ مُطَهِّرًا،
ــ
[حاشية قليوبي]
كِتَابُ الطَّهَارَةِ
يُطْلَقُ الْكِتَابُ لُغَةً بِمَعْنَى الضَّمِّ وَالْجَمْعِ، أَيْ الْمَضْمُومِ وَالْمَجْمُوعِ أَوْ الضَّامِّ وَالْجَامِعِ، وَاصْطِلَاحًا بِمَعْنَى اسْمٍ لِجِنْسٍ مِنْ الْأَحْكَامِ، أَوْ بِمَعْنَى اسْمٍ لِجُمْلَةٍ مُخْتَصَّةٍ مِنْ الْعِلْمِ مُشْتَمِلَةٍ عَلَى أَبْوَابٍ وَفُصُولٍ غَالِبًا، وَيُرَادِفُهُ الْكِتَابَةُ وَالْكُتُبُ، فَهِيَ مَصَادِرُ مُشْتَقٌّ مِنْهَا لَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ غَيْرِهَا، وَلَا بَعْضِهَا مِنْ بَعْضٍ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ، وَهُوَ مِنْ التَّرَاجِمِ كَالْبَابِ وَالْفَصْلِ وَنَحْوِهِمَا. وَالْمُخْتَارُ أَنَّهَا أَسْمَاءٌ لِلْأَلْفَاظِ بِاعْتِبَارِ دَلَالَتِهَا عَلَى الْمَعَانِي، وَقِيلَ: أَسْمَاءٌ لِلْأَلْفَاظِ، وَقِيلَ: لِلْمَعَانِي، وَقِيلَ: لِلنُّقُوشِ، وَقِيلَ: لِلِاثْنَيْنِ مِنْهُمَا، وَقِيلَ: لِلثَّلَاثَةِ، فَهِيَ سَبْعُ احْتِمَالَاتٍ غَيْرُ الْأَوَّلِ الْمُخْتَارِ وَمَعَانِيهَا عُرْفًا مَا مَرَّ وَإِنَّمَا تَخْتَلِفُ لُغَةً، فَالْبَابُ فُرْجَةٌ فِي سَاتِرٍ يُتَوَصَّلُ بِهَا مِنْ دَاخِلٍ إلَى خَارِجٍ وَبِالْعَكْسِ. وَالْفَصْلُ الْحَاجِزُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ. وَالْفَرْعُ مَا بُنِيَ عَلَى غَيْرِهِ. وَالْأَصْلُ عَكْسُهُ.
وَالْمَسْأَلَةُ لُغَةً السُّؤَالُ وَعُرْفًا مَطْلُوبٌ خَبَرِيٌّ يُبَرْهَنُ عَلَيْهِ فِي الْعِلْمِ، وَأَشَارُوا بِقَوْلِهِمْ غَالِبًا إلَى خُلُوِّ بَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ، وَالطَّهَارَةُ بِضَمِّ الطَّاءِ اسْمٌ لِلْمَاءِ الَّذِي يُتَطَهَّرُ بِهِ، وَبِالْكَسْرِ اسْمٌ لِمَا يُضَافُ إلَى الْمَاءِ مِنْ سِدْرٍ وَنَحْوِهِ، وَبِالْفَتْحِ الْمُرَادُ هُنَا لُغَةً النَّظَافَةُ وَالْخُلُوصُ مِنْ الْأَدْنَاسِ حِسِّيَّةً كَانَتْ كَالنَّجَاسَاتِ، أَوْ مَعْنَوِيَّةً كَالْعُيُوبِ مِنْ الْحِقْدِ وَالْحَسَدِ وَالزِّنَا وَالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَنَحْوِهَا، فَهِيَ حَقِيقَةٌ فِيهِمَا، وَصَحَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ، وَقِيلَ: مَجَازٌ فِي أَحَدِهِمَا، وَقِيلَ: مُشْتَرَكَةٌ، وَعَطْفُ الْخُلُوصِ تَفْسِيرٌ وَعُرْفًا زَوَالُ الْمَنْعِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى الْحَدَثِ وَالْخُبْثِ.
