ثابتة يبصرها ويجد حقيقتها في قلبه، ولا يكون أحد كذلك إلا من كان قوله لفعله مصدقا، وسره لعلانيته موافقا؛ لأن الله - تبارك اسمه - لم يدل على الباطن الخفي من العقل إلا بظاهر منه، وناطق عنه.
يا هشام، كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: ما عبد الله بشيء أفضل من العقل، وما تم عقل امرئ حتى يكون فيه خصال شتى: الكفر والشر منه مأمونان، والرشد والخير منه مأمولان، وفضل ماله مبذول، وفضل قوله مكفوف، ونصيبه من الدنيا القوت، لا يشبع من العلم دهره، الذل أحب إليه مع الله من العز مع غيره، والتواضع أحب إليه من الشرف، يستكثر قليل المعروف من غيره، ويستقل كثير المعروف من نفسه، ويرى الناس كلهم خيرا منه، وأنه شرهم في نفسه، وهو تمام الأمر.
<div>____________________
<div class="explanation"> والقول ظاهر (1) يعبر عنه، فإن دل الفعل على عدم تقرر الاعتقاد وثبوته ولم يصدقه القول، فالمعتبر دلالة الفعل. وأما دلالة الفعل على التقرر والثبوت لحقيقة المعرفة مع مخالفة القول فغير متصور، فإن القول إذن فعل دال على عدم ثبوت حقيقة المعرفة وتقررها في قلبه، ومن لم يجد (2) حقيقة المعرفة في قلبه لم يكن ذا معرفة ناشئة عن جانب الله، ومن لم يكن عاقلا عن الله لم يخف الله.
قوله: (ما عبد الله بشيء أفضل من العقل).
فإن حقيقة العبادة التذلل والخضوع، وإنما الكاملة البالغة نهايتها بالمعرفة (3).
قوله: (ويرى الناس كلهم خيرا منه).
وذلك بأن يحسن ظنه بهم، ويتهم نفسه، فكل ما في غيره - مما يحتمل وجها حسنا - يحمله عليه، وكل ما فيه - مما يحتمل وجها قبيحا - يجوزه في نفسه، فيظن بغيره خيرا، ولا يظن بنفسه خيرا، فيظن لكل منهم أنه خير منه، ويكون هو عند نفسه شرا منهم.</div>
صفحہ 56