ولا ولدا، وأشهد أن محمدا (صلى الله عليه وآله) عبد انتجبه، ورسول ابتعثه، على حين فترة من الرسل، وطول هجعة من الأمم وانبساط من الجهل، واعتراض من الفتنة، وانتقاض من المبرم، وعمى عن الحق، واعتساف من الجور، وامتحاق من الدين.
وأنزل إليه الكتاب، فيه البيان والتبيان (قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون) قد بينه للناس ونهجه، بعلم قد فصله، ودين قد أوضحه، وفرائض قد أوجبها، وأمور قد كشفها لخلقه وأعلنها، فيها دلالة إلى النجاة، ومعالم تدعو إلى هداه.
فبلغ (صلى الله عليه وآله) ما أرسل به، وصدع بما أمر، وأدى ما حمل من أثقال النبوة، وصبر لربه، وجاهد في سبيله، ونصح لأمته، ودعاهم إلى النجاة، وحثهم على الذكر، ودلهم على سبيل الهدى من بعده، بمناهج ودواع أسس للعباد أساسها، ومنائر رفع لهم أعلامها، لكي لا يضلوا من بعده، وكان بهم رؤوفا رحيما.
فلما انقضت مدته، واستكملت أيامه، توفاه الله وقبضه إليه، وهو عند الله مرضي عمله، وافر حظه، عظيم خطره، فمضى (صلى الله عليه وآله) وخلف في أمته كتاب الله، ووصيه أمير المؤمنين وإمام المتقين صلوات الله عليه، صاحبين مؤتلفين، يشهد كل واحد منهما لصاحبه بالتصديق، ينطق الإمام عن الله في الكتاب بما أوجب الله فيه على العباد، من طاعته، وطاعة الإمام وولايته، وواجب حقه، الذي أراد من استكمال دينه، وإظهار أمره، والاحتجاج بحججه، والاستضاءة بنوره، في معادن أهل صفوته ومصطفي أهل خيرته.
فأوضح الله بأئمة الهدى من أهل بيت نبينا (صلى الله عليه وآله) عن دينه، وأبلج بهم عن سبيل مناهجه؛ وفتح بهم عن باطن ينابيع علمه، وجعلهم مسالك لمعرفته، ومعالم لدينه، وحجابا بينه وبين خلقه؛ والباب المؤدي إلى معرفة حقه، وأطلعهم على المكنون من غيب سره.
<div>____________________
<div class="explanation"> قوله: (ومعالم تدعو إلى هداه).
الهاء في " هداه " إما ضمير راجع إليه سبحانه (1) أضيف إليه الهدى . وإما زائدة في الوقف.</div>
صفحہ 34