قَالَهُ الْقَاضِي، أَوْ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تُوجِبُ لِمَوْصُوفِهَا صِحَّةَ الصَّلَاةِ بِهِ أَوْ فِيهِ أَوْ لَهُ، قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ الْمَالِكِيُّ، وَأَشَارَ بِالْأَوَّلِ لِلثَّوْبِ، وَبِالثَّانِي لِلْمَكَانِ، وَبِالثَّالِثِ لِلشَّخْصِ، وَلَمْ يَقُلْ: أَوْ عَلَيْهِ لِيَشْمَلَ الْمَيِّتَ لِأَنَّهُ لَا يَطْهُرُ عِنْدَهُمْ بِالْغُسْلِ، وَلَا بُدَّ مِنْهُ عِنْدَنَا، وَقَضِيَّةُ مَا ذَكَرَاهُ أَنَّهَا لَا تُطْلَقُ حَقِيقَةً عَلَى الْفِعْلِ وَلَا عَلَى الْمَنْدُوبِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ صَرِيحَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي تَعْرِيفِهِ لَهَا إطْلَاقُهَا عَلَيْهِ وَعَلَى الْمَنْدُوبِ حَقِيقَةً حَيْثُ قَالَ: هِيَ رَفْعُ حَدَثٍ أَوْ إزَالَةُ نَجَسٍ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُمَا، وَعَلَى صُورَتِهِمَا كَالتَّيَمُّمِ وَالْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ وَالْوُضُوءِ الْمُجَدَّدِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ انْتَهَى. وَأَشَارَ بِالتَّيَمُّمِ لِمَا هُوَ فِي مَعْنَى رَفْعِ الْحَدَثِ بِوُجُودِ الْإِبَاحَةِ، وَمِثْلُهُ طَهَارَةُ الضَّرُورَةِ، وَفِي مَعْنَى إزَالَةِ النَّجَسِ حَجَرُ الِاسْتِنْجَاءِ كَذَلِكَ، وَلَا يَضُرُّ كَوْنُ مَا فِي الْمَعْنَى عَلَى الصُّورَةِ أَيْضًا، وَبِالْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ إلَى مَا هُوَ عَلَى صُورَةِ رَفْعِ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ وَهُوَ غُسْلٌ صُورَةً وَإِزَالَةُ النَّجَاسَةِ أَيْضًا عَلَى قَوْلِ التَّحْرِيرِ وَأَصْلِهِ أَنَّ مِنْ مُوجِبَاتِ الْغُسْلِ تَنَجُّسُ جَمِيعِ الْبَدَنِ أَوْ بَعْضِهِ مَعَ الِاشْتِبَاهِ، وَتَجْدِيدُ الْوُضُوءِ إلَى مَا هُوَ عَلَى صُورَةِ رَفْعِ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ، وَبِالْغَسْلَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ إلَى مَا هُوَ عَلَى صُورَةِ الْأُولَى فِي الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ، فَهِيَ شَامِلَةٌ لِأَنْوَاعِ الطَّهَارَةِ الْوَاجِبَةِ وَالْمَنْدُوبَةِ، وَعَرَّفَهَا ابْنُ حَجَرٍ بِمَا يَعُمُّ ذَلِكَ أَيْضًا مَعَ زِيَادَةِ الِاخْتِصَارِ بِقَوْلِهِ: هِيَ فِعْلُ مَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ إبَاحَةٌ وَلَوْ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ أَوْ ثَوَابٌ مُجَرَّدٌ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ النَّجَاسَةَ قِسْمَانِ: إمَّا عَيْنِيَّةٌ وَهِيَ مَا لَا تَتَجَاوَزُ مَحَلَّ حُلُولِ مُوجِبِهَا كَالنَّجَاسَاتِ، وَإِمَّا حُكْمِيَّةٌ وَهِيَ مَا تَتَجَاوَزُهُ بِغَسْلِ الْأَعْضَاءِ أَوْ جَمِيعِ الْبَدَنِ بِخُرُوجِ الْخَارِجِ وَنُزُولِ الْمَنِيِّ، وَقَدْ تُطْلَقُ الْحُكْمِيَّةُ عَلَى مَا لَا وَصْفَ لَهَا، وَسَتَأْتِي فِي بَابِهَا.
