مطية، ومطية العقل التواضع، وكفى بك جهلا أن تركب ما نهيت عنه.
يا هشام، ما بعث الله أنبياءه ورسله إلى عباده إلا ليعقلوا عن الله، فأحسنهم استجابة أحسنهم معرفة، وأعلمهم بأمر الله أحسنهم عقلا، وأكملهم عقلا أرفعهم درجة في الدنيا والآخرة.
يا هشام، إن لله على الناس حجتين: حجة ظاهرة، وحجة باطنة، فأما الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمة (عليهم السلام)، وأما الباطنة فالعقول.
يا هشام، إن العاقل الذي لا يشغل الحلال شكره، ولا يغلب الحرام صبره.
يا هشام، من سلط ثلاثا على ثلاث فكأنما أعان على هدم عقله: من أظلم نور تفكره بطول أمله، ومحا طرائف حكمته بفضول كلامه، وأطفأ نور عبرته بشهوات نفسه، فكأنما أعان هواه على هدم عقله، ومن هدم عقله أفسد عليه دينه ودنياه.
يا هشام، كيف يزكو عند الله عملك، وأنت قد شغلت قلبك عن أمر ربك، وأطعت هواك على غلبة عقلك؟!
يا هشام، الصبر على الوحدة علامة قوة العقل، فمن عقل عن الله اعتزل أهل الدنيا والراغبين فيها، ورغب فيما عند الله، وكان الله أنسه في الوحشة، وصاحبه في الوحدة، وغناه في العيلة، ومعزه من غير عشيرة.
<div>____________________
<div class="explanation"> قوله: (ومطية العقل التواضع).
يعني التذلل والانقياد للأوامر والنواهي، فمن ركب المنهي عنه ولم يتواضع للأوامر والنواهي، بقي عقله بلا مطية، فيصير إلى الجهل.
قوله: (فأحسنهم استجابة).
لما كان غاية البعثة والإرسال حصول معرفة الله، فمن كان أحسن معرفة كان أحسن استجابة، ومن كان أحسن عقلا كان أعلم بأمر الله وأعمل به، فالأكمل عقلا أرفع درجة؛ حيث يتعلق رفع الدرجة بكمال ما هو الغاية.
قوله: (نصب الحق لطاعة الله).
أي أقيم الحق بإرسال الرسل وإنزال الكتب، ليطاع الله في أوامره ونواهيه، ولا نجاة إلا</div>
صفحہ 53