(تَنْبِيهٌ) لَفْظُ لُغَةً وَعُرْفًا وَشَرْعًا وَاصْطِلَاحًا مَنْصُوبٌ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ عَلَى الْأَرْجَحِ، وَقِيلَ: عَلَى الْحَالِ مِنْ نِسْبَةِ الثُّبُوتِ بَيْنَ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ، وَمِنْ ضَمِيرِ مَفْعُولٍ حُذِفَ مَعَ فِعْلِهِ أَيْ أَعْنِي، وَقِيلَ: عَلَى التَّمْيِيزِ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (هِيَ شَامِلَةٌ لِلْوُضُوءِ
ــ
[حاشية عميرة]
[كِتَابُ الطَّهَارَةِ]
وَهِيَ بِضَمِّ الطَّاءِ بَقِيَّةُ الْمَاءِ الَّذِي يَتَطَهَّرُ بِهِ. قَوْلُ الْمَتْنِ (طَهُورًا) نَقَلَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ ابْنِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -
1 / 19
وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْمُطْلَقِ (يُشْتَرَطُ لِرَفْعِ الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ) الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ فِي الطَّهَارَةِ (مَاءٌ مُطْلَقٌ وَهُوَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ مَاءٍ بِلَا قَيْدٍ) وَإِنْ قُيِّدَ لِمُوَافَقَةِ الْوَاقِعِ كَمَاءِ الْبَحْرِ بِخِلَافِ مَا لَا يُذْكَرُ إلَّا مُقَيَّدًا كَمَاءِ الْوَرْدِ فَلَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا﴾ [النساء: ٤٣] إلَخْ وَلَا الْمُنَجَّسَ «لِقَوْلِهِ ﷺ حِينَ بَالَ الْأَعْرَابِيُّ فِي الْمَسْجِدِ: صُبُّوا عَلَيْهِ
ــ
[حاشية قليوبي]
إلَخْ) أَيْ لِلْوَاجِبِ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ سَيَذْكُرُ الْمَنْدُوبَ، وَفِيهِ إيمَاءٌ إلَى أَنَّهَا مَجَازٌ فِي الْمَنْدُوبِ وَتَقَدَّمَ رَدُّهُ، وَهَذِهِ الْأَرْبَعَةُ مَقَاصِدُ الطَّهَارَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَسْحَ الْخُفِّ لِأَنَّهُ مِنْ الْوُضُوءِ، وَلَمْ يَذْكُرْ شُمُولَهَا لِلدَّابِغِ وَنَحْوِهِ كَمَا فِي التَّحْرِيرِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّهُ إحَالَةٌ، وَمَنْ ذَكَرَهُ فِيهَا أَرَادَ بِهَا مَا يَشْمَلُهُ كَانْقِلَابِ دَمِ الظَّبْيَةِ مِسْكًا وَالْخَمْرِ خَلًّا وَبُلُوغِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ قُلَّتَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (مَعَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا) مِنْ الْمُوجِبَاتِ كَالْحَدَثِ وَالْجَنَابَةِ وَالنَّجَاسَةِ، وَمِنْ الْوَسَائِلِ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ: الْمَاءُ وَالتُّرَابُ وَحَجَرُ الِاسْتِنْجَاءِ وَعَدُّ الِاجْتِهَادِ وَالْأَوَانِي مِنْ الْوَسَائِلِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا وَسِيلَةٌ لِلْوَسِيلَةِ. قَوْلُهُ: (الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ) أَيْ الْغَالِبُ أَوْ الْأَكْثَرُ أَوْ الْمَتْبُوعُ لِأَنَّ غَيْرَهُ تَابِعٌ لَهُ عَلَى سَبِيلِ الشَّطْرِيَّةِ أَوْ الشَّرْطِيَّةِ أَوْ النِّيَابَةِ.
قَوْلُهُ: (مُفْتَتِحًا بِآيَةٍ) أَيْ دَالَّةٍ عَلَى الْمَطْلُوبِ، وَقَدَّمَهَا، وَشَأْنُ الدَّلِيلِ التَّأْخِيرُ تَبَعًا لِلْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ ﵁ وَالْأَصْحَابِ كَمَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ: كَمَا فَعَلُوا، وَحِكْمَتُهُ أَنَّهَا كَالْقَاعِدَةِ وَالضَّابِطُ الَّذِي شَأْنُهُ التَّقْدِيمُ، وَاخْتَارُوا هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى آيَةِ ﴿وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ﴾ [الأنفال: ١١] لِلنَّصِّ فِيهَا عَلَى الطَّهُورِيَّةِ الْمَقْصُودَةِ، وَالسَّمَاءُ الْجِرْمُ الْمَعْهُودُ حَقِيقَةً. وَالسَّحَابُ مَجَازًا أَنَّ الْمَاءَ يَنْزِلُ مِنْ سَمَاءِ الدُّنْيَا قِطَعًا كِبَارًا عَلَى السَّحَابِ، ثُمَّ يَنْمَاعُ عَلَيْهِ وَيَنْزِلُ مِنْ عُيُونٍ فِيهِ كَالْغِرْبَالِ، وَقِيلَ: السَّمَاءُ السَّحَابُ حَقِيقَةً، لِمَا قِيلَ إنَّهُ يَغْتَرِفُ مِنْ الْبَحْرِ الْمِلْحِ كَالسَّفِنْجِ ثُمَّ يَصْعَدُ إلَى الْعُلُوِّ وَيَنْعَصِرُ فَيَنْزِلُ الْمَاءُ مِنْهُ، وَيَقْصُرُهُ الْهَوَاءُ وَالشَّمْسُ فَيَحْلُو. وَطَهُورًا تَأْكِيدٌ لِأَنَّ الْمَاءَ مُنْصَرِفٌ لِلْفَرْدِ الْكَامِلِ كَمَا يَأْتِي فِي الْحَدِيثِ، وَجَعْلُهُ فِي الْآيَةِ لِلْأَعَمِّ دُونَ الْحَدِيثِ تَحَكُّمٌ، وَذَكَرَ التَّأْكِيدَ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ الْعُمُومِ وَكَوْنُ التَّأْسِيسِ أَوْلَى لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ فِي كُلِّ مَحَلٍّ كَذَا قَالُوا: وَالْوَجْهُ أَنْ يَكُونَ فِي الْآيَةِ لِلتَّأْسِيسِ، وَحُمِلَ الْحَدِيثُ عَلَى الْفَرْدِ الْكَامِلِ بِمَعُونَتِهَا فَتَأَمَّلْ.
وَتَفْسِيرُ الطَّهُورِ بِالْمُطَهِّرِ الْمُرَادِفِ لِلْمُطْلَقِ لِمُنَاسِبَةِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ: (يُشْتَرَطُ) عَدَلَ إلَيْهِ عَنْ قَوْلِ أَصْلِهِ لَا يَجُوزُ، لِأَنَّ الشَّرْطَ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ فَيُفِيدُ عَدَمَ صِحَّةِ الطَّهَارَةِ بِغَيْرِ الْمُطْلَقِ، بِخِلَافِ عَدَمِ الْجَوَازِ فَإِنَّهُ رُبَّمَا أَفَادَ الصِّحَّةَ بِهِ مَعَ الْحُرْمَةِ، وَعَدَمُ الصِّحَّةِ بِالْمُطْلَقِ الْمُحَرَّمِ كَالْمَاءِ الْمُسَبَّلِ لِلشُّرْبِ، أَوْ أَفَادَ عَدَمَ الْحُرْمَةِ فِيهِ فَتَأَمَّلْ. وَالْحَدَثُ لُغَةً الشَّيْءُ الْحَادِثُ، وَشَرْعًا هُنَا أَمْرٌ اعْتِبَارِيٌّ يَقُومُ بِالْأَعْضَاءِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّلَاةِ حَيْثُ لَا مُرَخِّصَ، وَالنَّجَسُ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِهَا مَعَ سُكُونِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا بِفَتْحِهِمَا مَعًا لُغَةً الشَّيْءُ الْمُبْعَدُ أَوْ الْمُسْتَقْذَرُ، وَشَرْعًا هُنَا وَصْفٌ يَقُومُ بِالْمَحَلِّ عِنْدَ مُلَاقَاتِهِ لَعَيْنٍ مِنْ الْأَعْيَانِ النَّجِسَةِ مَعَ تَوَسُّطِ رُطُوبَةٍ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّلَاةِ حَيْثُ لَا مُرَخِّصَ. قَوْلُهُ: (الَّذِي هُوَ) أَيْ الرَّفْعُ الْأَصْلُ إذْ غَيْرُهُ مُبِيحٌ لَا رَافِعٌ كَالتَّيَمُّمِ أَوْ مَنْدُوبٌ أَوْ مُحِيلٌ كَالدَّبْغِ.
قَوْلُهُ: (مَا يَقَعُ عَلَيْهِ) أَيْ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الشَّرْعِ فِي عُرْفِهِمْ، فَيَخْرُجُ الْمُسْتَعْمَلُ، وَيَدْخُلُ الْمُتَغَيِّرُ بِنَحْوِ مَقَرِّهِ لَا عِنْدَ الرَّائِيِّ لِئَلَّا يَنْعَكِسَ مَا ذَكَرَ، فَشَمِلَ مَا رَشَحَ مِنْ بُخَارِ الْمَاءِ الْمُغَلَّى بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ اللَّامِ لِأَنَّهُ مَاءٌ بِنَاءً عَلَى انْقِلَابِ الْعَنَاصِرِ إلَى بَعْضِهَا وَهُوَ الْأَصَحُّ فِي الْحِكْمَةِ، وَلِذَلِكَ يَنْقُصُ الْمَاءُ بِقَدْرِهِ، وَشَمِلَ الزُّلَالَ وَهُوَ صُورَةُ حَيَوَانٍ فِي دَاخِلِ الثَّلْجِ إذَا خَرَجَ مِنْهُ صَارَ مَاءً، وَشَمِلَ مَا نَبَعَ مِنْ الْأَرْضِ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ مِنْ الْخِلْقَةِ، وَشَمِلَ مَاءَ الْبَحْرِ الْمِلْحِ، وَيُقَالُ لَهُ الْمَالِحُ وَالْمَلِيحُ وَالْمَلَّاحُ، وَشَمِلَ مَا نَبَعَ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ ﷺ وَهُوَ أَفْضَلُ الْمِيَاهِ، ثُمَّ مَاءُ زَمْزَمَ، ثُمَّ الْكَوْثَرُ، ثُمَّ نِيلُ مِصْرَ، ثُمَّ بَاقِي الْأَنْهَارِ عَلَى مَا صَحَّحَهُ السُّبْكِيُّ بِقَوْلِهِ نَظْمًا:
وَأَفْضَلُ الْمِيَاهِ مَاءٌ قَدْ نَبَعْ ... مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِ النَّبِيِّ الْمُتَّبَعْ
يَلِيهِ مَاءُ زَمْزَمَ فَالْكَوْثَرْ ... فَنِيلُ مِصْرَ ثُمَّ بَاقِي الْأَنْهُرْ
وَخَرَجَ بِهِ مَا لَا يُسَمَّى مَاءً مِنْ جَامِدٍ أَوْ مَائِعٍ، فَذِكْرُ الْمَائِعِ فِي عِبَارَةِ بَعْضِهِمْ مُضِرٌّ أَوْ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ، وَبِذَلِكَ خَرَجَ الْخَلُّ وَنَحْوُهُ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ لِأَنَّهُ مَفْهُومُ جِنْسٍ. قَوْلُهُ: (اسْمُ مَاءٍ) هُوَ عَلَى الْإِضَافَةِ الْبَيَانِيَّةِ، وَأَطْلَقَ الْقَيْدَ لِأَنَّهُ اللَّازِمُ، حَيْثُ أُطْلِقَ وَالْمَاءُ
ــ
[حاشية عميرة]
أَنَّ فَعُولًا قَدْ يَكُونُ لِلْمُبَالَغَةِ، وَهِيَ أَنْ يَدُلَّ عَلَى زِيَادَةٍ فِي مَعْنَى فَاعِلٍ مَعَ مُسَاوَاتِهِ لَهُ فِي التَّعَدِّي كَضَرُوبٍ أَوْ اللُّزُومِ كَصَبُورٍ، وَقَدْ يَكُونُ اسْمًا لِمَا يُفْعَلُ بِهِ الشَّيْءُ كَالْبَرُودِ لِمَا يُتَبَرَّدُ بِهِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الطَّهُورُ مِنْ الْأَوَّلِ، وَأَنْ يَكُونَ مِنْ الثَّانِي اهـ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ أَنْكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ دَلَالَتَهُ عَلَى التَّطْهِيرِ وَقَالُوا لَا يَزِيدُ عَلَى مَعْنَى الْمُبَالَغَةِ فِي وَصْفِ فَاعِلِهِ، أَقُولُ: كَفَاك حُجَّةً قَاطِعَةً عَلَى فَسَادِهِ قَوْلُهُ ﷺ «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» فَإِنَّ الطَّهُورَ هُنَا إنْ لَمْ يَكُنْ بِمَعْنَى الْمُطَهَّرِ لَمْ يَسْتَقِمْ لِفَوَاتِ مَا اُخْتُصَّتْ بِهِ الْأُمَّةُ.
قَوْلُ الشَّارِحِ: (وَإِنْ قَيَّدَ لِمُوَافَقَةِ الْوَاقِعِ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: الْغَرَضُ أَنْ يَصِحَّ الْإِطْلَاقُ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِخِلَافِ مَا لَا يَصِحُّ إلَّا
1 / 20
ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَالذَّنُوبُ بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ الدَّلْوُ الْمَمْلُوءُ. وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ. وَالْمَاءُ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُطْلَقِ لِتَبَادُرِهِ إلَى الْأَذْهَانِ. فَلَوْ رَفَعَ مَائِعٌ غَيْرُهُ مَا وَجَبَ غَسْلُ الْبَوْلِ بِهِ وَلَا التَّيَمُّمُ عِنْدَ فَقْدِهِ. وَيُشْتَرَطُ الْمَاءُ الْمُطْلَقُ أَيْضًا فِي غُسْلِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَالْغُسْلِ الْمَسْنُونِ وَالْوُضُوءِ الْمُجَدَّدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَلَا النَّجَسَ كَالْغَسْلَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ فِيهِمَا.
(فَالْمُتَغَيِّرُ بِمُسْتَغْنًى عَنْهُ) مُخَالِطٍ طَاهِرٍ (كَزَعْفَرَانٍ تَغَيُّرًا يَمْنَعُ إطْلَاقَ اسْمِ الْمَاءِ) لِكَثْرَتِهِ (غَيْرُ طَهُورٍ) كَمَا أَنَّهُ غَيْرُ مُطْلَقٍ إذْ مَا صَدَقُ الطَّهُورِ وَالْمُطْلَقِ وَاحِدٌ (وَلَا يَضُرُّ) فِي الطَّهَارَةِ (تَغَيُّرٌ لَا يَمْنَعُ الِاسْمَ) لِقِلَّتِهِ (وَلَا مُتَغَيِّرٌ بِمُكْثٍ وَطِينٍ وَطُحْلُبٍ وَمَا فِي مَقَرِّهِ وَمَمَرِّهِ) كَكِبْرِيتٍ وَزَرْنِيخٍ لِتَعَذُّرِ صَوْنِ الْمَاءِ عَمَّا ذُكِرَ، فَلَا يَمْنَعُ التَّغَيُّرُ بِهِ إطْلَاقَ الِاسْمِ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَشْبَهَ التَّغَيُّرُ بِهِ
ــ
[حاشية قليوبي]
جَوْهَرٌ لَطِيفٌ سَيَّالٌ شَفَّافٌ يَتَلَوَّنُ بِلَوْنِ إنَائِهِ، فَهُوَ لَا لَوْنَ لَهُ.
قَوْلُهُ: (الْأَعْرَابِيُّ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَهُوَ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ التَّمِيمِيُّ، وَاسْمُهُ حُرْقُوصٌ، وَهُوَ أَبُو أَصْلِ الْخَوَارِجِ، كَذَا فِي ابْنِ حَجَرٍ، وَفِي الْقَامُوسِ أَنَّ الَّذِي بَالَ فِي الْمَسْجِدِ فِي زَمَنِهِ ﷺ هُوَ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ الْيَمَانِيُّ، وَهُوَ مُسْلِمٌ صَحَابِيٌّ فَلْيُرَاجَعْ. قَوْلُهُ: (ذَنُوبًا) أَيْ مَظْرُوفَ ذُنُوبٍ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِلدَّلْوِ الْمُمْتَلِئَةِ مَاءً أَوْ قَرِيبَةِ الِامْتِلَاءِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ " مِنْ مَاءٍ ".
قَوْلُهُ: (وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ) أَيْ فِي الْحَدِيثِ. قَوْلُهُ: (وَالْمَاءُ) فِي الْآيَةِ، وَالْحَدِيثِ أَوْ فِي الْحَدِيثِ بِمَعُونَةِ الْآيَةِ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (لِمَا وَجَبَ إلَخْ) لِأَنَّ ذِكْرَ الْمَاءِ بَعْدَ ذَنُوبٍ الْمُقَيَّدِ بِهِ دَلِيلٌ عَلَى تَعْيِينِهِ فِي إسْقَاطِ الْوَاجِبِ، وَلِئَلَّا يَفُوتَ الِامْتِنَانُ بِهِ الْمَفْهُومُ مِنْ الْمَقَامِ الْمُقْتَضِي لِتَعْظِيمِ الْمِنَّةِ فِيهِ الْمُنْتَفِيَةِ فِي مُشَارَكَةِ غَيْرِهِ لَهُ. قَوْلُهُ: (وَنَحْوِ ذَلِكَ) كَطَهَارَةِ دَائِمِ الْحَدَثِ وَكَغُسْلِ الذِّمِّيَّةِ أَوْ الْمَجْنُونَةِ إذَا غَسَّلَهَا حَلِيلُهَا.
قَوْلُهُ: (فَالْمُتَغَيِّرُ) هُوَ مَفْهُومٌ مُطْلَقٌ أَوْ بِلَا قَيْدٍ إذْ هُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ. قَوْلُهُ: (بِمُسْتَغْنًى عَنْهُ) مِنْهُ مَاءٌ مُتَغَيِّرٌ بِمَا لَا يَضُرُّ أَوْ ثَمَرُ أَشْجَارٍ وَنَحْوِهَا وَلَوْ وَرَقًا كَوِرْدٍ لَا بِوَرَقِهَا وَلَوْ رَبِيعِيًّا. قَوْلُهُ: (كَزَعْفَرَانٍ) جَمْعُهُ زَعَافِرُ كَتُرْجُمَانٍ وَتَرَاجِمَ. قَوْلُهُ: (غَيْرِ طَهُورٍ) فَإِنْ زَالَ تَغَيُّرُهُ رَجَعَ إلَى طَهُورِيَّتِهِ قِيلَ وَلَمْ يَقُلْ غَيْرَ مُطْلَقٍ لِلْخِلَافِ الَّذِي عِنْدَ الرَّافِعِيِّ بِقَوْلِهِ: إنَّ مَفْهُومَ الْمُطْلَقِ أَعَمُّ لِشُمُولِهِ الْمُسْتَعْمَلَ، وَلِمَا زَادَهُ الشَّارِحُ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (إذَا مَاصَدَق) هُوَ مُرَكَّبٌ مَزْجِيٌّ بِضَمِّ الْقَافِ، وَخَبَرُهُ وَاحِدٌ، وَمَفْهُومُهُمَا مُخْتَلِفٌ، فَإِنَّ مَفْهُومَ الْمُطْلَقِ مَا يُسَمَّى مَاءٌ بِلَا قَيْدٍ، وَمَفْهُومَ الطَّهُورِ مَا يَرْفَعُ وَيُزِيلُ، وَبِذَلِكَ رُدَّ قَوْلُ الرَّافِعِيِّ فِيمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (فِي الطَّهَارَةِ) أَيْ الرَّفْعِ وَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ لَا فِي الطَّهُورِ الْمُحْوِجِ إلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ قَبْلَ مُتَغَيِّرٍ، كَذَا قِيلَ، وَالْوَجْهُ تَقْدِيرُ الْمُضَافِ وَمَا فِي شَرْحِ شَيْخِنَا غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ، وَإِنَّمَا قَالَ فِي الطَّهَارَةِ، وَلَمْ يَقُلْ فِي الْإِطْلَاقِ الَّذِي هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِتَهَافُتِ الْعِبَارَةِ إذْ يَصِيرُ التَّقْدِيرُ، وَلَا يَضُرُّ فِي الْإِطْلَاقِ الْإِطْلَاقُ.
(تَنْبِيهٌ) شَمِلَ مَا ذُكِرَ التَّغَيُّرَ التَّقْدِيرِيَّ كَأَنْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ مَا يُوَافِقُهُ فِي صِفَاتِهِ مِنْ الطِّهَارَاتِ، فَيُقَدَّرُ مُخَالِفًا لَهُ وَسْطًا فِيهَا كَطَعْمِ الرُّمَّانِ وَلَوْنِ عَصِيرِهِ وَرِيحِ اللَّاذَنِ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ، قَالُوا: وَلَا بُدَّ مِنْ عَرْضِ الصِّفَاتِ الثَّلَاثَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْوَاقِعِ إلَّا صِفَةٌ وَاحِدَةٌ فَمَتَى لَمْ يَتَغَيَّرْ فِي وَاحِدَةٍ فَهُوَ طَهُورٌ، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَحَيْثُ خَرَجَ عَنْ اسْمِ الْمَاءِ فِي أَحَدِ التَّغَيُّرَيْنِ فَلَا يَحْنَثُ بِهِ مَنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مَاءً، لِعَدَمِ وُجُودِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فِي الْوَاقِعِ عُرْفًا. قَوْلُهُ: (لِكَثْرَتِهِ) أَيْ يَقِينًا فَلَوْ شَكَّ فِيهَا ابْتِدَاءً أَوْ انْتِهَاءً، فَهُوَ طَهُورٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: (وَطُحْلُبٍ) أَيْ لَمْ يُفَتَّتْ وَيُطْرَحْ فِيهِ وَيُخَالِطْهُ بَعْدَ طَرْحِهِ كَمَا تَقَدَّمَ.
قَوْلُهُ: (كَكِبْرِيتٍ) وَلَوْ مَصْنُوعًا لِإِصْلَاحِ الْمَقَرِّ لَا لِإِصْلَاحِ الْمَاءِ وَلَا عَبَثًا، وَمِنْهُ الْجِبْسُ وَالْجِصُّ وَالْقَطِرَانُ الْمُخَالِطُ، أَمَّا الْمُجَاوِرُ فَلَا يَضُرُّ مُطْلَقًا. وَالْمُرَادُ الْكِبْرِيتُ الْمُفَتَّتُ، وَإِلَّا
ــ
[حاشية عميرة]
مُقَيَّدًا. قَوْلُ الشَّارِحِ: (وَيُشْتَرَطُ الْمَاءُ الْمُطْلَقُ أَيْضًا فِي غُسْلِ الْمُسْتَحَاضَةِ) لَوْ قَالَ: فِي وُضُوءِ الْمُسْتَحَاضَةِ لَكَانَ أَوْلَى
قَوْلُ الشَّارِحِ: (إذْ مَا صَدَقُ الطَّهُورِ وَالْمُطْلَقِ وَاحِدٌ) هُوَ بِالرَّفْعِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَلَا يَضُرُّ تَغَيُّرٌ لَا يَمْنَعُ الِاسْمَ) دَلِيلُهُ «أَنَّهُ ﷺ اغْتَسَلَ هُوَ وَمَيْمُونَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ فِيهِ أَثَرُ الْعَجِينِ» . قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَطُحْلُبٍ) يُشْتَرَطُ عَدَمُ الطَّرْحِ فِي الطُّحْلُبِ وَنَحْوِهِ دُونَ الطِّينِ فَفِيهِ خِلَافُ التُّرَابِ الْآتِي، ثُمَّ الْمُرَادُ هُنَا بِالْمَذْكُورَاتِ أَعَمُّ مِنْ الْمُفَتَّتِ الْمُخَالِطِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (فَلَا يَمْنَعُ التَّغَيُّرُ بِهِ إطْلَاقَ الِاسْمِ) كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ حَيْثُ قَالَ: لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ عَدَمُ إمْكَانِ الِاحْتِرَازِ مُسَوِّغًا لِلْإِطْلَاقِ عِنْدَ أَهْلِ الْعُرْفِ وَاللِّسَانِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (أَوْ بِتُرَابٍ) أَيْ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ كَالنُّورَةِ.
[الْمَاء الْمُشْمِس]
قَوْلُ الْمَتْنِ: (قِيلَ وَنَفْلُهَا) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: لَيْسَ مَعْنَاهُ النَّفَلَ دُونَ الْفَرْضِ إذْ لَا قَائِلَ بِهِ، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ النَّفَلَ فِي ذَلِكَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ كَالْفَرْضِ. فَيَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ عَلَى الْأَوَّلِ الْفَرْضَ، وَعَلَى الثَّانِي أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ، فَيَنْتِجُ أَنَّ غُسْلَ الذِّمِّيَّةِ لَيْسَ بِطَهُورٍ قَطْعًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَكَانَ الصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ: قِيلَ بَلْ عِبَادَتُهَا
قَوْلُ الْمَتْنِ: (غَيْرُ طَهُورٍ فِي الْجَدِيدِ) الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ تَرْجِيحُ طَرِيقِ الْقَطْعِ بِذَلِكَ.
1 / 21